وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وجعل لهم من بعد هذا العالم الزائل عالما خالدا يكون فيه وجود الإنصاف محوطا بما تستحقه كمالاتها وأضدادها من حسن أو سوء ولو لم يجعل الله العالم الأبدي لذهب صلاح الصالحين باطلا أجهدوا فيه أنفسهم وأضاعوا في تحصيله جما غفيرا من لذائذهم الزائلة دون مقابل ولعاد فساد المفسدين غنما أرضوا به أهواءهم ونالوا به مشتهاهم فذهب ما جروه على الناس من أرزاء باطلا فلا جرم لو لم يكن الجزاء الأبدي لعاد خلق الأرض باطلا ولفاز الغوي بغوايته .
فإذا استقرت هذه المقدمة تعين أن إنكار البعث والجزاء يلزمه أن يكون منكره قائلا بأن خلق السماء والأرض وما بينهما شيء من الباطل وقد دلت الدلائل الأخرى أن لا يكون في خلق ذلك شيء من الباطل بقياس الخفي على الظاهر فبطل ما يفضي إلى القول بأن في خلق بعض ما ذكر شيء من الباطل .
والمشركون وإن لم يصدر منهم ذلك ولا اعتقدوه لكنهم آيلون إلى لزومه لهم بطريق دلالة الالتزام لأن من أنكر البعث والجزاء فقد تقلد أن ما هو جار في أحوال الناس الباطل والناس من خلق الله فباطلهم إذا لم يؤاخذهم خالقهم عليه الكون مما أقره خالقهم فيكون في خلق السماء والأرض وما بينهما شيء من الباطل فتنتقض كلية قوله ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ) وهو ما ألزمهم إياه قوله تعالى ( ذلك ظن الذين كفروا ) . والإشارة إلى القضية المنفية لا إلى نفيها أي خلق المذكورات باطلا هو ظن الذين كفروا أي اعتقادهم . وأطلق الظن على العلم لأن ظنهم علم مخالف للواقع فهو باسم الظن أجدر لأن إطلاق الظن يقع عليه أنواع من العلم المشبه والباطل .
وفي هذه الآية دليل على أن لازم القول يعتبر قولا وأن لازم المذهب مذهب وهو الذي نحاه فقهاء المالكية في موجبات الردة من أقوال وأفعال .
وفرع على هذا الاستدلال وعدم جري المشركين على مقتضاه قوله ( فويل للذين كفروا من النار ) أي نار جهنم . وعبر عنهم بالوصول لما تشير إليه الصلة من أنهم استحقوا العقاب على سوء اعتقادهم وسوء أعمالهم وأن ذلك أيضا من آثار انتفاء الباطل عن خلق السماوات والأرض وما بينهما لأنهم كانوا على باطل في إعراضهم عن الاستدلال بنظام السماوات والأرض وفي ارتكابهم مفاسد عوائد الشرك وملته وقد تمتعوا بالحياة الدنيا أكثر مما تمتع بها الصالحون فلا جرم استحقوا جزاء أعمالهم .
A E ولفظ ( ويل ) يدل على أشد السوء وكلمة : ويل له تقال للتعجيب من شدة سوء حالة المتحدث عنه وهي هنا كناية عن سدة عذابهم في النار . و ( من ) ابتدائية كما في قوله تعالى ( فويل لهم مما كتب أيديهم ) وقول النبي صلى الله عليه والسلم لابن الزبير حين شرب دم حجامته " ويل لك من الناس وويل للناس منك " .
( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار [ 28 ] ) ( أم ) منقطعة أفادت إضرابا انتقاليا وهو ارتقاء في الاستدلال على ثبوت البعث وبيان لما هو من مقتضى خلق السماء والأرض بالحق بعد أن سيق ذلك بوجه الاستدلال الجملي وقد كان هذا الانتفاء بناء على ما اقتضاه قوله ( ذلك ظن الذين كفروا ) فلأجل ذلك بني على استفهام مقدر بعد ( أم ) وهو من لوازم استعمالها وهو استفهام إنكاري .
والمعنى : لو انتفى البعث والجزاء كما تزعمون لاستوت عند الله أحوال الصالحين وأحوال المفسدين .
والتشبيه في قوله ( كالمفسدين ) للتسوية . والمعنى : إنكار أن يكونوا سواء في جعل الله أي إذا لم يجاز كل كل فريق بما يستحقه على عمله فالمشاهد في هذه الحياة الدنيا خلاف ذلك فتعين أن يكون الجزاء في عالم آخر وهو الذي يسلك له الناس بعد البعث .
وقد اخذ في الاستدلال جانب المساواة بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات وبين المفسدين في الأرض لأنه يوجد كثير من الفريقين متساوين في حالة الحياة الدنيا في النعمة أو في التوسط أو في البؤس والخصاصة فحالة المساواة كافية لتكون مناط الاستدلال على إبطال ظن الذين كفروا بقطع النظر عن حالة أخرى أولى بالدلالة وهي المقابلة بين فريق المفسدين أولى النعمة وفريق الصالحين أولي البؤس وعن حالة دون ذلك وهي فريق المفسدين أصحاب البؤس والخصاصة وفريق الصالحين أولي النعمة لأنها لا تسترعي خاطر الناظر