وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

المقام السادس : صدور الآثار النافعة في مدى العمر مما يكسب ثناء الناس في العاجل وثواب الله في الآجل . فإن العالم مصدر الإرشاد والعلم دليل على الخير وقائد إليه قال الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) . والعلم على مزاولته ثواب جزيا قال النبي A " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده " . وعلى بثه مثل ذلك قال النبي A " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية وعلم بثه في الصدور وولد صالح يدعو له بخير " .
فهذا التفاوت بين العالم والجاهل في صوره التي ذكرناها مشمول لنفي الاستواء الذي في قوله تعالى ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) وتتشعب من هذه المقامات فروع جمة وهي على كثرتها تنضوي تحت معنى هذه الآية .
A E وقوله ( إنما يتذكر أولوا الألباب ) واقع موقع التعليل لنفي الاستواء بين العالم وغيره المقصود منه تفضيل العالم والعلم فإن كلمة ( إنما ) مركبة من حرفين ( إن ) و ( ما ) الكافة أو النافية فكانت ( إن ) فيه مفيدة لتعليل ما قبلها مغنية غناء فاء التعليل إذ لا فرق بين ( إن ) المفردة ( وإن ) المركبة مع ( ما ) بل أفادها التركيب زيادة تأكيد وهو نفي الحكم الذي أثبتته ( إن ) عن غير من أثبتته له .
وقد أخذ في تعليل ذلك جانب إثبات التذكير للعالمين ونفيه من غير العالمين بطريق الحصر لأن جانب التذكر هو جانب العمل الديني وهو المقصد الأهم في الإسلام لأن به تزكية النفس والسعادة الأبدية قال النبي A " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " .
والألباب : العقول وأولو الألباب : هم أهل العقول الصحيحة وهم أهل العلم . فلما كان أهل العلم هم أهل التذكر دون غيرهم أفاد عدم استواء الذين يعلمون والذين لا يعلمون . فليس قوله ( إنما يتذكر أولو الألباب ) كلاما مستقلا .
( قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [ 10 ] ) لما أجري الثناء على المؤمنين بإقبالهم على عبادة الله في أشد الآناء وبشدة مراقبتهم إياه بالخوف والرجاء وبتمييزهم بصفة العلم والعقل والتذكر بخلاف حال المشركين في ذلك كله أتبع ذلك بأمر رسول الله A بالإقبال على خطابهم للاستزادة من ثباتهم ورباطة جأشهم والتقدير : قل للمؤمنين بقرينة قوله ( يا عباد الذين آمنوا ) الخ .
وابتداء الكلام بالأمر بالقول للوجه الذي تقدم في نظيره آنفا وابتداء المقول بالنداء وبوصف العبودية المضاف إلى ضمير الله تعالى كل ذلك يؤذن بالاهتمام سيقال وبأنه سيقال لهم عن ربهم وهذا وضع لهم في مقام المخاطبة من الله وهي درجة عظيمة .
وحذفت ياء المتكلم المضاف إليها ( عباد ) وهو استعمال كثير في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم . وقرأه العشرة ( يا عباد ) بدون ياء في الوصل والوقف كما في إبراز المعاني لأبي شامة وكما في الدرة المضيئة في القراءات الثلاث المتممة للعشر لعلي الضباع المصري بخلاف قوله تعالى قل ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) الآتي في هذه السورة فالمخالفة بينهما مجرد تفنن . وقد يوجه هذا التخالف بأن المخاطبين في هذه الآية هم عباد الله المتقون فانتسابهم إلى الله مقرر فاستغني عن إظهار ضمير الجلالة في إضافتهم إليه بخلاف الآية الآتية فليس في كلمة ( يا عباد ) من هذه الآية إلا وجه واحد باتفاق العشرة ولذلك كتبها كتاب المصحف بدون ياء بعد الدال . وما وقع في تفسير ابن عطية من قوله " وقرأ جمهور القراء ( قل يا عبادي ) بفتح الياء . وقرأ أبو عمرو أيضا وعاصم والأعشى وابن كثي ( يا عباد ) بغير ياء في الوصل " اه . سهو وإنما أختلف القراء في الآية الآتية ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) في هذه السورة فإنها ثبتت فيه ياء المتكلم فاختلفوا كما سنذكره .
والأمر بالتقوى مراد به الدوام على المأمور به لأنهم متقون من قبل وهو يشعر بأنهم قد نزل بهم من الأذى في الدين ما يخشى عليهم معه أن يقصروا في تقواهم