وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والفريق بين التعديتين أن الأولى يقصد منها العناية بالحالة لا بصاحبها ؛ فالمقصود من آية سورة الفيل : الامتنان على أهل مكة بما حل بالذين انتهكوا حرمتها من الاستئصال والمقصود من آية سورة الغاشية العبرة بكيفية خلقه الإبل لما تشتمل عليه من عجيب المنافع وكذلك الآيتان الأخيرتان وإذ قد كان المقام هنا مقام إثبات الوحدانية والإلهية الحق لله تعالى أوثر تعلق الرؤية باسم الذات ابتداء ثم مجيء الحال بعد ذلك مجيئا كمجيء بدل الاشتمال بعد ذكر المبدل منه .
وأما قوله في سورة نوح ( ألم تروا كيف خلق الله ) دون أن يقال : ألم تروا ربكم كيف خلق لأن قومه كانوا متصلبين في الكفر وكان قد جادلهم في الله غير مرة فعلم أنه إن ابتدأهم بالدعوة إلى النظر في الوحدانية جعلوا أصابعهم في آذانهم فلم يسمعوا إليه فبادأهم باستدعاء النظر إلى كيفية الخلق .
وعلى كل فإن ( كيف ) هنا مجردة عن الاستفهام وهي اسم دال على الكيفية فهي في محل بدل الاشتمال ( من ربك ) والتقدير : ألم تر إلى ربك إلى هيئة مده الظل . وقد تقدم ذكر خروج ( كيف ) عن الاستفهام عند قوله تعالى ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) في سورة آل عمران فإنه لا يخلو النهار من وجود الظل .
وفي وجود الظل دقائق من أحوال النظام الشمسي فإن الظل مقدار محدد من الظلمة يحصل من حيلولة جسم بين شعاع الشمس وبين المكان الذي يقع عليه الشعاع فينطبع على المكان مقدار من الظل مقدر بمقدار كيفية الجسم الحائل بين الشعاع وبين موقع الشعاع على حسب اتجاه ذلك الجسم الحائل من جهته الدقيقة أو الضخمة ويكون امتداد تلك الظلمة المكيفية بكيفية ذلك الجسم متفاوتا على حسب تفاوت بعد اتجاه الأشعة من موقعها ومن الجسم الحائل ومختلفا باستواء المكان وتحدبه فذلك التفاوت في مقادير ظل الشيء الواحد هو المعبر عنه بالمد في هذه الآية لأنه كلما زاد مقدار الظلمة المكيفية لكيفية الحائل زاد امتداد الظل . فتلك كلها دلائل كثيرة من دقائق التكوين الإلهي والقدرة العظيمة .
وقد أفاد هذا المعنى كاملا فعل ( مد ) .
وهذا الامتداد يكثر على حسب مقابلة الأشعة للحائل فكلما اتجهت الأشعة إلى الجسم من أخفض جهة كان الظل أوسع وإذا اتجهت إليه مرتفعة عنه تقلص ظله رويدا رويدا إلى أن تصير الأشعة مسامتة أعلى الجسم ساقطة عليه فيزول ظلمه تماما أو يكاد يزول وهذا المعنى قوله تعالى ( ولو شاء لجعله ساكنا ) أي غير متزايد لأنه لما كان مد الظل يشبه صورة التحرك أطلق على انتفاء الامتداد اسم السكون بأن يلازم مقدارا واحدا لا ينقص ولا يزيد أي لو شاء الله لجعل الأرض ثابتة في سمت واحد تجاه أشعة الشمس فلا يختلف مقدار ظل الأجسام التي على الأرض وتلزم ظلالها حالة واحدة فتنعدم فوائد عظيمة .
ودلت مقابلة قوله ( مد الظل ) بقوله ( لجعله ساكنا ) على حالة مطوية من الكلام وهي حالة عموم الظل جميع وجه الأرض أي حالة الظلمة الأصلية التي سبقت اتجاه أشعة الشمس الى وجه الأرض كما أشار إليه قول التوراة ( وكانت الأرض خالية وعلى وجه القمر ظلمة ) ثم قال ( وقال الله ليكن نور فكان نور... ) . وفصل الله بين النور والظلمة ( إصحاح واحد من سفر الخروج ) فاستدلال القرآن بالظل أجدى من الاستدلال بالظلمة لأن الظلمة عدم لا يكاد يحصل الشعور بجمالها بخلاف الظل فهو جامع بين الظلمة والنور فكلا دلالتيه واضحة .
وجملة ( ولو شاء لجعله ساكنا ) معترضة للتذكير بأن في الظل منة .
وقوله ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) عطف على جملة ( مد الظل ) وأفادت ( ثم ) أن مدلول المعطوب بها متراخ في الرتبة عن مدلول المعطوف عليه شأن ( ثم ) إذا عطفت الجملة . ومعنى تراخي الرتبة أنها أبعد اعتبارا أي أنها أرفع في التأثير أو في الوجود فإن وجود الشمس هو علة وجود الظل للأجسام التي على الأرض والسبب أرفع رتبة من المسبب أي أن الله مد الظل بأن جعل الشمس دليلا على مقادير امتداده . ولم يفصح المفسرون عن معنى هذه الجملة إفصاحا شافيا .
والالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله ( ثم جعلنا ) لأن ضمير المتكلم أدخل في الامتنان من ضمير الغائب فهو مشعر بأن هذا الجعل نعمة وهي نعمة النور الذي به تمييز أحوال المرئيات وعليه فقوله ( ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ) ارتقاء في المنة .
A E