وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والخطاب في ( لا تفقهون ) يجوز أن يكون للمشركين جريا على أسلوب الخطاب السابق في قوله ( إنكم لتقولون قولا عظيما ) وقوله ( لو كان معه آلهة كما تقولون ) لأن الذين لم يفقهوا دلالة الموجودات على تنزيه الله تعالى هم الذين لم يثبتوا له التنزيه عن النقائص التي شهدت الموجودات " حيثما توجه إليها النظر " بتنزيهه عنها فلم يحرم من الاهتداء إلى شهادتها إلا الذين لم يقلعوا عن اعتقاد أضدادها . فأما المسلمون فقد اهتدوا إلى ذلك التسبيح بما أرشدهم إليه القرآن من النظر في الموجودات وإن تفاوتت مقادير الاهتداء على تفاوت القرائح والفهوم .
ويجوز أن يكون لجميع الناس باعتبار انتفاء تمام العلم بذلك التسبيح .
وقد مثل الإمام فخر الدين ذلك فقال : إنك إذا أخذت تفاحة واحدة فتلك التفاحة مركبة من عدد كثير من الأجزاء التي لا تتجزأ " أي جواهر فردة " وكل واحد من تلك الأجزاء دليل تام مستقل على وجود الإله ولكل واحد من تلك الأجزاء التي لا تتجزأ صفات مخصوصة من الطبع والطعم واللون والرائحة والحيز والجهة . واختصاص ذلك الجواهر الفرد بتلك الصفة المعينة هو من الجائزات فلا يجعل ذلك الاختصاص إلا بتخصيص مخصص قادر حكيم فكل واحد من أجزاء تلك التفاحة دليل تام على وجود الإله تعالى ثم عدد تلك الأجزاء غير معلوم وأحوال تلك الصفات غير معلومة فلهذا المعنى قال تعالى ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) .
ولعل إيثار فعل ( لا يفقهون ) دون أن يقول : لا تعلمون للإشارة إلى أن المنفي علم دقيق فيؤيد ما نحاه فخر الدين .
وقرأ الجمهور ( يسبح ) " بياء الغائب " وقرأه عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف " بتاء جماعة مؤنث " والوجهان جائزان في جموع غير العاقل وغير حقيقي التأنيث .
وجملة ( إنه كان حليما غفورا ) استئناف يفيد التعريض بأن مقالتهم تقتضي تعجيل العقاب لهم في الدنيا لولا أن الله عاملهم بالحلم والإمهال . وفي ذلك تعريض بالحث على الإقلاع عن مقالتهم ليغفر الله لهم .
وزيادة ( كان ) للدلالة على أن الحلم والغفران صفتان له محققتان .
( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا [ 45 ] ) عطف جملة على جملة وقصة على قصة فإنه لما نوه بالقرآن في قوله ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ثم أعقب بما اقتضاه السياق من الإشارة إلى ما جاء به القرآن من أصول العقيدة وجوامع الأعمال وما تخلل ذلك من المواعظ والعبر عاد هنا إلى التنبيه على عدم انتفاع المشركين بهدي القرآن لمناسبة الإخبار عن عدم فقههم دلالة الكائنات على تنزيه الله تعالى عن النقائض وتنبيها للمشركين على وجوب إقلاعهم عن بعثهم وعنادهم وتأمينا للنبي A من مكرهم به وإضمارهم إضراره وقد كانت قراءته القرآن تغيظهم وتثير في نفوسهم الانتقام .
وحقيقة الحجاب : السار الذي يحجب البصر عن رؤية ما وراءه . وهو هنا مستعار للصرفة التي يصرف الله بها أعداء النبي A عن الإضرار به وللإعراض الذي يعرضون به عن استماع القرآن وفهمه . وجعل الله الحجاب المذكور إيجاد ذلك الصارف في نفوسهم بحيث يهمون ولا يفعلون من خور الإرادة والعزيمة بحيث يخطر الخاطر في نفوسهم ثم لا يصممون وتخطر معاني القرآن في أسماعهم ثم لا يتفهمون . وذلك خلق يسري إلى النفوس تدريجيا تغرسه في النفوس بادئ الأمر شهوة الإعراض وكراهية المسموع منه ثم لا يلبث أن يصير ملكا في النفس لا تقدر على خلعه ولا تغيره .
وإطلاق الحجاب على ما يصلح للمعنيين إما على حقيقة اللفظ وإما للحمل على ما له نظير في القرآن . وقد جاء في الآية الأخرى ( ومن بيننا وبينك حجاب ) .
ولما كان إنكارهم البعث هو الأصل الذي استبعدوا به دعوة النبي A حتى زعموا أنه يقول محالا إذ يخبر بإعادة الخلق بعد الموت ( وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد افترى على الله كذبا أم به جنة ) استحضروا في هذا الكلام بطريق الموصولة لما في الصلة من الإيماء إلى علة جعل ذلك الحجاب بينه وبينهم فلذلك قال ( وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة ) .
A E