وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والمعنى : الذين اتصفوا بصفة العلم وليس المقصود الذين علموا شيئا معينا حتى يكون من حذف المفعولين اختصارا إذ ليس المعنى عليه وقد دل على أن المراد الذين اتصفوا بصفة العلم قوله عقبه ( إنما يتذكر أولوا الألباب ) أي أهل العقول والعقل والعلم مترادفان أي لا يستوي الذين لهم علم فهم يدركون حقائق الأشياء على ما هي عليه وتجري أعمالهم على حسب علمهم مع الذين لا يعلمون فلا يدركون الأشياء على ما هي عليه بل تختلط عليهم الحقائق وتجري أعمالهم على غير انتظام كحال الذين توهموا الحجارة آلهة ووضعوا الكفر موضع الشكر . فتعين أن المعنى : لا يستوي من هو قانت آناء الليل يحذر ربه ويرجوه ومن جعل لله أندادا ليضل عن سبيله . وإذ قد تقرر أن الذين جعلوا لله أندادا هم الكفار بحكم قوله ( قل تمتع بكفرك قليلا ) ثبت أن الذين لا يستوون معهم هم المؤمنون أي هم أفضل منهم وإذ تقرر أن الكافرين من أصحاب النار فقد اقتضى أن المفضلين عليهم هم من أصحاب الجنة .
A E وعدل عن أن يقول : هل يستوي هذا وذاك إلى التعبير بالموصول إدماجا للثناء على فريق ولذم فريق بأن أهل الإيمان أهل علم وأهل الشرك أهل جهالة فأغنت الجملة بما فيها من إدماج عن ذكر جملتين فالذين يعلمون هم أهل الإيمان قال تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) والذين لا يعلمون هم أهل الشرك الجاهلون قال تعالى ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) .
وفي ذلك إشارة إلى أن الإيمان أخو العلم لأن كليهما نور ومعرفة حق وأن الكفر أخو الضلال لأنه والضلال ظلمة وأوهام باطلة .
هذا ووقوع فعل ( يستوي ) في حيز النفي يكسبه عموم النفي لجميع جهات الاستواء . وإذ قد كان نفي الاستواء كناية عن الفضل آل إلى إثبات الفضل للذين يعلمون على وجه العموم فإنك ما تأملت مقاما اقتحم فيه عالم وجاهل إلا وجدت للعالم فيه من السعادة ما لا تجده ولنضرب لذلك مثلا بمقامات ستة هي جل وظائف الحياة الاجتماعية .
المقام الأول : الاهتداء إلى الشيء المقصود نواله بالعمل به وهو مقام العمل فالعالم بالشيء يهتدي إلى طرقه فيبلغ المقصود بيسر وفي قرب ويعلم ما هو من العمل أولى بالإقبال عنه وغير العالم به يضل مسالكه ويضيع زمانه في طلبه فإما أن يخيب في سعيه وإما أن يناله بعد أن تتقاذفه الأرزاء وتتنابه النوائب وتختلط عليه الحقائق فربما يتوهم أنه بلغ المقصود حتى إذا انتبه وجد نفسه في غير مراده ومثله قوله تعالى ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ) . ومن أجل هذا شاع تشبيه العلم بالنور والجهل بالظلمة .
والمقام الثاني : ناشئ عن الأول وهو مقام السلامة من نوائب الخطأ ومزلات المذلات فالعالم يعصمه علمه من ذلك والجاهل يريد السلامة فيقع في الهلكة فإن الخطأ قد يوقع في الهلاك من حيث طلب الفوز ومثله قوله تعالى ( فما ربحت تجارتهم ) إذ مثلهم بالتاجر خرج يطلب فوائد الربح من تجارته فآب بالخسران ولذلك يشبه سعي الجاهل بخبط العشواء ولذلك لم يزل أهل النصح يسهلون لطلبة العلم الوسائل التي تقيهم الوقوع فيما لا طائل تحته من أعمالهم .
المقام الثالث : مقام أنس الانكشاف فالعالم تتميز عنده المنافع والمضار وتنكشف له الحقائق فيكون مأنوسا بها واثقا بصحة إدراكه وكلما انكشفت له حقيقة كان كمن لقي أنيسا بخلاف غير العالم بالأشياء فإنه في حيرة من أمره حين تختلط عليه المتشابهات فلا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع فإن اجتهد لنفسه خشي الزلل وإن قلد خشي زلل مقلده وهذا المعنى يدخل تحت قوله تعالى ( كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ) .
المقام الرابع : مقام الغنى عن الناس بمقدار العلم والمعلومات فكلما ازداد علم العالم قوي غناه عن الناس في دينه ودنياه .
المقام الخامس : الالتذاذ بالمعرفة وقد حصر فخر الدين الرازي اللذة في المعارف وهي لذة لا تقطعها الكثرة . وقد ضرب الله مثلا بالظل إذ قال ( ولا يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور ) فإن الجلوس في الظل يلتذ به أخل البلاد الحارة