والإيتاء : الإعطاء وهو حقيقة في إعطاء الأشياء ومجاز شائع في التمكن من الأمور المعنوية كحسن المعاملة والنصرة . ومنه قول النبي A : " ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها " الحديث .
وإطلاق الإيتاء هنا صالح للمعنيين كما هي طريقة القرآن في توفير المعاني وإيجاز الألفاظ .
وقد بينت أدلة شرعية حقوق ذي القربى ومراتبها : من واجبة مثل بعض النفقة على بعض القرابة مبينة شروطها عند الفقهاء ومن غير واجبة مثل الإحسان .
وليس لهاته تعلق بحقوق قرابة النبي A لأن حقوقهم في المال تقررت بعد الهجرة لما فرضت الزكاة وشرعت المغانم والأفياء وقسمتها . ولذلك حمل جمهور العلماء هذه الآية على حقوق قرابة النسب بين الناس . وعن علي زين العابدين أنها تشمل قرابة النبي A .
والتعريف في ( القربى ) تعريف الجنس أي القربى منك وهو الذي يعبر عنه بأن ( أل ) عوض عن المضاف إليه . وبمناسبة ذكر إيتاء ذي القربى عطف عليه من يماثله في استحقاق المواساة .
وحق المسكين هو الصدقة . قال تعالى ( ولا تحضون على طعام المسكين ) وقوله ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ) . وقد بينت آيات وأحاديث كثيرة حقوق المساكين وأعظمها آية الزكاة ومراتب الصدقات الواجبة وغيرها .
( وابن السبيل ) هو المسافر يمر بحي من الأحياء فله على الحي الذي يمر به حق ضيافته .
وحقوق الأضياف في كلام النبي A كقوله : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة " .
وكانت ضيافة ابن السبيل من أصول الحنيفية مما سنه إبراهيم " عليه السلام " قال الحريري : " وحرمة الشيخ الذي سن القرى " .
وقد جعل لابن السبيل نصيب الزكاة .
وقد جمعت هذه الآية ثلاث وصايا أوصى الله به بقوله ( وقضى ربك . . ) الآيات .
فأما إيتاء ذي القربى فالمقصد منه مقارب للمقصد من الإحسان للوالدين رعيا لاتحاد المنبت القريب وشدا لآصرة العشيرة التي تتكون منها القبيلة . وفي ذلك صلاح عظيم لنظام القبيلة وأمنها وذنبها عن حوزتها .
وأما إيتاء المسكين فلمقصد انتظام المجتمع بأن لا يكون من أفراده من هو في بؤس وشقاء على أن ذلك المسكين لا يعدوا أن يكون من القبيلة في الغالب أقعده العجز عن العمل والفقر عن الكفاية .
وأما إيتاء ابن السبيل فلإكمال نظام المجتمع لأن المار به من غير بنية بحاجة عظيمة إلى الإيواء ليلا ليقيه من عوادي الوحوش واللصوص وإلى الطعام والدفء أو التظلل من إضرار الجوع والفقر أو الحر . ( ولا تبذر تبذيرا [ 26 ] إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا [ 27 ] ) لما ذكر البذل المحمود وكان ضده معروفا عند العرب أعقبه بذكره للمناسبة .
ولأن في الانكفاف عن البذل غير المحمود الذي هو التبذير استبقاء للمال الذي يفي بالبذل المأمور به فالانكفاف عن هذا تيسير لذاك وعون عليه فهذا وإن كان غرضا مهما من التشريع المسوق في هذه الآيات قد وقع موقع الاستطراد في أثناء الوصايا المتعلقة بإيتاء المال ليظهر كونه وسيلة لإيتاء المال لمستحقيه وكون مقصودا بالوصاية أيضا لذاته . ولذلك سيعود الكلام إلى إيتاء المال لمستحقيه بعد الفراغ من النهي عن التبذير بقوله ( وإما تعرضن عنهم ) الآية ثم يعود الكلام إلى ما بين أحكام التبذير بقوله ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) .
وليس قوله ( ولا تبذر تبذيرا ) متعلقا بقوله ( وآت ذا القربى حقه ) الخ . . لأن التبذير لا يوصف به بذل المال في حقه ولو كان أكثر من حاجة المعطى " بالفتح " .
فجملة ( ولا تبذر تبذيرا ) معطوفة على جملة ( ألا تعبدوا إلا إياه ) لأنها من جملة ما قضى الله به وهي معترضة بين جملة ( وآت ذا القربى حقه ) الآية وجملة ( وإما تعرض عنهم ) الآية فتضمنت هذه الجملة وصية سادسة مما قضى الله به .
A E