وجمع ( الرياح ) لما شاع في استعمالهم من إطلاقها " بصيغة الجمع " على ريح البشارة بالمطر لأن الرياح التي تثير السحاب هي الرياح المختلفة جهات هبوبها بين : جنوب وشمال وصبا ودبور اسم الريح المفردة فإنه غلب في الاستعمال إطلاق على ريح القوة والشدة لأنها تتصل واردة من صوب واحد فلا تزال تشتد . وروي أن النبي A كان إذا هبت الريح قال : اللهم اجعلها رياحا لا ريحا . وقد تقدم قوله تعالى ( وتصريف الرياح ) في سورة البقرة .
والإثارة : تحريك القار تحريكا يضطرب به عن موضعه . وإثارة السحاب إنشاؤه بما تحدثه الرياح في الأجواء من رطوبة تحصل من تفاعل الحرارة والبرودة .
والبسط : النشر . والسماء : الجو الأعلى وهو جو الأسحبة .
و ( كيف ) هنا مجردة نن معنى الاستفهام وموقعها المفعولية المطلقة من ( يبسطه ) لأنها نائبة عن المصدر أي يبسطه بسطا كيفيته يشاؤها الله وقد تقدم في قوله تعالى ( وهو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) في سورة آل عمران . وتقدم أن من زعم أنها شرط لم يصادف الصواب .
و ( كسفا ) بكسر ففتح في قراءة الجمهور جمع كسف بكسر فسكون ويقال : كسفة بهاء تأنيث وهو القطعة . وقد تقدم في قوله تعالى ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) في سورة الإسراء . وتقدم الكسف في قوله ( فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ) في سورة الشعراء .
والمعنى : لأنه يبسط السحاب في السماء تارة أي يجعله ممتدا عاما في جو السماء وهو المدجن الذي يظلم به الجو ويقال المغلق ويجعله كسفا ( أي تارة أخرى ) كما دلت عليه المقابلة أي يجعله غمامات لأن حالة جعله كسفا غير حالة بسطه في السماء فتعين أن يكون الجمع بينهما في الذكر مرادا منه اختلاف أحوال السحاب .
والمقصود من هذا : أن اختلاف الحال آية على سعة القدرة .
والخطاب في ( فترى الودق ) خطاب لغير معين وهو كل من يتأتى منه سماع هذا وتتأتى منه رؤية الودق . والودق : المطر .
وضمير ( خلاله ) للسحاب بحالتيه المذكورتين وهما حالة بسطه في السماء وحالة جعله كسفا فإن المطر ينزل من خلال السحاب المغلق والغمامات .
والخلال : جمع خلل بفتحتين وهو الفرجة بين شيئين . وتقدم نظير هذه الجملة في سورة النور .
وذكر اختلاف أحوال العباد في وقت نزول المطر وفي وقت انحباسه بين استبشار وإبلاس إدماج للتذكير برحمة الله إياهم وللاعتبار باختلاف تأثرات نفوسهم في السراء والضراء وفي ذلك إيماء إلى عظيم تصرف الله في خلقة الإنسان إذ جعله قابلا لاختلاف الانفعال مع اتحاد العقل والقلب كما جعل السحاب مختلف الانفعال من بسط وتقطع مع اتحاد الفعل وهو خروج الودق من خلاله .
و ( إن ) في قوله ( وإن كانوا ) مخففة مهملة عن العمل واللام في قوله ( لمبلسين ) اللام الفارقة بين ( إن ) المخففة و ( إن ) الشرطية .
والإبلاس : يأس مع انكسار . وقوله ( من قبله ) تكرير لقوله ( من قبل أن ينزل عليهم ) لتوكيد معنى قبلية نزول المطر وتقريره في نفوس السامعين . قال ابن عطية : أفاد التأكيد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار اه . يعني أن إعادة قوله ( من قبله ) زيادة تنبيه على الحالة التي كانت من قبل نزول المطر . وقال في الكشاف ( فيه الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول فاستحكم إبلاسهم فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم ) اه . يعني أن فائدة إعادة ( من قبله ) أن مدة ما قبل نزول المطر مدة طويلة فأثير إلى قوتها بالتوكيد .
وضمير ( قبله ) عائد إلى المصدر المأخوذ من ( أن ينزل عليهم ) أي تنزيله .
A E ( فانظر إلى أثر رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شئ قدير [ 50 ] ) رتب على ما تقرر من استحضار صورة تكوين المطر واستبشار الناس بنزوله بعد الإبلاس أن اعترض بذكر الأمر بالنظر إلى أثر الرحمة وإغاثة الله عباده حين يحيي لهم الأرض بعد موتها بالجفاف . والأمر بالنظر للاعتبار والاستدلال . والنظر : رؤية العين .
وعبر عن الجفاف بالموت لأن قوام الحياة الرطوبة وعبر عن ضده بالإحياء . والخطاب ب ( انظر ) لغير معين ليعم كل من يتأتى منه النظر مثل قوله ( فترى الودق )