وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فدلت التجربة في المشاهدة كما دلت الأخبار عن الماضي وقياس ما قبل التاريخ على ما بعده كل ذلك دل على هذا المعنى ؛ ولأجل هذا التفاوت كلف الإنسان خالقه بقوانين ليبلغ مرتقى الكمال القابل له في زمانه مع مراعاة ما يحيط به من أحوال زمانه وليتجنب إفساد نفسه وإفساد بني نوعه وقد كان ما أعطيه نوع الإنسان من شعب العقل مخولا إياه أن يفعل على حسب إرادته وشهوته وأن يتوخى الصواب أو أن لا يتوخاه فلما كلفه خالقه باتباع قوانين شرائعه ارتكب واجتنب فالتحق تارة بمراقي كماله وقصر تارة عنها قصورا متفاوتا فكان من الحكمة أن لا يهمل مسترسلا في خطوات القصور والفساد وذلك إما بتسليط قوة ملجئة عليه تستأصل المفسد وتستبقي المصلح وإما بإراضته على فعل الصلاح حتى يصير منساقا إلى الصلاح باختياره المحمود إلا أن حكمة أخرى ربانية اقتضت بقاء عمران العالم وعدم استئصاله وبذلك تعطل استعمال القوة المستأصلة فتعين استعمال إراضته على الصلاح فجمع الله بين الحكمتين بأن جعل ثوابا للصالحين على قدر صلاحهم وعقابا للمفسدين بمقدار عملهم واقعا ذلك كله في عالم غير هذا العالم وأبلغ ذلك إليهم على ألسنة رسله وأنبيائه إزالة للوصمة وتنبيها على الحكمة فخاف فريق ورجا فارتكب واجتنب وأعرض فريق ونأى فاجترح واكتسب وكان من حق آثار هاته الحكم أن لا يحرم الصالح من ثوابه وأن لا يفوت المفسد بما به ليظهر حق أهل الكمال ومن دونهم من المراتب فجعل الله بقاء أفراد النوع في هذا العالم محدودا بآجال معينة وجعل لبقاء هذا العالم كله أجلا معينا حتى إذا انتهت جميع الآجال جاء يوم الجزاء على الأعمال وتميز أهل النقص من أهل الكمال .
فكان جعل الآجال لبقاء المخلوقات من جملة الحق الذي خلقت ملابسة له ولذلك نبه عليه بخصوصه اهتماما بشأنه وتنبيها على مكانه وإظهارا أنه المقصد بكيانه فعطفه على الحق للاهتمام به كما عطف ضده على الباطل في قوله ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) فقال ( أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ) .
وقد مضى في سورة الأنعام قوله ( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق ) الآية .
وفائدة ذكر السماوات هنا أن في أحوال السماوات من شمسها وكواكبها وملائكتها ما هو من جملة الحق الذي خلقت ملابسة له أما ما وراء ذلك من أحوالها التي لا نعرف نسبة تعلقها بهذا العالم فنكل أمره إلى الله ونقيس غائبه على الشاهد فنوقن بأنه ما خلق إلا بالحق كذلك .
فشواهد حقية البعث والجزاء بادية في دقائق خلق المخلوقات ولذلك أعقبه بقوله ( وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ) وهذا كقوله تعالى ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) .
A E والمسمى : المقدر . أطلقت التسمية على التقدير وقد تقدم عند قوله تعالى ( ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ) في سورة الحج . وعند قوله تعالى ( ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب ) في سورة العنكبوت .
وجملة ( وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ) تذييل .
وتأكيده ب ( إن ) لتنزيل السامع منزلة من يشك في وجود من يحجد لقاء الله بعد هذا الدليل الذي مضى بله أن يكون الكافرون به كثيرا . والمراد بالكثير هنا : مشركو أهل مكة وبقية مشركي العرب المنكرين للبعث ومن ماثلهم من الدهريين . ولم يعبر هنا ب ( أكثر الناس ) لأن المثبتين للبعث كثيرون مثل أهل الكتاب والصابئة والمجوس والقبط .
( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم ) عطف على جملة ( أو لم يتفكروا في أنفسهم ) وهو مثل الذي عطف هو عليه متصل بما يتضمنه قوله ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أن من أسباب عدم علمهم تكذيبهم الرسول عليه ا لصلاة والسلام الذي أنبأهم بالبعث فلما سيق إليهم دليل حكمة البعث والجزاء بالحق أعقب بإنذارهم موعظة لهم بعواقب الأمم الذين كذبوا رسلهم لأن المقصود هو عاقبة تكذيبهم رسل الله وهو قوله ( وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ) الآية