وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والذي يظهر لي أن جملة : ( الله نور السماوات والأرض ) معترضة بين الجملة التي قبلها وبين جملة ( مثل نوره كمشكاة ) وأن جملة ( مثل نوره كمشكاة ) بيان لجملة ( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ) كما سيأتي في تفسيرها فتكون جملة ( الله نور السماوات والأرض ) تمهيدا لجملة ( مثل نوره كمشكاة ) .
ومناسبة موقع جملة ( مثل نوره كمشكاة ) بعد جملة ( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ) أن آيات القرآن نور قال تعالى ( وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) في سورة النساء وقال ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) في سورة العقود فكان قوله ( الله نور السماوات والأرض ) كلمة جامعة لمعاني جمة تتبع معاني النور في إطلاقه في الكلام .
وموقع الجملة عجيب من عدة جهات وانتقال من بيان الأحكام إلى غرض آخر من أغراض الإرشاد وأفانين من الموعظة والبرهان .
والنور : حقيقته الإشراق والضياء . وهو اسم جامد لمعنى فهو كالمصدر لأنا وجدناه أصلا لاشتقاق أفعال الإنارة فشابهت الأفعال المشتقة من الأسماء الجامدة نحو : استنوق الجمل فأن فعل أنار مثل فعل أفلس وفعل استنار مثل فعل استحجر الطين . وبذلك كان الإخبار به بمنزلة الإخبار بالمصدر أو باسم الجنس في إفادة المبالغة لأنه اسم ماهية من المواهي فهو والمصدر سواء في الاتصاف . فمعنى ( الله نور السماوات والأرض ) أن منه ظهورهما . والنور هنا صالح لعدة معان تشبه بالنور وإطلاق اسم النور عليها مستعمل في اللغة .
فالإخبار عن الله تعالى بأنه نور إخبار بمعنى مجازي للنور لا محالة بقرينة أصل عقيدة الإسلام أن الله تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا يتردد في ذلك أحد من أصحاب اللسان العربي ولا تخلو حقيقة معنى النور عن كونه جوهرا أو عرضا . وأسعد إطلاقات النور في اللغة بهذا المقام أن يراد به جلاء الأمور التي شأنها أن تخفي عن مدارك الناس وتلتبس فيقل الاهتداء إليها فإطلاقه على ذلك مجاز بعلامة التسبب في الحس والعقل وقال الغزالي في رسالته المعروفة بمشكاة الأنوار : النور هو الظاهر الذي به كل ظهور أي الذي تنكشف به الأشياء وتنكشف له وتنكشف منه وهو النور الحقيقي وليس فوقه نور . وجعل اسمه تعالى النور دالا على التنزه عن العدم وعلى إخراج الأشياء كلها عن ظلمة العدم إلى ظهور الوجود فآل إلى ما يستلزمه اسم النور من معنى الإظهار والتبيين في الخلق والإرشاد والتشريع وتبعه ابن برجان الإشبيلي في شرح الأسماء الحسنى فقال : إن اسمه النور آل إلى صفات الأفعال اه .
أما وصف النور هنا فيتعين أن يكون ملائما لما قبل الآية من قوله ( لقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ) وما بعدها من قوله ( مثل نوره كمشكاة ) إلى قوله ( يهدي الله لنوره من يشاء ) وقوله عقب ذلك ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) . وقد أشرنا آنفا إلى أن للنور إطلاقات كثيرة وإضافات أخرى صالحة لأن تكون مرادا من وصفه تعالى بالنور وقد ورد في مواضع من القرآن والحديث فيحمل الإطلاق في كل مقام على ما يليق بسياق الكلام ولا يطرد ذلك على منوال واحد حيثما وقع كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن " فإن عطف " ومن فيهن " يؤذن بأن المراد ب ( السماوات والأرض ) ذاتهما لا الموجودات التي فيهما فيتعين أن يراد بالنور هنالك إفاضة الوجود المعبر عنه بالفتق في قوله تعالى ( كانتا رتقا ففتقناهما ) . والمعنى : أنه بقدرته تعالى استقامت أمورهما .
والتزام حكماء الإشراق من المسلمين وصوفية الحكماء معاني من إطلاقات النور . وأشهرها ثلاث : البرهان العلمي والكمال النفساني وما به مشاهدة النورانيات من العوالم . وإلى ثلاثتها أشار شهاب الدين يحيى السهروردي في أول كتابه " هياكل النور " بقوله " يا قيوم أيدنا بالنور وثبتنا على النور واحشرنا إلى النور " كما بينه جلال الدين الدواني في شرحه .
ونلحق بهذه المعاني إطلاق النور على الإرشاد إلى الأعمال الصالحة وهو الهدي .
A E