وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

أولا بأن الخوف انفعال جبلي وضعه الله في أحوال النفوس عند رؤية المكروه فلا تخلو من بوادره نفوس البشر فيعرض لها ذلك الانفعال بادئ ذي بدء ثم يطرأ عليه ثبات الشجاعة فتدفعه على النفس ونفوس الناس متفاوتة في دوامه وانقشاعه فأما إذا أمن الله نبيا فذلك مقام آخر كقوله لموسى ( لا تخف ) وقوله للنبي صلى الله عليه والسلم ( فسيكفيكم الله ) .
وثانيا بأن الذي حصل لداود عليه السلام فزع وليس بخوف . والفزع أعم من الخوف إذ هو اضطراب يحصل من الإحساس بشيء شأنه أن يتخلص منه وقد جاء في حديث خسوف الشمس " أن رسول الله صلى الله عليه والسلم خرج فزعا أي مسرعا مبادرا للصلاة توقعا أن يكون ذلك الخسوف نذير عذاب " ولذلك قال القرآن ( ففزع منهم ) ولم يقل : خاف . وقال في إبراهيم عليه السلام ( فأوجس منهم خيفة ) أي توجسا ما لم يبلغ حد الخوف . وأما قول الخصم لداود ( لا تخف ) فهو قول يقوله القادم بهيئة غير مألوفة من شأنها أن تريب الناظر .
وثالثا : أن الأنبياء مأمورون بحفظ حياتهم لأن حياتهم خير للأمة فقد يفزع النبي من توقع خطر خشية أن يكون سببا في هلاكه فينقطع الانتفاع به لأمته .
وقد جاء في حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه والسلم أرق ذات ليلة فقال : ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة إذ سمعنا صوت السلاح فقال : من هذا ؟ قال : سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك . قالت : فنام النبي صلى الله عليه والسلم حتى سمعنا غطيطه " . وروى الترمذي " أن العباس كان يحرس النبي صلى الله عليه والسلم حتى نزل قوله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) فتركت الحراسة " .
ومعنى ( بغى بعضنا ) اعتدى وظلم . والبغي : الظلم والجملة صفة ل ( خصمان ) والرابط ضمير ( بعضنا ) وجاء ضمير المتكلم ومعه غيره رعيا لمعنى ( خصمان ) .
ولم يبينا الباغي منهما لأن مقام تسكين روع داود يقتضي الإيجاز بالإجمال ثم يعقبه التفصيل ولإظهار الأدب مع الحاكم فلا يتوليان تعيين الباغي منهما بل يتركانه للحاكم يعين الباغي منهما في حكمه حين قال لأحدهما ( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ) .
والفاء في ( فاحكم بيننا بالحق ) تفريغ على قوله ( خصمان ) لأن داود عليه السلام لما كان ملكا وكان اللذان حضرا عنده خصمين كان طلب الحكم بينهما مفرع على ذلك .
والباء في ( بالحق ) للملابسة وهي متعلقة ب ( احكم ) . وهذا مجرد طلب منهما للحق كقول الرجل للنبي صلى الله عليه والسلم الذي افتدى ابنه ممن زنى بامرأته ( فاحكم بيننا بكتاب الله ) .
والنهي في ( لا تشطط ) مستعمل في التذكير والإرشاد .
وتشطط : مضارع أشط يقال : أشط عليه إذا جار عليه وهو مشتق من الشطط وهو مجاوزة الحد والقدر المتعارف .
A E ومخاطبة الخصم داود بهذا خارجة مخرج الحرص على إظهار الحق وه في معنى الذكرى بالواجب فلذلك لا يعد مثلها جفاء للحاكم والقاضي وهو من قبيل : اتق الله في أمري . وصدوره قبل الحكم أقرب إلى معنى التذكير وأبعد عن الجفاء فإن وقع بعد الحكم كان أقرب إلى الجفاء كالذي قال للنبي صلى الله عليه والسلم في قسمة قسمها " اعدل فقال له الرسول : ويلك فمن يعدل إن لم أعدل " .
وقد قال علماؤنا في قول الخصم للقاضي " اتق الله في أمري " إنه لا يعد جفاء للقاضي ولا يجوز للقاضي أن يعاقبه عليه كما يعاقب من أساء إليه . وأفتى مالك بسجن فتى فقال أبوه لمالك : اتق الله يا مالك فوالله ما خلقت النار باطلا فقال مالك : من الباطل ما فعله ابنك . فهذا فيه زيادة بالتعريض بقوله فوالله ما خلقت النار باطلا .
وقولهما ( واهدنا إلى سواء الصراط ) يصرف عن إرادة الجفاء من قولهما ( ولا تشطط ) لأنهما عرفا أنه لا يقول إلا حقا وأنهما تطلبا منه الهدى .
والهدى : هنا مستعار للبيان وإيضاح الصواب .
وسواه الصراط : مستعار للحق الذي لا يشوبه باطل لأن الصراط الطريق الواسع والسواء منه هو الذي لا التواء فيه ولا شعب تتشعب منه فهو أسرع إيصالا إلى المقصود باستوائه وأبعد عن الالتباس بسلامته من التشعيب