وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

انتصب ( وعد الله ) على المفعولية المطلقة . وهذا من المفعول المطلق المؤكد لمعنى جملة قبله هي بمعناه ويسميه النحويون مصدرا مؤكدا لنفسه تسمية غريبة يريدون بنفسه معناه دون لفظه . ومثله في الكشاف ومثلوه بنحو " لك علي ألف عرفا " لأن " عرفا " بمعنى اعترافا أكد مضمون جملة : لك علي ألف وكذلك ( وعد الله ) أكد مضمون جملة ( وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) .
وإضافة الوعد إلى الله تلويح بأنه وعد محقق الإيفاء لأن وعد الصادق القادر الغني لا موجب لإخلافه .
وجملة ( لا يخلف الله وعده ) بيان للمقصود من جملة ( وعد الله ) فإنها دلت على أنه وعد محقق بطريق التلويح فبين ذلك بالصريح بجملة ( لا يخلف الله وعده ) . ولكونها في موقع البيان فصلت ولم تعطف وفائدة الإجمال ثم التفصيل تقرير الحكم لتأكيده ولما في جملة ( لا يخلف الله وعده ) من إدخال الروع على المشركين بهذا التأكيد . وسماه وعدا نظرا لحال المؤمنين الذي هو أهم هنا . وهو أيضا وعيد للمشركين بخذلان أشياعهم ومن يفتخرون بمماثلة دينهم .
A E وموقع الاستدراك في قوله ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) هو ما اقتضاه الإجمال . وتفصيله من كون ذلك أمرا لا ارتياب فيه وأنه وعد الله الصادق الوعد القادر على نصر المغلوب فيجعله غالبا فاستدرك بأن مراهنة المشركين على عدم وقوعه نشأت عن قصور عقولهم فأحالوا أن تكون للروم بعد ضعفهم دولة على الفرس الذين قهروهم في زمن قصير هو بضع سنين ولم يعلموا أن ما قدره الله أعظم .
فالمراد ب ( أكثر الناس ) ابتداء المشركون لأنهم سمعوا الوعد وراهنوا على عدم وقوعه .
ويشمل المراد أيضا كل من كان يعد انتصار الروم على الفرس في مثل هذه المدة مستحيلا من رجال الدولة ورجال الحرب من الفرس الذين كانوا مزدهين بانتصارهم ومن أهل الأمم الأخرى ومن الروم أنفسهم فلذلك عبر عن هذه الجمهرة ب ( أكثر الناس ) بصيغة التفضيل .
والتعريف في ( الناس ) للاستغراق .
ومفعول ( يعلمون ) محذوف دل عليه قوله ( سيغلبون في بضع سنين ) . فالتقدير : لا يعلمون هذا الغلب القريب العجيب . ويجوز أن يكون المراد تنزيل الفعل منزلة اللازم بأن نزلوا منزلة من لا علم عندهم أصلا لأنهم لما لم يصلوا إلى إدراك الأمور الدقيقة وفهم الدلائل القياسية كان ما عندهم من بعض العلم شبيها بالعدم إذ لم يبلغوا به الكمال الذي بلغه الراسخون أهل النظر فيكون في ذلك مبالغة في تجهيلهم وهو مما يقتضيه المقام .
ولما كان في أسباب تكذيبهم الوعد بانتصار الروم على الفرس بعد بضع سنين أنهم يعدون ذلك محالا وكان عدهم إياهم كذلك من التباس الاستبعاد العادي بالمحال مع الغفلة عن المقادير النادرة التي يقدرها الله تعالى ويقدر لها أسبابا ليست في الحسبان فتأتي على حسب ما جرى به قدره لا على حسب ما يقدره الناس وكان من حق العاقل أن يفرض الاحتمالات كلها وينظر فيها بالسبر والتقييم أنحى الله ذلك عليهم بأن أعقب إخباره عن انتفاء علمهم صدق وعد القرآن بأن وصف حالة علمهم كلها بأن قصارى تفكيرهم منحصر في ظواهر الحياة الدنيا غير المحتاجة إلى النظر العقلي وهي المحسوسات والمجربات والأمارات ولا يعلمون بواطن الدلالات المحتاجة إلى إعمال الفكر والنظر .
والوجه أن تكون ( من ) في قوله ( من الحياة الدنيا ) تبعيضية أي يعلمون ظواهر ما في الدنيا أي ولا يعلمون دقائقها وهي العلوم الحقيقية وكلها حاصلة في الدنيا . وبهذا الاعتبار كانت الدنيا مزرعة الآخرة