وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

إن لم يكن ( يا أيها الناس ) خطابا خاصا بالمشركين فهو عام لجميع الناس كما تقرر في أصول الفقه فيعم المؤمن والمشرك والمعطل في ذلك الوقت وفي سائر الأزمان إذ الجميع مأمورون بتقوى الله وأن الخطوات الموصلة إلى التقوى متفاوتة على حسب تفاوت بعد السائرين عنها وقد كان فيما سبق من السورة حظوظ للمؤمنين وحظوظ للمشركين فلا يبعد أن تعقب بما يصلح لكلا الفريقين وإن كان الخطاب خاصا بالمشركين جريا على ما روي عن ابن عباس أن ( يا أيها الناس ) خطاب لأهل مكة فالمراد بالتقوى : الإقلاع عن الشرك .
وموقع هذه الآية بعد ما تقدمها من الآيات موقع مقصد الخطبة بعد مقدماتها إذ كانت المقدمات الماضية قد هيأت النفوس إلى قبول الهداية والتأثر بالموعظة الحسنة وإن لاصطياد الحكماء فرصا يحرصون على عدم إضاعتها وأحسن مثلها قول الحريري في المقامة الحادية عشرة " فلما ألحدوا الميت وفات قول ليت أشرف شيخ من رباوة متخصر بهراوة فقال : لمثل هذا فليعمل العاملون فاذكروا أيا أيها الغافلون وشمروا أيها المقصرون " الخ فأما القلوب القاسية والنفوس المتعاضية فلن تأسوها آسية .
ولاعتبار هذا الموقع جعلت الجملة استئنافا لأنها بمنزلة الفذلكة والنتيجة .
والتقوى تبتدئ من الاعتراف بوجود الخالق وحدانيته وتصديق الرسول A وتنتهي إلى اجتناب المنهيات وامتثال المأمورات في الظاهر والباطن في سائر الأحوال . وتقدم تفصيلها عند قوله تعالى ( هدى للمتقين ) في سورة البقرة وتقدم نظير هذا في سورة الحج .
A E وخشية اليوم : الخوف من أهوال ما يقع فيه إذ الزمان لا يخشى لذاته فانتصب ( يوما ) على المفعول به . والأمر بخشيته تتضمن وقوعه فهو كناية عن إثبات البعث وذلك حظ المشركين منه الذين لا يؤمنون به حتى صار سمة عليهم قال تعالى ( وقال الذين لا يرجون لقاءنا ) .
وجملة ( لا يجزي والد عن ولده ) الخ صفة يوم وحذف منها العائد المجرور ب ( في ) توسعا بمعاملته معاملة العائد المنصوب كقوله ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) في سورة البقرة .
وجزى إذا عدي ب ( عن ) فهو بمعنى قضى عنه ودفع عنه ولذلك يقال للمتقاضي : المتجازي .
وجملة ( ولا مولود ) الخ عطف على الصفة و ( مولود ) مبتدأ . و ( هو ) ضمير فصل . و ( جاز ) خبر المبتدأ .
وذكر الوالد والولد هنا لأنهما أشد محبة وحمية من غيرهما فيعلم أن غيرهما أولى بهذا النفي قال تعالى ( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ) الآية .
وابتدئ ب ( الوالد ) لأنه أشد شفقة على ابنه فلا يجد له مخلصا من سوء إلا فعله .
ووجه اختيار هذه الطريقة في إفادة عموم النفي هنا دون طريقة قوله تعالى ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) في سورة البقرة أن هذه الآية نزلت بمكة وأهلها يومئذ خليط من مسلمين وكافرين وربما كان الأب مسلما والوالد كافرا وربما كان العكس وقد يتوهم بعض الكافرين حين تداخلهم الظنون في مصيرهم بعد الموت أنه إذا ظهر صدق وعيد القرآن إياهم فإن من له أب مسلم أو ابن مسلم يدفع عنه هنالك بما يدل به على رب هذا الدين وقد كان قارا في نفوس العرب التعويل على المولى والنصير تعويلا على أن الحمية والأنفة تدفعهم إلى الدفاع عنهم في ذلك الجمع وإن كانوا من قبل مختلفين لهم لضيق عطن أفهامهم يقيسون الأمور على معتادهم .
وهذا أيضا وجه الجمع بين نفي جزاء الوالد عن ولده وبين نفي جزاء الولد عن والده ليشمل الفريقين في الحالتين فلا يتوهم أن أحد الفريقين أرجى في المقصود .
ثم أوثرت جملة ( ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) بطرق من التوكيد لم تشتمل على مثلها جملة ( لا يجزي والد عن ولده ) فإنها نظمت جملة أسمية ووسط فيها ضمير الفصل وجعل النفي فيها منصبا إلى الجنس . ونكتة هذا الإيثار مبالغة تحقيق عدم جزء هذا الفريق عن الآخر إذ كان معظم المؤمنين من الأبناء والشباب وكان آباؤهم وأمهاتهم في الغالب على الشرك مثل أبي قحافة والد أبي بكر وأبي طالب والد علي وأم سعد بن أبي وقاص وأم أسماء بنت أبي بكر فأريد حسم أطماع آبائهم وما عسى أن يكون من أطماعهم أن ينفعوا آباءهم في الآخرة بشيء