والأمر في ( اقرأ ) مستعمل في التسخير ومكنى به عن الإعذار لهم والاحتجاج عليهم كما دل عليه قوله ( كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ولذلك كان معرفة تلك الأعمال من ذلك الكتاب حاصلة للقارئ .
والقراءة : مستعملة في معرفة ما أثبت للإنسان من الأعمال أو في فهم النقوش المخصوصة إن كانت هنالك نقوش وهي خوارق عادات .
والباء في قوله ( بنفسك ) مزيدة للتأكيد داخلة على فاعل ( كفى ) كما تقدم في قوله ( وكفى بالله شهيدا ) في سورة النساء .
وانتصب ( حسيبا ) على التمييز لنسبة الكفاية إلى النفس أي من جهة حسيب . والحسيب : فعيل بمعنى فاعل مثل ضريب القداح بمعنى ضاربها وصريم بمعنى صارم أي الحاسب والضابط . وكثر ورود التمييز بعد ( كفى بكذا ) وعدي ب " على " لتضمينه معنى الشهيد . وما صدق النفس هو الإنسان في قوله ( وكل إنسان ألزمناه طائره ) فلذلك جاء ( حسيبا ) بصيغة التذكير .
( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) هذه الجملة بيان أو بدل اشتمال من جملة ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) مع توابعها . وفيه تبيين اختلاف الطائر بين نافع وضار فطائر الهداية نفع لصاحبه وطائر الضلال ضر لصاحبه . ولكون الجملة كذلك فصلت ولم تعطف على التي قبلها .
وجملة ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) واقعة موقع التعليل لمضمون جملة ( ومن ضل فإنما يضل عليها ) لما في هذه من عموم الحكم فإن عمل أحد لا يلحق نفعه ولا ضره بغيره .
ولما كان مضمون هذه الجملة معنى مهما اعتبر إفادة أنفا للسامع فلذلك عطفت الجملة ولم تفصل . وقد روعي فيها إبطال أوهام قوم يظنون أن أوزارهم يحملها عنهم غيرهم . وقد روي أن الوليد بن المغيرة وهو من أيمة الكفر كان يقول لقريش : اكفروا بمحمد وعلي أوزاركم أي تبعاتكم ومؤاخذتكم بتكذيبه إن كان فيه تبعة . ولعله قال ذلك لما رأى ترددهم في أمر الإسلام وميلهم إلى النظر في أدلة القرآن خشية الجزاء يوم البعث فأراد التمويه عليهم بأنه يتحمل ذنوبهم إن تبين أن محمدا على حق وكان ذلك قد يروج على دهمائهم لأنهم اعتادوا بالحملات والكفالات والرهائن فبين الله للناس إبطال ذلك إنقاذا لهم من الاغترار به الذي يهوي بهم إلى المهالك مع ما في هذا البيان من تعليم أصل عظيم في الدين وهو ( لا تزروا وازرة وزر أخرى ) . فكانت هذه الآية أصلا عظيما في الشريعة وتفرع عنها أحكام كثيرة .
ولما روى ابن عمر عن النبي A " أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " قالت عائشة " Bها " : " يرحم الله أبا عبد الرحمان ما قال رسول الله ذلك والله يقول ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .
A E ولما مر برسول الله جنازة يهودية يبكي عليها أهلها فقال : " إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب " .
والمعنى أن وزر أحد لا يحمله غيره فإذا كان قد تسبب بوزره في إيقاع غيره في الوزر حمل عليه وزر غيره لأنه متسبب فيه وليس ذلك بحمل وزر الغير عليه ولكنه حمل وزر نفسه عليها وهو وزر التسبب في الأوزار . وقد قال تعالى ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ) وكذلك وزر من يسن للناس وزرا لم يكونوا يعملونه من قبل . وفي الصحيح " ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ذلك أنه أول من سن القتل " .
وسكنت الآية عن أن لا ينتفع أحد بصالح عمل غيره اكتفاء إذ لا داعي إلى بيانه لأنه لا يوقع في غرور وتعلم المساواة بطريق لحن الخطاب أو فحواه . وقد جاء في القرآن ما يومي إلى أن المتسبب لأحد في هدي ينال من ثواب المهتدي قال تعالى ( واجعلنا للمتقين إماما ) وفي الحديث : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية وعلم بثه في صدور الرجال وولد صالح يدعو له بخير " .
ومن التخليط توهم أن حمل الدية في قتل الخطأ على العاقلة مناف لهذه الآية فإن ذلك فرع قاعدة أخرى وهي قاعدة التعاون والمواساة وليست من حمل التبعات .
و ( تزر ) تحمل الوزر وهو الثقل . والوازرة : الحاملة وتأنيثها باعتبار أنها نفس لقوله قبله ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها )