وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقد ورد في آيات إطلاق النور على ما هو أعم من الهدي كما في قوله تعالى ( إذا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) وقوله ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ) فعطف أحد اللفظين على الآخر مشعر بالمغايرة بينهما . وليس شيء من معاني لفظ النور الوارد في هذه الآيات بصالح لأن يكون هو الذي جعل وصفا لله تعالى لا حقيقة ولا مجازا فتعين أن لفظ ( نور ) في قوله ( مثل نوره كمشكاة ) غير المراد بلفظ نور في قوله ( الله نور السماوات والأرض ) فالنور لفظ مشترك استعمل في معنى وتارة أخرى في معنى آخر .
فأحسن ما تفسر به قوله تعالى ( الله نور السماوات والأرض ) أن الله موجد كل ما يعبر عنه بالنور وخاصة أسباب المعرفة الحق والحجة القائمة والمرشد إلى الأعمال الصالحة التي بها حسن العاقبة في العالمين العلوي والسفلي وهو من استعمال المشترك في معانيه .
ويجوز أن يراد بالسماوات والأرض من فيهما من باب ( واسأل القرية ) وهو أبلغ من ذكر المضاف المحذوف لأن في هذا الحذف إيهام أن السماوات والأرض قابلة لهذا النور كما أن القرية نفسها تشهد بما يسأل منها وذلك أبلغ في الدلالة على الإحاطة بالمقصود وألطف دلالة . فيشمل تلقين العقيدة الحق والهداية إلى الصلاح ؛ فأما هداية البشر إلى الخير والصلاح فظاهرة وأما هداية الملائكة إلى ذلك فبأن خلقهم الله على فطرة الصلاح والخير . وبأن أمرهم بتسخير القوى للخير وبأن أمر بعضهم بإبلاغ الهدى بتبليغ الشرائع وإلهام القلوب الصالحة إلى الصلاح وكانت تلك مظاهر هدي لهم وبهم .
( مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور ) يظهر أن هذه الجملة بيان لجملة ( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ) إذ كان ينطوي في معنى ( آيات ) ووصفها ب ( مبينات ) ما يستشرف إليه السامع من بيان لما هي الآيات وما هو تبيينها فالجملة مستأنفة استئنافا بيانيا . ووقعت جملة ( الله نور السماوات والأرض ) معترضة بين هذه الجملة والتي قبلها تمهيدا لعظمة هذا النور الممثل بالمشكاة .
وجرى كلام كثير من المفسرين على ما يقتضي أنها بيان لجملة ( الله نور السماوات والأرض ) فيكون موقعها موقع عطف البيان فلذلك فصلت فلم تعطف .
والضمير في قوله ( نوره ) عائد إلى اسم الجلالة أي مثل نور الله . والمراد ب ( نوره ) كتابه أو الدين الذي أختاره أي مثله في إنارة عقول المهتدين .
فالكلام تمثيل لهيئة إرشاد الله المؤمنين بهيئة المصباح الذي حفت به وسائل قوة الإشراق فهو نور الله لا محالة . وإنما أوثر تشبيهه بالمصباح الموصوف بما معه من الصفات دون أن يشبه نوره بطلوع الشمس بعد ظلمة الليل لقصد إكمال مشابهة الهيئة المشبه بها بأنها حالة ظهور نور يبدو في خلال ظلمة فتنقشع به تلك الظلمة في مساحة يراد تنويرها . ودون أن يشبه بهيئة بزوغ القمر في خلال ظلمة الأفق لقصد إكمال المشابهة لأن القمر يبدو ويغيب في بعض الليلة بخلاف المصباح الموصوف . وبعد هذا فلأن المقصود ذكر ما حف بالمصباح من الأدوات ليتسنى كمال التمثيل بقبوله تفريق التشبيهات كما سيأتي وذلك لا يتأتى القمر .
والمثل : تشبيه حال بحال وقد تقدم في أوائل سورة البقرة . فمعنى ( مثل نوره ) : شبيه هديه حال مشكاة . . إلى آخره فلا حاجة إلى تقدير : كنور مشكاة لأن المشبه به هو المشكاة وما يتبعها .
وقوله ( كمشكاة فيها مصباح ) المقصود كمصباح في مشكاة . وإنما قدم ( المشكاة ) في الذكر لأن المشبه به هو مجموع الهيئة فاللفظ الدال على المشبه به هو مجموع المركب المبتدئ بقوله ( كمشكاة ) والمنتهي بقوله ( ولو لم تمسسه نار ) فلذلك كان دخول كاف الشبه على كلمة ( مشكاة ) دون لفظ ( مصباح ) لا يقتضي أصالة لفظ مشكاة في الهيئة المشبه بها دون لفظ ( مصباح ) بل موجب هذا الترتيب مراعاة الترتيب الذهني في تصور هذه الهيئة لمتخيله حين يلمح الناظر إلى انبثاق النور ثم ينظر إلى مصدره فيرى مشكاة ثم يبدو له مصباح في زجاجة .
A E