وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

عود إلى معاذيرهم وتعلالاتهم الفاسدة إذ طعنوا في القرآن بأنه نزل منجما وقالوا : لو كان من عند الله لنزل كتابا جملة واحدة . وضمير ( قالوا ) ظاهر في أنه عائد إلى المشركين وهذه جهالة منهم بنسبة كتب الرسل فإنها لم ينزل شيء منها جملة واحدة وإنما كانت وحيا مفرقا ؛ فالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام في الألواح هي عشرة كلمات بمقدار سورة الليل في القرآن وما كان الإنجيل إلا أقوالا ينطق بها عيسى عليه السلام في الملأ وكذلك الزبور نزل قطعا كثيرة فالمشركون نسبوا ذلك أو جهلوا فقالوا : هلا نزل القرآن على محمد جملة واحدة فنعلم أنه رسول الله . وقيل : إن قائل هذا اليهود أو النصارى فإن صح ذلك فهو بهتان منهم لأنهم يعلمون أنه لم تنزل التوراة والإنجيل والزبور إلا مفرقة . فخوض المفسرين في بيان الفرق بين حالة رسولنا من الأمية وحالة الرسل الذين أنزلت عليهم الكتب اشتغال بما لا طائل فيه فإن تلك الكتب لم تنزل أسفارا تامة قط .
و ( نزل ) هنا مرادف انزل وليس فيه إيذان بما يدل عليه التفعيل من التكثير كما تقدم في المقدمة الأولى من مقدمات هذا التفسير بقرينة قولهم ( جملة واحدة ) .
وقد جاء قوله ( كذلك لنثبت به فؤادك ) ردا على طعنهم فهو كلام مستأنف فيه رد لما أرادوه من قولهم ( لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ) . وعدل فيه عن خطابهم إلى خطاب الرسول E إعلاما له بحكمة تنزيله مفرقا وفي ضمنه امتنان على الرسول بما فيه تثبيت قلبه والتيسير عليه .
وقوله ( كذلك ) جواب عن قولهم ( لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ) إشارة إلى الإنزال المفهوم من ( لولا نزل عليهم القرآن ) وهو حالة إنزال القرآن منجما أي أنزلناه كذلك الإنزال أي المنجم أي كذلك الإنزال الذي جهلوا حكمته فاسم الإشارة في محل نصب على أنه نائب عن مفعول مطلق جاء بدلا عن الفعل . فالتقدير : أنزلناه إنزالا كذلك الإنزال المنجم . فموقع جملة ( كذلك ) موقع الاستئناف في المحاورة . واللام في ( لنثبت ) متعلقة بالفعل المقدر الذي دل عليه ( كذلك ) . والتثبيت : جعل الشيء ثابتا . والثبات : استقرار الشيء في مكانه غير متزلزل قال تعالى ( كشجرة طيبة أصلها ثابت ) . ويستعار الثبات لليقين وللاطمئنان بحصول الخير لصاحبه قال تعالى ( لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ) وهي استعارات شائعة مبنية على تشبيه حصول الاحتمالات في النفس باضطراب الشيء في المكان تشبيه معقول بمحسوس . والفؤاد : هنا العقل . وتثبيته بذلك الإنزال جعله ثابتا في ألفاظه ومعانيه لا يضطرب فيه .
وجاء في بيان حكمة إنزال القرآن منجما بكلمة جامعة وهي ( لنثبت به فؤادك ) لأن تثبيت الفؤاد يقتضي كل ما به خير للنفس فمنه ما قاله الزمخشري : الحكمة في تفريقه أن نقوي بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه لأن المتلقن إنما يقوي قلبه على حفظ العلم يلقى إليه إذ ألقي إليه شيئا بعد شيء وجزءا عقب جزء وما قاله أيضا ( أنه كان ينزل على حسب الدواعي والحوادث وجوابات السائلين ) اه أي فيكونون أوعى لما ينزل فيه لأنهم بحاجة إلى علمه فيكثر العمل بما فيه وذلك مما يثبت فؤاد النبي A ويشرح صدره .
وما قاله بعد ذلك ( إن تنزيله مفرقا وتحديهم بأن يأتوا ببعض تلك التفارق كلما نزل شيء منها أدخل في الإعجاز وأنور للحجة من أن ينزل كله جملة ) اه .
ومنه ما قال الجد الوزير C : إن القرآن لو لم ينزل منجما على حسب الحوادث لما ظهر في كثير من آياته مطابقتها لمقتضى الحال ومناسبتها للمقام وذلك من تمام إعجازها . وقلت : إن نزوله منجما أعون لحفاظه على فهمه وتدبره .
وقوله ( ورتلناه ترتيلا ) عطف على قوله ( كذلك ) أنزلناه منجما ورتلناه والترتيل يوصف به الكلام إذا كان حسن التأليف بين الدلالة . واتفقت أقوال أئمة اللغة على أن هذا الترتيل مأخوذ من قولهم : ثغر مرتل ورتل وإذا كانت أسنانه مفلجة تشبه نور الأقحوان . ولم يوردوا شاهدا عليه من كلام العرب .
A E