وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اقتضت الفاء وترتيب الجمل أن تسخير الريح وتسخير الشياطين كانا بعد أن سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من يعده أن أعطاه هاتين الموهبتين زيادة في قوة ملكه وتحقيقا لاستجابة دعوته نه إنما سأل ملكا لا ينبغي لأحد غيره ولم يسأل الزيادة فيما أعطيه من الملك .
ولعل الله أراد أن يعطيه هاتين الموهبتين وأن لا يعطيهما أحدا بعده حتى إذا أعطى أحدا بعده ملكا مثل ملكه فيما عدا هاتين الموهبتين لم يكن قد أخلف إجابته .
والتسخير الإلجاء إلى عمل بدون اختيار وهو مستعار هنا لتكوين أسباب نصرف الريح إلى الجهات التي يريد سليمان توجيه سفنه إليها لتكون معينة سفنه على سرعة سيرها ولئلا تعاكس وجهة سفنه وتقدم في قوله تعالى ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ) في سورة النمل .
وقرأ أبو جعفر ( الرياح ) بصيغة الجمع .
وتقدم في قوله ( تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ) في سورة الأنبياء .
والام في ( له ) للعلة أي لأجله أي ذلك التسخير كرامة من الله له بأن جعل تصريف الرياح مقدرا على نحو رغبته .
والأمر في قوله ( بأمره ) مستعار للرغبة أو للدعاء بأن يدعو الله أن تكون الريح متجهة إلى صوب كذا حسب خطة أسفار سفائنه أو يرغب ذلك في نفسه فيصرف الله الريح إلى ما يلائم رغبته وهو العليم بالخفيات .
والرخاء : اللينة التي لا زعزعة في هبوبها . وانتصب ( رخاء ) على الحال من ضمير ( تجري ) أي تجري بأمره لينة مساعدة لسير السفن وهذا من التسخير لأن شأن الريح أن تتقلب كيفيات هبوبها وأكثر ما تهب أن تهب شديدة عاصفة وقد قال تعالى في سورة الأنبياء ( ولسليمان الريح عاصفة ) ومعناه : سخرنا لسليمان الريح التي شأنها العصوف فمعنى ( فسخرنا له ) جعلناها له رخاء . فانتصب ( عاصفة ) في آية سورة الأنبياء على الحال من ( الريح ) وهي حال منتقلة . ولما أعقبه بقوله ( تجري بأمره ) علم أن عصفها يصير إلى لين بأمر سليمان أي دعائه أو بعزمه أو برغبته لأنه لا تصلح له أن تكون عاصفة بحال من الأحوال فهذا وجه دفع التنافي بين الحالين في الآيتين .
و ( أصاب ) معناه قصد وهو مشتق من الصوب أي الجهة أي تجري إلى حيث أي جهة قصد السير غليها . حكى الأصمعي عن العرب ( أصاب الصواب فأخطأ الجواب ) أي أراد الصواب فلم يصب .
وقيل : هذا استعمال لها في لغة حمير وقيل في لغة هجر .
A E والشياطين جمع شيطان وحقيقته الجني ويستعمل مجازا للبالغ غاية المقدرة والحذق في العمل الذي يعمله . ومنه قوله تعالى ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ) فسخر الله النوع الأول لسليمان تسخيرا خارقا للعادة على وجه المعجزة فهو مسخر له في الأمور الروحانية والتصرفات الخفية وليس من شأن جنسهم إيجاد الصناعات المتقنة كالبناء وسخر النوع الثاني له تسخير إذلال ومغلوبية لعظم سلطانه وإلقاء مهابته في قلوب المم فكانوا يأتون طوعا للانضواء تحت سلطانه كما فعلت بلقيس وقد تقدم في سورة سبا . فيجوز أن يكون ( الشياطين ) مستعملا في حقيقته ومجازه .
و ( كل بناء ) بدل من ( الشياطين ) بدل بعض من كل أي كل بناء وغواص منهم أي من الشياطين .
و ( كل ) هنا مستعملة في معنى الكثير وهو استعمال وارد في القرآن والكلام الفصيح قال تعالى ( ولو جاءتهم كل آية ) وقال ( ثم كلي من كل الثمرات ) . وقال النابغة : .
" بها كل ذيال وخنساء ترعوي وتقدم عند قوله تعالى ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) في سورة الأنعام .
والبناء : الذي يبني وهو اسم فاعل مصوغ على زنة المبالغة للدلالة على معنى الصناعة مثل نجار وقصار وحداد .
والغواص : الذي يغوص في البحر لاستخراج محار اللؤلؤ وهو أيضا مما صيغ على وزن المبالغة للدلالة على الصناعة قال النابغة : .
أو درة صدفية غواصها ... بهج متى يرها يهل ويسجد قال تعالى ( ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك ) .
وقد بلغت الصناعة في ملك سليمان مبلغا من الإتقان والجودة والجلال وناهيك ببناء هيكل أورشليم وهو الذي سمي في الإسلام المسجد الأقصى وما جلب إليه من المواد إقامته من الممالك المجاورة له وكذلك الصرح الذي أقامه وأدخلت عليه فيه مملكة سبأ