وأطلق عليها ( وازرة ) على معنى الفرض والتقدير أي لو قدرت نفس ذات وزر لا تزاد على وزرها وزر غيرها فعلم أن النفس التي لا وزر لها لا تزر وزر غيرها بالأولى .
والوزر : الإثم لتشبيهه بالحمل الثقيل لما يجره من التعب لصاحبه في الآخرة كما أطلق عليه الثقل قال تعالى ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ) .
( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ 15 ] ) عطف على آية ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ) الآية .
وهذا استقصاء في الإعذار لأهل الضلال زيادة على نفي مؤاخذتهم بأجرام غيرهم ولهذا اقتصر على قوله ( وما كنا معذبين ) دون أن يقال : ولا مثيبين . لأن المقام مقام إعذار وقطع حجة وليس مقام امتنان بالإرشاد .
والعذاب هنا عذاب الدنيا بقرينة السياق وقرينة عطف ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ) الآية . ودلت على ذلك آيات كثيرة قال الله تعالى ( وما أهلكنا من قرية إلا لها منذورون ذكرى وما كنا ظالمين ) وقال ( فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون ) .
على أن معنى ( حتى ) يؤذن بان بعثة الرسول متصلة بالعذاب شان الغاية وهذا اتصال عرفي بحسب ما تقتضيه البعثة من مدة للتبليغ والاستمرار على تكذيبهم الرسول والإمهال للمكذبين ولذلك يظهر أن يكون العذاب هنا عذاب الدنيا وكما يقتضيه الانتقال إلى الآية بعدها .
على أننا إذا اعتبرنا التوسع في الغاية صح حمل التعذيب على ما يعم عذاب الدنيا والآخرة .
ووقوع فعل ( معذبين ) في سياق النفي يفيد العموم فيعثة الرسل لتفصيل ما يريده الله من الأمة من الأعمال .
ودلت الآية على أن الله لا يؤاخذ الناس إلا بعد أن يرشدهم رحمة منه لهم . وهي دليل بين على انتفاء مؤاخذة أحد ما لم تبلغه دعوة رسول من الله إلى قومه فهي حجة للأشعري ناهضة على الماتريدي والمعتزلة الذين اتفقوا على إيصال العقل إلى معرفة وجود الله وهو ما صرح به صدر الشريعة في التوضيح في المقدمات الأربع . فوجود الله وتوحيده عندهم واجبان بالعقل فلا عذر لمن أشرك بالله وعطل ولا عذر له بعد بعثة رسول .
وتأويل المعتزلة أن يراد بالرسول العقل تطوح عن استعمال اللغة وإغماض عن كونه مفعولا لفعل ( نبعث ) إذ لا يقال بعث عقلا بمعنى جعل . وقد تقدم ذلك في تفسير قوله تعالى ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) في سورة النساء .
( وإذا أضردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا [ 16 ] ) A E هذا تفصيل للحكم المتقدم قصد به تهديد قادة للمشركين وتحميلهم تبعة ضلال الذين أصلوهم . وهو تفريع لتبيين أسباب حلول التعذيب بعد بعثة الرسول أدمج فيه تهديد المضلين . فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالفاء على قوله ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ولكنه عطف بالواو للتنبيه على أنه خبر مقصود لذاته باعتبار ما يتضمنه من التحذير من الوقوع في مثل الحالة الموضوفة ويظهر معنى التفريع من طبيعة الكلام فالعطف بالواو هنا تخريج على خلاف مقتضى الظاهر في الفصل والوصل .
فهذه الآية تهديد للمشركين من أهل مكة وتعليم للمسلمين .
والمعنى أن بعثة الرسول تتضمن أمرا بشرع وأن سبب إهلاك المرسل إليهم بعد أن يبعث إليهم الرسول هو عدم امتثالهم لما يأمرهم الله به على لسان ذلك الرسول .
ومعنى إرادة الله إهلاك قرية التعلق التنجيزي لإرادته . وتلك الإرادة تتوجه إلى المراد عند حصول أسبابه وهي المشار إليها بقوله ( أمرنا مترفيها ) إلى آخره .
ومتعلق ( أمرنا ) محذوف أي أمرناهم بما نأمرهم به أي بعثنا إليهم الرسول وأمرناهم بما نأمرهم على لسان رسولهم فعصوا الرسول وفسقوا في قريتهم