والدرجات مستعارة لعظمة الشرف والتفضيل : إعطاء الفضل وهو الجدة والنعمة . وفي الحديث : " ويتصدقون بفضول أموالهم " . والمعنى : النعمة في الآخرة أعظم من نعم الدنيا .
( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا [ 22 ] ) تذييل هو فذلكة لاختلاف أحوال المسلمين والمشركين فإن خلاصة أسباب الفوز ترك الشرك لأن الشرك لأن ذلك هو مبدأ الإقبال على العمل الصالح فهو أول خطوات السعي لمريد الآخرة لأن الشرك قاعدة اختلال التفكير وتضليل العقول قال الله تعالى في ذكر آلهة المشركين ( وما زادوهم غير تتبيب ) .
والخطاب للنبي A تبع لخطاب قوله ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ) والمقصود إسماع الخطاب غيره بقرينة تحقق أن النبي قائم بنبذ الشرك ومنح على الذين يعبدون مع الله إلها آخر .
و ( تقعد ) مستعار لمعنى المكث والدوام . أريد بهذه الاستعارة تجريد معنى النهي إلى أنه نهي تعريض بالمشركين لأنهم متلبسون بالذم والخذلان . فإن لم يقلعوا عن الشرك داموا في الذم والخذلان .
والمذموم : المذكور بالسوء والعيب .
والمخذول : الذي أسلمه ناصره .
فأما ذمه فمن ذوي العقول إذ أعظم شخرية أن يتخذ المرء حجرا أو عودا ربا له ويعبده كما قال إبراهيم " عليه السلام " ( أتعبدون ما تنحتون ) وذمه من الله على لسان الشرائع .
وأما خذلانه فلأنه اتخذ لنفسه وليا لا يغني عنه شيئا ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ) وقال إبراهيم " عليه السلام " ( يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) وخذلانه من الله لأنه لا يتولى من لا يتولاه قال ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم ) وقال ( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) .
( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) عطف على الكلام السابق عطف غرض على غرض تخلصا إلى أعمدة من شريعة الإسلام بمناسبة الفذلكة المتقدمة تنبيها على أن إصلاح الأعمال متفرع على نبذ الشرك كما قال تعالى ( فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبه يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا ) .
وقد ابتدئ تشريع للمسلمين أحكاما عظيمة لإصلاح جامعتهم وبناء أركانها ليزدادوا يقينا بارتفاعهم على أهل الشرك وبانحطاط هؤلاء عنهم وفي جميعها تعريض بالمشركين الذين كانوا منغمسين في المنهيات . وهذه الآيات أول تفصيب للشريعة للمسلمين وقع بمكة وأن ما ذكر في هذه الآيات مقصود به تعليم المسلمين . ولذلك اختلق أسلوبه عن أسلوب نظيره في سورة الأنعام الذي وجه فيه الخطاب إلى المشركين لنوقيفهم على قواعد ضلالتهم .
فمن الاختلاف بين الأسلوبين أن هذه الآية افتتحت بفعل القضاء المقتضي الإلزام وهو مناسب لخطاب أمة تمتثل أمر ربها وافتتح خطاب سورة الأنعام ب ( تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) كما تقدم هنالك .
ومنها أن هذه الآية جعلت المقضي هو توحيد الله بالعبادة لأنه المناسب لحال المسلمين فحذرهم من عبادة غير الله . وآية الأنعام جعلت المحرم فيها هو الإشراك بالله في الإلهية المناسب لما كانوا عليه من الشرك إذ لا عبادة لهم .
وأن هذه الآية فصل فيها حكم البر بالوالدين وحكم القتل وحكم الإنفاق ولم يفصل ما في الآية الأنعام .
وكان ما ذكر في هذه الآيات خمسة عشر تشريعا هي أصول التشريع الراجع إلى نظام المجتمع .
A E وأحسب أن هذه الآيات اشتهرت بين الناس في مكة وتناقلها العرب في الآفاق فلذلك ألم الأعشى ببعضها في قصيدته المروية التي أعدها لمدح النبي A حين جاء يريد الإيمان فصدته قريش عن ذلك وهي القصيدة الدالية التي يقول فيها : .
أجدك لم تسمع وصاة محمد ... نبئ الإله حين أوصى وأشهدا .
فإياك والميتات لا تأكلنها ... ولا تأخذن سهما حديدا لتفصدا .
وذا النصب المنصوب لا تسكنه ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا .
وذا الرحم القربى فلا تقطعنه ... لفاقته ولا الأسير المقيدا .
ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة ... ولا تحسن المال للمرء مخلدا .
ولا تقربن جارة إن سرها ... عليك حرام فأنكحن أو تأبدا