وقوله ( وليذيقكم ) عطف على ( مبشرات ) لأن ( مبشرات ) في معنى التعليل للإرسال . وتقدم الكلام على الإذاقة آنفا .
و ( من رحمته ) صفة لموصوف محذوف دل عليه فعل ( ليذيقكم ) أي مذوقا . و ( من ) ابتدائية ورحمة الله : هي المطر .
وجريان الفلك بالرياح من حكمة خلق الرياح ومن نعمه وتقدم في آية سورة البقرة .
والتقييد بقوله ( بأمره ) تعليم للمؤمنين وتحقيق للمنة أي لولا تقدير الله ذلك وجعله أسباب حصوله لما جرت الفلك وتحت هذا معان كثيرة يجمعها إلهام الله البشر لصنع الفلك وتهذيب أسباب سيرها . وخلق نظام الريح والبحر لتسخير سيرها كما دل على ذلك قوله ( ولعلكم تشكرون ) وقد تقدم ذلك في سورة الحج وتقدم هنالك معنى ( لتبتغوا من فضله ) .
( ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين [ 47 ] ) هذه جملة معترضة مستطردة أثارها ذكر سير الفلك في عداد النعم فعقب ذلك بما كان سير الفلك فيه تذكير بنقمة الطوفان لقوم نوح وبجعل الله الفلك لنجاة نوح وصالحي قومه من نقمة الطوفان فأريد تحذير المكذبين من قريش أن يصيبهم ما أصاب المكذبين قبلهم وكان تلك النقمة نصر المؤمنين أي نصر الرسل وأتباعهم ؛ ألا ترى إلى حكاية قول نوح ( رب انصرني بما كذبون ) في سورة المؤمنين وقوله تعالى هنا ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) .
والواو اعتراضية وليست للعطف .
والانتقام من النقم وهو الكراهية والغضب وفعله كضرب وعلم قال تعالى ( وما تنقم منا ) . وفي المثل " مثله كمثل الأرقم إن يقتل ينقم " بفتح القاف " وإن يترك يلقم " . والانتقام : العقوبة لمن يفعل ما لا يرضي كأنه صيغ منه الافتعال للدلالة على حصول أثر النقم وقد تقدم عند قوله تعالى ( وما تنقم منا ) وقوله ( فانتقمنا منهم ) في سورة الأعراف .
وكلمة ( حقا علينا ) من صيغ الالتزام قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام ( حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق ) وهو محقوق بكذا أي لازم له قال الأعشى : .
" لمحقوقه أن تستجيبي لصوته فإن وعد الصادق حق . قال تعالى ( وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) .
وقد اختصر طريق الإفصاح عن هذا الغرض أعني غرض الوعد بالنصر والوعيد له فأدرج تحت ذكر النصر معنى الانتصار وأدرج ذكر الفريقين : فريق المصدقين الموعود وفريق المكذبين المتوعد وقد أخلى الكلام أولا عن ذكرهما .
وعن أبي بكر شعبة راوي عاصم أنه كان يقف على قوله ( حقا ) فيكون في ( كان ) ضمير يعود على الانتقام أي وكان الانتقام من المجرمين حقا أي عدلا ثم يستأنف بقوله ( علينا نصر المؤمنين ) وكأنه أراد التخلص من إيهام أن يكون للعباد حق على الله إيجابا فرارا من مذهب الاعتزال وهو غير لازم كما علمت . قال ابن عطية : وهو وقف ضعيف وكذلك قال الكواشي عن أبي حاتم .
( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون [ 48 ] وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين [ 49 ] ) A E جاءت هذه الجملة على أسلوب أمثالها كما تقدم في قوله ( الله يبدأ الخلق ثم يعيده ) وجاءت المناسبة وهنا لذكر الاستدلال بإرسال الرياح في قوله ( ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ) استدلالا على التفرد بالتصرف وتصوير الصنع الحكيم الدال على سعة العلم ثم أعقب بالاستدلال بإرسال الرياح تسلا إلى ذكر إحياء الأرض بعد موتها المستدل به على البعث فقد أفادت صيغة الحصر بقوله ( الله الذي يرسل الرياح ) أنه المتصرف في هذا الشأن العجيب دون غيره وكفى بهذا إبطالا لإلهية الأصنام لأنها لا تستطيع مثل هذا الصنع الذي هو أقرب التصرفات في شؤون نفع البشر .
والتعبير بصيغة المضارع في : ( يرسل وتثير ويبسطه ويجعله ) لاستحضار الصور العجيبة في تلك التصرفات حتى كأن السامع يشاهد تكوينها مع الدلالة على تجدد ذلك