وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وجملة ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) تذييل وهو مؤذن بكلام محذوف على وجه الإيجاز والتقدير : فجادلوا فيه وكان الإنسان أكثر جدلا فإن الإنسان اسم لنوع بني آدم . وحرف ( ال ) فيه لتعريف الحقيقة فهو أوسع عموما من لفظ الناس . والمعنى : أنهم جادلوا . والجدال : خلق منه ذميم يصد عنه تأديب الإسلام ويبقى في خلق المشركين . ومنه محمود كما في قوله تعالى ( فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب ) فأشار بالثناء على إبراهيم إلى أن جداله محمود . وليس المراد بالإنسان الإنسان الكافر كما في قوله تعالى ( يقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا ) ولا المراد بالجدل الجدل بالباطل لأن هذا سيجيء في قوله تعالى ( ويجادل الذين كفروا بالباطل ) الآية فقوله هنا ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) تمهيد لقوله بعده ( ويجادل الذين كفروا بالباطل ) .
A E و ( شيء ) اسم مفرد متوغل في العموم . ولذلك صحت إضافة اسم التفضيل إليه أي أكثر الأشياء . واسم التفضيل هنا مسلوب المفاضلة مثل قوله ( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) وإنما أتي بصيغته لقصد المبالغة في شدة جدل الإنسان وجنوحه إلى المماراة والنزاع حتى فيما ترك الجدال في شأنه أحسن بحيث إن شدة الوصف فيه تشبه تفوقه في الوصف على كل من يعرض أنه موصوف به .
وإنما ألجئنا إلى هذا التأويل في اسم التفضيل لظهور أن غير الإنسان من أنواع ما على الأرض لا يتصور منه الجدل . فالجدل خاص بالإنسان لأنه من شعب النطق الذي هو فصل حقيقة الإنسانية أما الملائكة فجدلهم محمود مثل قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ) إلى قوله ( ونقدس لك ) . وأما الشياطين فهم أكثر جدلا من الإنسان ولكن لما نبا المقام عن إرادتهم كانوا غير مرادين بالتفضيل عليهم في الجدل .
و ( جدلا ) تمييز لنسبة الأكثرية إلى الإنسان . والمعنى : وكان الإنسان كثيرا من جهة الجدل أي كثيرا جدله . ويدل لهذا المعنى ما ثبت في الصحيح عن علي : " أن النبي A طرقه وفاطمة ليلا فقال : ألا تصليان ! ؟ فقال علي : يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا قال : فانصرف رسول الله حين قلت له ذلك ولم يرجع إلي شيئا ثم سمعته يضرب فخذه ويقول ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) . يريد رسول الله A أن الأولى بعلي أن يحمد إيقاظ رسول الله إياه ليقوم من الليل وأن يحرص على تكرر ذلك وأن يسر بما في الكلام رسول الله من ملام ولا يستدل بما يحبذ استمرار نومه فذلك محل تعجب رسول الله A من جواب علي " Bه " .
ولا يحسن أن يحمل التفضيل في الآية على بابه بأن يراد أن الإنسان أكثر جدلا من الشياطين والجن مما يجوز على حقيقته الجدل لأنه محمل لا يراد مثله في مثل هذا . ومن أنبأنا أن للشياطين والجن مقدرة على الجدل ؟ والجدل : المنازعة بمعاوضة القول أي هو الكلام الذي يحاول به إبطال ما في كلام المخاطب من رأي أو عزم عليه : بالحجة أو بالإقناع أو بالباطل قال تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) وقال ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) وقال ( يجادلنا في قوم لوط ) وقال ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) وقال ( يجادلونك في الحق بعد ما تبين ) .
والمراد هنا مطلق الجدل وبخاصة ما كان منه بباطل أي أن كل إنسان في طبعه الحرص على إقناع المخالف بأحقية معتقده أو عمله . وسياق الكلام يقتضي إرادة الجدل الباطل .
( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا [ 55 ] )