وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فلو شاء ربي كنت قيس بن عاصم ... ولو شاء ربي كنت عمرو بن مرثد فبنوا على ذلك تخليطا بين مشيئة الله بمعنى تعلق إرادته بوقوع شيء وبين مشيئته التي قدرها في نظام العالم من إناطة المسببات بأسبابها واتصال الآثار بمؤثراتها التي رتبها الله بقدر حين كون العالم ونظمه وأقام له سننا ونواميس لا تخرج عن مدارها إلا إذا أراد الله قلب نظمها لحكمة أخرى .
فمشيئة الله بالمعنى الأول يدل عليها ما أقامه من نظام أحوال العالم وأهله . ومشيئته بالمعنى الثاني تدل عليها شرائعه المبعوثة بها رسله .
وهذا التخليط بين المشيئتين وهو مثار خبط أهل الضلالات من الأمم ومثار حيرة أهل الجهالة والقصور من المسلمين في معنى القضاء والقدر ومعنى التكليف والخطاب . وقد بينا ذلك عند قوله تعالى ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا ) في سورة الأنعام .
وهذا القول الصادر منهم ينتظر منه قياس استثنائي أن يقال : لو شاء الله ما عبدنا الأصنام بدليل أن الله هو المتصرف في شؤوننا وشؤون الخلائق لكنا عبدنا الأصنام بدليل المشاهدة فقد شاء الله أن نعبد الأصنام .
A E وقد أجيبوا عن قولهم بقوله تعالى ( ما لهم بذلك من علم ) أي ليس لهم مستند ولا حجة على قياسهم لأن مقدم القياس الاستثنائي وهو ( لو شاء الرحمان ما عبدناهم ) مبني على التباس المشيئة التكوينية بالمشيئة التكليفية فكان قياسهم خليا عن العلم وهو اليقين فلذلك قال الله ( ما لهم بذلك ) أي بقولهم ذلك ( من علم ) بل هو من جهالة السفسطة واللبس .
والإشارة إلى الكلام المحكي بقوله ( وقالوا لو شاء الرحمان ) .
وجملة ( إن هم إلا يخرصون ) بيان لجملة ( ما لهم بذلك من علم ) .
والخرص : التوهم والظن الذي لا حجة فيه قال تعالى ( قتل الخراصون ) ( أم إتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون [ 21 ] ) إضراب انتقالي عطف على جملة ( ما لهم بذلك من علم ) فبعد أن نفى أن يكون قولهم ( لو شاء الرحمان ما عبدناهم ) مستندا إلى حجة العقل انتقل إلى نفي أن يكون مستندا إلى حجة النقل عن إخبار العالم بحقائق الأشياء التي هي من شؤونه .
واجتلب للإضراب حرف ( أم ) دون ( بل ) لما تؤذن به ( أم ) من استفهام بعدها وهو إنكاري . والمعنى : وما آتيناهم كتابا من قبله . وضمير ( من قبله ) عائد إلى القرآن المذكور في أول السورة . وفي قوله ( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) . وفي هذا ثناء ثالث على القرآن ضمني لاقتضائه أن القرآن لا يأتي إلا بالحق الذي يستمسك به .
وهذا تمهيد للتخلص إلى قوله تعالى ( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة ) .
و ( من ) مزيدة لتوكيد معنى ( قبل ) . والضمير المضاف إليه ( قبل ) ضمير القرآن ولم يتقدم له معاد في اللفظ ولكنه ظاهر من دلالة قوله ( كتابا ) .
و ( مستمسكون ) مبالغة في ( ممسكون ) يقال : أمسك بالشيء إذا شد عليه يده وهو مستعمل مجازا في معنى الثبات على الشيء كقوله تعالى ( فأستمسك بالذي أوحي إليك ) .
( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون [ 22 ] ) هذا إضراب إبطال عن الكلام السابق من قوله تعالى ( فهم به مستمسكون ) فهو إبطال للمنفي لا للنفي أي ليس لهم علم فيما قالوه ولا نقل . فكان هذا الكلام مسوقا مساق الذم لهم إذ لم يقارنوا بين ما جاءهم به الرسول وبين ما تلقوه من آبائهم فإن شأن العاقل أن يميز ما يلقى إليه من الاختلاف ويعرضه على معيار الحق .
والأمة هنا بمعنى الملة والدين كما في قوله تعالى في سورة الأنبياء ( إن هذه أمتكم أمة واحدة ) وقول النابغة : .
" وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع أي ذو دين .
و ( على ) استعارة تبعية للملابسة والتمكن .
وقوله ( على آثارهم ) خبر ( إن ) . و ( مهتدون ) خبر ثان . ويجوز أن يكون ( على آثارهم ) متعلقا ب ( مهتدون ) بتضمين ( مهتدون ) معنى " سائرون " أي أنهم لا حجة لهم في عبادتهم الأصنام إلا تقليد آبائهم وذلك ما يقولونه عند المحاجة إذ لا حجة لهم غير ذلك .
وجعلوا اتباعهم إياهم اهتداء لشدة غرورهم بأحوال آبائهم بحيث لا يتأملون في مصادفة أحوالهم للحق