وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وفي هذه الآية دليل على أن سكوت النبي A على الفعل الواقع بحضرته إذا كان تعديا على حق لذاته لا يدل سكوته فيه على جواز الفعل لأن له أن يسامح في حقه ولكن يؤخذ الحظر أو الإباحة في مثله من أدلة أخرى مثل قوله تعالى هنا ( إن ذلكم كان يؤذي النبي ) ولذلك جزم علماؤنا بأن من آذى النبي A بالصراحة أو الالتزام يعزر على ذلك بحسب مرتبة الأذى والقصد إليه بعد توقيفه على الخفي منه وعدم التوبة مما تقبل في مثله التوبة منه . ولم يجعلوا في إعراض النبي E عن مؤاخذة من آذاه في حياته دليلا على مشروعية تسامح الأمة في ذلك لأنه كان له أن يعفو عن حقه لقوله تعالى ( فاعف عنهم ) وقوله ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) . فهذا ملاك الجمع بين الإيذاء والاستحياء والحق في هذه الآية تولى الله تعالى الذب عن حق رسوله وكفاه مؤونة المضض الداعي إليه حياؤه . وقد حقق هذا المعنى وما يحف به القاضي أبو الفضل عياض في تضاعيف القسم الرابع من كتابه الشفاء .
A E فإن قلت ورد في الحديث عن أنس أن النبي A خرج من البيت ليقوم الثلاثة الذين قعدوا يتحدثون فلماذا لم يأمرهم بالخروج بدلا من خروجه هو . قلت : لأن خروجه غير صريح في كراهيته جلوسهم لأنه يحتمل أن يكون لغرض آخر ويحتمل أن يكون لقصد انفضاض المجلس فكان من واجب الألمعية أن يخطر ببالهم أحد الاحتمالين فيتحفزوا للخروج فليس خروجه عنهم بمناف لوصف حيائه A .
وجملة ( والله لا يستحيي من الحق ) معطوفة على جملة ( فيستحيي منكم ) والمعنى : أن ذلك سوء أدب مع النبي A فإذا كان يستحيي منكم فلا يباشركم بالإنكار ترجيحا منه للعفو عن حقه على المؤاخذة به فإن الله لا يستحيي من الحق لأن أسباب الحياء بين الخلق منتفية عن الخالق سبحانه ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) .
وصيغة الجملة المعطوفة على بناء الجملة الاسمية مخالفة للمعطوفة هي عليها فلم يقل : ولا يستحيي الله من الحق للدلالة على أن هذا الوصف ثابت دائم لله تعالى لأن الحق من صفاته فانتفاء ما يمنع تبليغه هو أيضا من صفاته لأن كل صفة يجب اتصاف الله بها فإن ضدها يستحيل عليه تعالى .
والتعريف في ( الحق ) تعريف الجنس المراد منه الاستغراق مثل التعريف في ( الحمد لله ) . والمعنى : والله لا يستحيي من جميع أفراد جنس الحق .
والحق : ضد الباطل . فمنه حق الله وحق الإسلام وحق الأمة جمعاء في مصالحها وإقامة آدابها وحق كل فرد من أفراد الأمة فيما هو من منافعه ودفع الضر عنه .
ويشتمل حق النبي A في بيته وأوقاته وبهذا العموم في الحق صارت الجملة بمنزلة التذييل .
و ( من ) في قوله ( من الحق ) ليست مثل ( من ) التي في قوله ( فيستحيي منكم ) لأن ( من ) هذه متعنية لكونها للتعليل إذ الحق لا يستحيي من ذاته فمعنى ( إن الله لا يستحيي من الحق ) أنه لا يستحيي لبيانه وإعلانه .
وقد أفاد قوله ( والله لا يستحيي من الحق ) أن من واجبات دين الله على الأمة أن لا يستحيي أحد من الحق الإسلامي في إقامته وفي معرفته إذا حل به ما يقتضي معرفته وفي إبلاغه وهو تعليمه وفي الأخذ به إلا فيما يرجع إلى الحقوق الخاصة التي يرغب أصحابها في إسقاطها أو التسامح فيها مما لا يغمص حقا راجعا إلى غيره لأن الناس مأمورون بالتخلق بصفات الله تعالى اللائقة بأمثاهم بقدر الإمكان .
وهذا المعنى فهمته أم سليم وأقرها النبي A على فهمها فقد جاء في الحديث الصحيح : " عن أم سلمة قالت : جاءت أم سليم إلى النبي فقالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ فقال رسول الله : نعم إذا رأت الماء " . فهي لم تستح في السؤال عن الحق المتعلق بها والنبي A لم يستح في إخبارها بذلك . ولعلها لم تجد من يسأل لها أو لم تر لزاما أن تستنيب عنها من يسأل لها عن حكم يخص ذاتها . وقد رأى علي ابن أبي طالب الجمع بين طلب الحق وبين الاستحياء ففي الموطأ عن المقداد بن الأسود أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل له رسول الله A عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه ؟ قال علي : فإن ابنة رسول الله وأنا أستحيي أن أسأله " الحديث