ووجه الاستدلال أنكم جعلتموهم آلهة وقلتم ما نعبدهم إلا ليكونوا شفعاءنا عند الله فلو كانوا آلهة كما وصفتم إلهيتهم لكانوا لا غنى لهم عن الخضوع إلى الله وذلك كاف لكم بفساد قولكم إذ الإلهية تقتضي عدم الاحتياج فكان مآل قولكم إنهم عباد لله مكرمون عنده وهذا كاف في تفطنكم لفساد القول بإلهيتهم .
A E والابتغاء على هذا ابتغاء محبة ورغبة كقوله ( فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) . وقريب من معناه قوله تعالى ( وقالوا اتخذ الرحمان ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ) فالسبيل على هذا المعنى مجاز عن التوسل إليه والسعي إلى مرضاته .
وقوله ( كما تقولون ) على هذا المعنى تفيد للكون في قوله ( لو كان معه آلهة ) أي لو كان معه آلهة حال كونهم كما تقولون أي كما تصفون إلهيتهم من قولكم ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) .
واستحضار الذات العلية بوصف ( ذي العرش ) دون اسمه العلم لما تتضمنه الإضافة إلى العرش من الشأن الجليل الذي هو مثار حسد الآلهة إياه وطمعهم في انتزاع ملكه على المعنى الأول أو الذي هو مطمع الآلهة الابتغاء من سعة ما عنده على المعنى الثاني .
وقرأ الجمهور ( كما تقولون ) بتاء الخطاب على الغالب في حكاية القول المأمور بتبليغه أن يحكى كما يقول المبلغ حين إبلاغه . وقراه ابن كثير وحفص " بياء الغيبة " على الوجه الآخر في حكاية القول المأمور بإبلاغه للغير أن يحكى بالمعنى لأن في حال خطاب الآمر المأمور بالتبليغ يكون المبلغ له غائبا وإنما يصير مخاطبا عند التبليغ فإذا لوحظ حاله هذا عبر عنه بطريق الغيبة كما قرئ قوله تعالى ( قل للذين كفروا ستغلبون ) " بالتاء وبالياء " أو على قوله ( كما يقولون ) اعتراض بين شرط " لو " وجوابه .
( سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا [ 43 ] ) إنشاء تنزيه لله تعالى عما ادعوه من وجود شركاء له في الإلهية .
وهذا من المقول اعتراض بين أجزاء المقول وهو مستأنف لأنه نتيجة لبطلان قولهم : إن مع الله آلهة بما نهضت به الحجة عليهم من قوله ( إذن لابتغوا إلا ذي العرش سبيلا ) . وقد تقدم الكلام على نظيره في قوله تعالى ( سبحانه وتعالى عما يصفون ) في سورة الأنعام .
والمراد بما يقولون ما يقولونه مما ذكر آنفا كقوله تعالى ( ونرثه ما يقول ) .
و ( علوا ) مفعول مطلق عامله ( تعالى ) . جيء به على غير قياس فعله للدلالة على أن التعالي هو الاتصاف بالعلو بحق لا بمجرد الادعاء كقول سعدة أم الكميت بن معر : .
تعاليت فوق الحق عن آل فقعس ... ولم تخش فيهم ردة اليوم أو غد وقوله سبحانه ( ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم " أي يدعي الفضل ولا فضل له " . وهو منصوب على المفعولية المطلقة المبينة للنوع .
والمراد بالكبير الكامل في نوعه . وأصل الكبير صفة مشبهة : الموصوف بالكبر . والكبر : ضخامة جسم الشيء في متناول الناس أي تعالى أكمل علو لا يشوبه شيء من جنس ما نسبوه إليه لأن المنافاة بين استحقاق ذاته وبين نسبة الشريك له والصاحبة والولد بلغت في قوة الظهور إلى حيث لا تحتاج إلى زيادة لأن وجوب الوجود والبقاء ينافي آثار الاحتياج والعجز .
وقرأ الجمهور ( عما يقولون ) بياء الغيبة . وقرأه حمزة والكسائي وخلف " بتاء الخطاب " على أنه التفات أو هو من جملة المقول من قوله ( قل لو كان معه آلهة ) على هذه القراءة .
( يسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا [ 44 ] ) جملة ( يسبح له ) الخ . حال من الضمير في ( سبحانه ) أي نسبحه في حال أنه ( يسبح له السماوات السبع ) الخ أي ( يسبح له ) العوالم وما فيها وتنزيهه عن النقائص .
واللام في قوله ( له ) لم تعدية ( يسبح ) المضمن معنى يشهد بتنزيهه أو هي اللام المسماة لام التبيين كالتي في قوله ( ألم نشرح لك صدرك ) وفي قولهم : حمدت الله لك .
ولما أسند التسبيح إلى كثير من الأشياء التي لا تنطق دل على أنه مستعمل في الدلالة على التنزيه بدلالة الحال وهو معنى قوله ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) حيث أعرضوا عن النظر فيها فلم يهتدوا إلى ما يحف بها من الدلالة على تنزيهه عن كل ما نسبوه من الأحوال المنافية للإلهية .
A E