وفعل ( كان ) على ما هو عليه من التنبيه على تحقق الوقوع .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب ( عاقبة ) بالرفع على أصل الترتيب بين اسم ( كان ) وخبرها . وقرأه البقية بالنصب على أنه خبر ( كان ) مقدم على اسمها وهو استعمال كثير .
والفصل بين ( كان ) ومرفوعها بالخبر سوغ حذف تاء التأنيث من فعل ( كان ) .
و ( أن كذبوا ) تعليل لكون عاقبتهم السوأى بحذف اللام مع ( أن ) . وآيات الله : القرآن والمعجزات .
والباء في ( بها يستهزئون ) للتعدية وتقديم المجرور للاهتمام بشأن الآيات وللرعاية على الفاصلة .
( الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون [ 11 ] ) استئناف ابتدائي وهو شروع فيما أقيمت عليه هذه السورة من بسط دلائل انفراد الله تعالى بالتصرف في الناس بإيجادهم وإعدامهم وبإمدادهم وأطوار حياتهم لإبطال أن يكون لشركائهم شيء من التصرف في ذلك . فهي دلائل ساطعة على ثبوت الوحدانية التي عموا عنها .
وإذ كان نزول أول السورة على سبب ابتهاج المشركين لتغلب الفرس على الروم فقطع الله تطاولهم على المسلمين بأن أخبر أن عاقبة النصر للروم على الفرس نصرا باقيا وكان مثار التنازع بين المشركين والمؤمنين ميل كل فريق إلى مقاربه في الدين جعل ذلك الحدث مناسبة لإفاضة الاستدلال في هذه السورة على إبطال دين الشرك .
وقد فصلت هذه الدلائل على أربعة استئنافات متماثلة الأسلوب ابتدئ كل واحد منهم باسم الجلالة مجرى عليه أخبار عن حقائق لا قبل لهم بدحضها لأنهم لا يسعهم إلا الإقرار ببعضها أو العجز عن نقض دليلها .
فالاستئناف الأول المبدوء بقوله ( الله يبدأ الخلق ثم يعيده ) والثاني المبدوء بقوله ( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ) والثالث : المبدوء بقوله ( الله الذي يرسل الرياح ) والرابع المبدوء بقوله ( الله الذي خلقكم من ضعف ) .
فأما قوله ( الله يبدأ الخلق ثم يعيده ) فاستدلال بما لا يسعهم إلا الاعتراف به وهو بدء الخلق إذ لا ينازعون في أن الله وحده هو خالق الخلق ولذلك قال الله تعالى ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ) الآية .
وأما قوله ( ثم يعيده ) فهو إدماج لأنه إذا سلم له بدء الخلق كان تسليم إعادته أولى وأجدر . وحسن موقع الاستئناف وروده بعد ذكر أمم غابرة وأمم حاضرة خلف بعضها بعضا وإذ كان ذلك مثالا لإعادة الأشخاص بعد فنائها وذكر عاقبة مصير المكذبين للرسل في العاجلة ناسب في مقام الاعتبار أن يقام لهم الاستدلال على إمكان البعث ليقع ذكر ما يعقبه من الجزاء موقع الإقناع لهم .
وتقديم اسم الجلالة على المسند الفعلي لمجرد التقوي . و ( ثم ) هنا للتراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجمل وذلك أن شأن الإرجاع إلى الله أعظم من إعادة الخلق إذ هو المقصد من الإعادة ومن بدء الخلق .
فالخطاب في ( ترجعون ) للمشركين على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب .
A E وقرأ الجمهور ( ترجعون ) بتاء الخطاب . وقرأه أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وروح عن يعقوب بياء الغيبة على طريقة ما قبله .
( ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون [ 12 ] ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين [ 13 ] ) عطف على جملة ( ثم إليه ترجعون ) تبيينا لحال المشركين في وقت ذلك الإرجاع كأنه قيل : ثم إليه ترجعون ويومئذ يبلس المجرمون . وله مزيد اتصال بجملة ( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى ) وكان مقتضى الظاهر أن يقال ويومئذ يبلس المجرمون أو ويومئذ تبلسون أي ويوم ترجعون إليه يبلس المجرمون فعدل عن تقدير الجملة المضاف إليها ( يوم ) التي يدل عليها ( إليه ترجعون ) بذكر جملة أخرى هي في معناها لتزيد الإرجاع بيانا أنه إرجاع الناس إليه يوم تقوم الساعة فهو إطناب لأجل البيان وزيادة التهويل لما يقتضيه إسناد القيام إلى الساعة من المباغتة والرعب . ويدل لهذا القصد تكرير هذا الظرف في الآية بعدها بهذا الإطناب .
وشاع إطلاق الساعة على وقت الحشر والحساب . وأصل الساعة : المقدار من الزمن ويتعين تحديده بالإضافة أو التعريف .
والإبلاس : سكون بحيرة . يقال : أبلس إذا لم يجد مخرجا من شدة هو فيها . وتقدم عند قوله تعالى ( إذا هم فيه مبلسون ) في سورة المؤمنين