وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

ومعنى كونه شرع للمسلمين من الدين ما وصى به نوحا أن الإسلام دين مثل ما أمر به نوحا وحضه عليه . فقوله ( ما وصى به نوحا ) مقدر فيه مضاف أي مثل ما وصى به نوحا أو هو بتقدير كاف التشبيه على طريقة التشبيه البليغ مبالغة في شدة المماثلة حتى صار المثل كأنه عين مثله . وهذا تقدير شائع كقول ورقة بن نوفل " هذا هو الناموس الذي أنزل على عيسى " .
والمراد : المماثلة في أصول الدين مما يجب لله تعالى من الصفات وفي أصول الشريعة من كليات التشريع وأعظمها توحيد الله ثم ما بعده من الكليات الخمس الضروريات ثم الحاجيات التي لا يستقيم نظام البشر بدونها فإن كل ما اشتملت عليه الأديان المذكورة من هذا النوع قد أودع مثله في دين الإسلام .
فالأديان السابقة كانت تأمر بالتوحيد والإيمان بالبعث والحياة الآخرة وتقوى الله بامتثال أمره واجتناب منهيه على العموم وبمكارم الأخلاق بحسب المعروف قال تعالى ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ) . وتختلف في تفاصيل ذلك وتفاريعه .
ودين الإسلام لم يخل عن تلك الأصول وإن خالفها في التفاريع تضييقا وتوسيعا وامتازت هذه الشريعة بتعليل الأحكام وسد الذرائع والأمر بالنظر في الأدلة وبرفع الحرج وبالسماحة وبشدة الاتصال بالفطرة وقد بينت ذلك في كتابي مقاصد الشريعة الإسلامية .
A E أو المراد المماثلة فيما وقع عقبه بقوله ( أن أقيموا الدين ) إلخ بناء على أن تكون ( أن ) تفسيرية أي شرع لكم وجوب إقامة الدين الموحى به وعدم التفرق فيه كما سيأتي . وأيا ما كان فالمقصود أن الإسلام لا يخالف هذه الشرائع المسماة وأن اتباعه يأتي بما أتت به من خير الدنيا والآخرة .
والاقتصار على ذكر دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى لأن نوحا أول رسول أرسله الله إلى الناس فدينه هو أساس الديانات قال تعالى ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) ولأن دين إبراهيم هو أصل الحنيفية وانتشر بين العرب بدعوة إسماعيل إليه فهو أشهر الأديان بين العرب وكانوا على أثارة منه في الحج والختان والقرى والفتوة . ودين موسى هو أوسع الأديان السابقة في تشريع الأحكام وأما دين عيسى فلأنه الدين الذي سبق دين الإسلام ولم يكن بينهما دين آخر وليتضمن التهيئة إلى دعوة اليهود والنصارى إلى دين الإسلام .
وتعقيب ذكر دين نوح بما أوحي إلى محمد عليهما السلام للإشارة إلى أن دين الإسلام هو الخاتم للأديان فعطف على أول الأديان جمعا بين طرفي الأديان ثم ذكر بعدهما الأديان الثلاثة الأخر لأنها متوسطة بين الدينين المذكورين قبلها . وهذا نسج بديع من نظم الكلام ولولا هذا الاعتبار لكان ذكر الإسلام مبتدأ به كما في قوله ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) وقوله ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ) الآية في سورة الأحزاب .
وذكر في الكشاف في آية الأحزاب أن تقديم ذكر النبي A في التفصيل لبيان أفضليته لأن المقام هنالك لسرد من أخذ عليهم الميثاق وأما آية سورة الشورى فإنما أوردت في مقام وصف دين الإسلام بالأصالة والاستقامة فكأن الله قال : شرع لكم الدين الأصيل الذي بعث به نوحا في العهد القديم وبعث به محمد A في العهد الحديث وبعث به من توسط بينهما .
فقوله ( والذي أوحينا إليك ) هو ما سبق نزوله قبل هذه الآية من القرآن بما فيه من أحكام فعطفه على ما وصى به نوحا لما بينه وبين ما وصى به نوحا من المغايرة بزيادة التفصيل والتفريع . وذكره عقب ما وصى به نوحا للنكتة التي تقدمت .
وفي قوله تعالى ( ما وصى به نوحا ) وقوله ( وما وصينا به إبراهيم ) جيء بالموصول ( ما ) وفي قوله ( والذي أوحينا إليك ) جيء بالموصول ( الذي ) وقد يظهر في بادئ الرأي أنه مجرد تفنن بتجنب تكرير الكلمة ثلاث مرات متواليات وذلك كاف في هذا التخالف . وليس يبعد عندي أن يكون هذا الاختلاف لغرض معنوي وأنه فرق في استعمال الكلام البليغ وهو أن ( الذي ) وأخوته هي الأصل في الموصولات فهي موضوعة من أصل الوضع للدلالة على من يعين بحالة معروفة هي مضمون الصلة ف ( الذي ) يدل على معروف عند المخاطب بصلته