وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وانتصب ( وهنا ) على الحال من ( أمه ) مبالغة في ضعفها حتى كأنها نفس الوهن أي واهنة في حمله و ( على وهن ) صفة ل ( وهنا ) أي وهنا واقعا على وهن كما يقال : رجع عودا على بدء إذا استأنف عملا فرغ منه فرجع إليه أي بعد بدء أو ( على ) بمعنى " مع " كما في قول الأحوص : .
إني على ما قد علمت محسد ... أنمي على البغضاء والشنآن فإن حما المرأة يقارنه التعب من ثقل الجنين في البطن والضعف من انعكاس دمها إلى تغذية الجنين ولا يزال ذلك الضعف يتزايد بامتداد زمن الحمل فلا جرم أنه وهن على وهن .
وجملة ( حملته أمه وهنا على وهن ) في موضع التعليل للوصاية بالوالدين قصدا لتأكيد تلك الوصاية لأن تعليل الحكم يفيده تأكيدا ولأن في مضمون هذه الجملة ما يثير الباعث في نفس الولد على أن يبر بأمه ويستتبع البر بأبيه .
وإنما وقع تعليل الوصاية بالوالدين بذكر أحوال خاصة بأحدهما وهي الأم اكتفاء بأن تلك الحالة تقتضي الوصاية بالأب أيضا للقياس فإن الأب يلاقي مشاق وتعبا في القيام على الأم لتتمكن من الشغل بالطفل في مدة حضانته ثم هو يتولى تربيته والذب عنه حتى يبلغ أشده ويستغني عن الإسعاف كما قال تعالى ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) فجمعهما في التربية في حال الصغر مما يرجع إلى حفظه وإكمال نشأته . فلما ذكرت هنا الحالة التي تقتضي البر بالأم من الحمل والإرضاع كانت منبهة إلى ما للأب من حالة تقتضي البر به على حساب ما تقتضيه تلك العلة في كليهما قوة وضعفا . ولا يقدح في القياس التفاوت بين المقيس والمقيس عليه في قوة الوصف الموجب للإلحاق . وقد نبه على هذا القياس تشريكهما في التحكم عقب ذلك بقوله ( أن اشكر لي ولوالديك ) وقوله ( وصاحبهما في الدنيا معروفا ) .
وحصل من هذا النظم قضاء حق الإيجاز .
A E وأما رجحان الأم في هذا الباب عند التعارض في مقتضيات البرور تعارضا لا يمكن معه الجمع فقال ابن عطية في تفسيره : " شرك الله في هذه الآية الأم والأب في رتبة الوصية بهما ثم خصص الأم بذكر درجة الحمل ودرجة الرضاع فتحصل للأم ثلاث مراتب وللأب واحدة وأشبه ذلك قول الرسول A حين قال له رجل : من أبر ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : أباك . فجعل له الربع من المبرة . وهذا كلام منسوب مثله لابن بطال في شرح صحيح البخاري . ولا يخفى أن مساق الحديث لتأكيد البر بالأم إذ قد يقع التفريط في الوفاء بالواجب للأم من الابن اعتمادا على ما يلاقيه من اللين منها بخلاف جانب الأب فإنه قوي ولأبنائه توق من شدته عليهم فهذا هو مساق الحديث . ولا معنى لأخذه على ظاهره حتى نذهب إلى تجزئة البر بين الأم والأب أثلاثا أو أرباعا . وهو ما استشكله القرافي في فائدة من الفرق الثالث والعشرين وحسبنا نظم هذه الآية البديع في هذا الشأن . وأما لفظ الحديث فهو مسوق لتأكيد البر بالأم خشية التفريط فيه . وليس معنى " ثم " فيه إلا محاكاة قول السائل " ثم من " بقرينة أنه عطف بها لفظ الأم في المرتين ولا معنى لتفضيل الأم على نفسها في البر . وإذ كان السياق مسوقا للاهتمام تعين أن عطف الأب على الأم في المرة الثالثة عطف في الاهتمام فلا ينتزع منه ترجيح عند التعارض . ولعل الرسول E علم من السائل إرادة الترخيص له في عدم البر . وقد قال مالك سأله : أن أباه في بلد السودان كتب إليه أن يقدم عليه وأن أمه منعته فقال له مالك : أطع أباك ولا تعص أمك . وهذا يقتضي إعراضه عن ترجيح جانب أحد الأبوين وأنه متوقف في هذا التعارض ليحمل الابن على ترضية كليهما . وقال الليث : يرجح جانب الأم . وقال الشافعي : يرجح جانب الأب .
وجملة ( وفصاله في عامين ) عطف على جملة ( حملته أمه ) الخ فهي في موقع الحال أيضا . وفي الجملة تقدير ضمير رابط إياها بصاحبها إذ التقدير : وفصالها إياه فلما أضيف الفصال إلى مفعوله علم أن فاعله هو الأم .
والفصال : اسم للفطام فهو فصل عن الرضاعة . وتقدم في قوله ( فإن أرادا فصالا ) في سورة البقرة . وذكر الفصال في معرض تعليل حقية الأم بالبر لأنه يستلزم الإرضاع من قبل الفصال وللإشارة إلى ما تتحمله الأم من كدر الشفقة على الرضيع حين فصاله وما تشاهده من حزنه وألمه في مبدأ فطامه