وحذف مفعول ( صرفنا ) لأن الفعل نزل منزلة اللازم فلم يقدر له مفعول أي بينا البيان أي ليذكروا ببيانه . ويذكروا : أصله يتذكروا فأدغم التاء في الذال لتقارب مخرجيهما وقد تقدم في أول سورة يونس وهو من الذكر المضمون الذال الذي هو ضد النسيان .
وضمير ( ليذكروا ) عائد إلى معلوم من المقام دل عليه قوله ( أفأصفاكم ربكم بالبنين ) أي ليذكر الذين خوطبوا بالتوبيخ في قوله ( أفأصفاكم ربكم ) فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة أو من خطاب المشركين إلى خطاب المؤمنين .
وقوله ( وما يزيدهم إلا نفورا ) تعجب من حالهم .
وقرأ حمزة والكسائي وخلف ( ليذكروا ) بسكون الذال وضم الكاف مخففة مضارع ذكر الذي مصدره الذكر " بضم الذال " .
وجملة ( وما يزيدهم إلا نفورا ) في موضع الحال وهو حال مقصود منه التعجيب من حال ضلالتهم إذ كانوا يزدادون نفورا من كلام فصل وبين لتذكيرهم . وشأن التفصيل أن يفيد الطمأنينة للمقصود . والنفور : هروب الوحشي والدابة بجزع وخشية من الأذى . واستعير هنا لإعراضهم تنزيلا لهم منزلة الدواب والأنعام .
( قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [ 42 ] ) عود إلى إبطال تعدد الآلهة زيادة في استئصال عقائد المشركين من عروقها فالجملة استئناف ابتدائي بعد جملة ( ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملموما مدحورا ) . والمخاطب بالأمر بالقول هو النبي A لدمغهم بالحجة المقنعة بفساد قولهم . وللاهتمام بها افتتحت ب ( قل ) تخصيصا لهذا بالتبليغ وإن كان جميع القرآن مأموا بتبليغه .
وجملة ( كما تقولون ) معترضة للتنبيه على أن تعدد الآلهة لا تحقق له وإنما هو مجرد قول عار عن المطابقة لما في نفس الأمر .
وابتغاء السبيل : طلب طريق الوصول إلى الشيء أي توخيه والاجتهاد لإصابته وهو هنا مجاز في توخي وسيلة الشيء . وقد جاء في حديث موسى والخضر " عليهما السلام " أن موسى سأل السبيل إلى لقيا الخضر .
و ( إذن ) دالة على الجواب والجزاء فهي مؤكدة لمعنى الجواب الذي تدل عليه اللام المقترنة بجواب ( لو ) الامتناعية الدالة على امتناع حصول جوابها لأجل امتناع وقوع شرطها وزائدة بأنها تفيد أن الجواب جزاء عن الكلام المجاب . فالمقصود الاستدلال على انتفاء إلهية الأصنام والملائكة الذين جعلوهم آلهة .
وهذا الاستدلال يحتمل معنيين مآلهما واحد : المعنى الأول : أن يكون المراد بالسبيل سبيل السعي إلى الغلبة والقهر أي لطلبوا مغالبة ذي العرش وهو الله تعالى . وهذا كقوله تعالى ( وما كان معه من إله إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) . ووجه الملازمة التي بني عليها الدليل أن من شأن أهل السلطان في العرف والعادة أن يتطلبوا توسعة سلطانهم ويسعى بعضهم إلى بعض بالغزو ويتألبوا على السلطان الأعظم ليسلبوه ملكه أو بعضه وقديما ما ثارت الأمراء والسلاطين على ملك الملوك وسلبوه ملكه فلو كان مع الله آلهة لسلكوا عادة أمثالهم .
وتمام الدليل محذوف للإيجاز يدل عليه ما يستلزمه ابتغاء السبيل على هذا المعنى من التدافع والتغالب اللازمين عرفا لحالة طلب سبيل النزول بالقرية أو الحي لقصد الغزو . وذلك المفضي إلى اختلال العالم لاستغال مدبريه بالمقاتلة والمدافعة على نحو ما يوجد في ميثلوجيا اليونان من تغالب الأرباب وكيد بعضهم لبعض فيكون هذا في معنى قوله تعالى ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) . وهو الدليل المسمى ببرهان التمانع في علم أصول الدين فالسبيل على هذا المعنى مجاز عن التمكن والظفر بالمطلوب . والابتغاء على هذا ابتغاء عن عداوة وكراهة .
وقوله ( كما تقولون ) على هذا الوجه تنبيه على خطئهم وهو من استعمال الموصول في التنبيه على الخطأ .
والمعنى الثاني : أن يكون المراد بالسبيل سبيل الوصول إلى ذي العرش وهو الله تعالى وصول الخضوع والاستعطاف والتقرب أي لطلبوا ما يوصلهم إلى مرضاته كقوله ( يبتغون إلى ربهم الوسيلة )