وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فلو أن قوم غير مسلمين عملوا في سيرتهم وشؤون رعيتهم بمثل ما أمر الله به المسلمين من الصالحات بحيث لم يعوزهم إلا الإيمان بالله ورسوله لاجتنبوا من سيرتهم صورا تشبه الحقائق التي يجتنيها المسلمون لأن تلك الأعمال صارت أسبابا وسننا تترتب عليها آثارها التي جعلها الله سننا وقوانين عمرانية سوى أنهم لسوء معاملتهم ربهم بجحوده أو بالإشراك به أو بعدم تصديق رسوله يكونون بمنأى عن كفالته وتأييده إياهم ودفع العوادي عنهم بل يكلهم إلى أعمالهم وجهودهم على حسب المعتاد . ألا ترى أن القادة الأوربيين بعد أن اقتبسوا من الإسلام قوانينه ونظامه بما مارسوه من شؤون المسلمين في خلال الحروب الصليبية ثم بما اكتسبوه من ممارسة كتب التاريخ الإسلامي والفقه الإسلامي والسيرة النبوية قد نظموا ممالكهم على قواعد العدل والإحسان والمواساة وكراهة البغي والعدوان فعظمت دولهم واستقامة أمورهم . ولا عجب في ذلك فقد سلط الله الآشوريين وهم مشركون على بني إسرائيل لفسادهم فقال ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ) وقد تقدم في سورة الإسراء .
والاستخلاف : جعلهم خلفاء أي عن الله في تدبير شؤون عباده كما قال ( إني جاعل في الأرض خليفة ) وقد تقدم في سورة البقرة . والسين والتاء للتأكيد . وأصله : ليخلفنهم في الأرض .
وتعليق فعل الاستخلاف بمجموع الذين آمنوا وعملوا الصالحات وإن كان تدبير شؤون الأمة منوطا بولاة الأمور لا بمجموع الأمة من حيث إن لمجموع الأمة انتفاعا بذلك وإعانة عليه كل بحسب مقامه في المجتمع كما حكى تعالى قول موسى لبني إسرائيل ( وجعلكم ملوكا ) كما تقدم في سورة العقود .
ولهذا فالوجه أن المراد من الأرض جميعها وان الظرفية المدلولة بحرف ( في ) ظاهرة في جزء من الأرض وهو موطن حكومة الأمة وحيث تنال أحكامها سكانه . والأصل في الظرفية عدم استيعاب المظروف الظرف كقوله تعالى ( واستعمركم فيها ) .
وإنما صيغ الكلام في هذا النظم ولم يقتصر على قوله ( ليستخلفنهم ) دون تقييد بقوله ( في الأرض ) ل ( ليستخلفنهم ) للإيماء إلى أن الاستخلاف يحصل في معظم الأرض . وذلك يقبل الامتداد والانقباض كما كان الحال يوم خروج بلاد الأندلس من حكم الإسلام . ولكن حرمة الأمة واتقاء بأسها ينتشر في المعمورة كلها بحيث يخافهم من عداهم من الأمم في الأرض التي لم تدخل تحت حكمهم ويسعون الجهد في مرضاتهم ومسالمتهم . وهذا استخلاف كامل ولذلك نظر بتشبيهه باستخلاف الذين من قبلهم يعني الأمم التي حكمت معظم العالم وأخافت جميعه مثل الآشوريين والمصريين والفينيقيين واليهود زمن سليمان والفرس واليونان والرومان .
وعن مالك : أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر فيكون موصول الجمع مستعملا في معنى المثنى . وعن الضحاك : هذه الآية تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي . ولعل هذا مراد مالك . وعلى هذا فالمراد بالذين من قبلهم صلحاء الملوك مثل : يوسف وداود وسليمان وأنو شروان وأصحمة النجاشي وملكي صادق الذي كان في زمن إبراهيم ويدعى حمورابي وذي القرنين وإسكندر المقدوني وبعض من ولي جمهورية اليونان .
A E وفي الآية دلالة واضحة على أن خلفاء الأمة مثل : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية كانوا بمحل الرضى من الله تعالى لأنه استخلفهم استخلافا كاملا كما استخلف الذين من قبلهم وفتح لهم البلاد من المشرق إلى المغرب وأخاف منهم الأكاسرة والقياصرة .
وجملة ( ليستخلفهم ) بيان لجملة ( وعد ) لأنها عين الموعود به . ولما كانت جملة قسم وهو من قبيل القول كانت إحداهما بيانا للأخرى .
وقرأ الجمهور ( كما استخلف ) بالبناء للفاعل أي كما استخلف الله الذين من قبلهم . وقرأه أبو بكر عن عاصم بالبناء للنائب فيكون ( الذين ) نائب فاعل