وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فالمقصود بعد هذا التمهيد وهاته المقدمة هو الإفضاء إلى قوله ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ) وقد قال تعالى في الآية الأخرى ( ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ) .
والأصل الأصيل الذي تفرع عنه وعن فروعه هذا الانتقال ما ذكر في الآية قبلها من تحريم أهل الجاهلية على أنفسهم كثيرا مما أنعم الله به على الناس .
ونظرهم باليهود إذ حرم الله عليهم أشياء تشديدا عليهم فجاء بهذا الانتقال لإفادة أن كلا الفريقين قد حادوا عن الحنيفية التي يزعمون أنهم متابعوها وأن الحنيفة هي ما جاء به الإسلام من إباحة ما في الأرض جميعا من الطيبات إلا ما بين الله تحريمه في آية ( قل لا أجد في ما أوحي إلى محرما ) الآية .
وقد وصف إبراهيم " عليه السلام " بأنه كان أمة . والأمة : الطائفة العظيمة من الناس التي تجمعها جهة جامعة . وتقدم في قوله تعالى ( كان الناس أمة واحدة ) في سورة البقرة . ووصف إبراهيم " عليه السلام " بذلك وصف بديع لمعنيين : أحدهما : أنه كان في الفضل والفتوة والكمال بمنزلة أمة كاملة . وهذا كقولهم : أنت الرجل كل الرجل وقل البحتري : .
ولم أر أمثال الرجال تفاوتا ... لدى الفضل حتى عد ألف بواحد وعن عمر بن الخطاب " Bه " أن النبي A قال : معاذ أمة قانت لله .
A E والثاني : أنه كان أمة وحده في الدين لأنه لم يكن في وقت بعثته موحد لله غيره . فهو الذي أحيا الله به التوحيد وبثه في الأمم والأقطار وبنى له معلما عظيما وهو الكعبة ودعا الناس إلى حجه لإشاعة ذكره بين الأمم ولم يزل باقيا على العصور . وهذا كقول النبي A في خطر بن مالك الكاهن " وأنه يبعث يوم القيامة أمة وحده " رواه السهيلي في الروض الأنف . ورأيت رواية أن النبي A قال هذه المقالة في زيد بن عمرو بن نفيل .
والقانت : المطيع . وقد تقدم في قوله تعالى ( وقوموا لله قانتين ) في سورة البقرة .
واللام لام التقوية لأن العامل فرع في العمل .
والحنيف : المجانب للباطل . وقد تقدم عند قوله ( قل بل ملة إبراهيم حنيفا ) في سورة البقرة والأسماء الثلاثة أخبار ( كان ) وهي فضائل .
( ولم يك من المشركين ) اعتراض لإبطال مزاعم المشركين أن ما هم عليه هو دين إبراهيم " عليه السلام " . وقد صوروا إبراهيم وإسماعيل " عليهما السلام " يستقسمان بالأزلام ووضعوا الصورة في جوف الكعبة كما جاء في حديث غزوة الفتح فليس قوله ( ولم يك من المشركين ) مسوقا مساق الثناء على إبراهيم ولكنه تنزيه له عما اختلفه عليه المبطلون . فوزانه وزان قوله ( وما صاحبكم بمجنون ) . وهو كالتأكيد لوصف الحنيف بنفي ضده مثل ( وأضل فرعون قومه وما هدى ) .
ونفي كونه من المشركين بحرف ( لم ) لأن ( لم ) تقلب زمن الفعل المضارع إلى المضي فتفيد انتفاء مادة الفعل في الزمن الماضي وتفيد تجدد ذلك المنفي الذي هو من خصائص الفعل المضارع فيحصل معنيان : انتفاء مدلول الفعل بمادته وتجدد الانتفاء بصيغته فيفيد أن إبراهيم " عليه السلام " لم يتلبس بالإشراك قط ؛ فإن إبراهيم " عليه السلام " لم يشرك بالله منذ صار مميزا وأنه لا يتلبس بالإشراك أبدا .
و ( شاكرا لأنعمه ) خبر رابع عن ( كان ) . وهو مدح لإبراهيم " عليه السلام " وتعريض بذريته الذين أشركوا وكفروا نعمة الله مقابل قوله ( فكفرت بأنعم الله ) . وتقدم قريبا الكلام على أنعم الله .
وجملة ( اجتباه ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن الثناء المتقدم يثير سؤال سائل عن سبب فوز إبراهيم بهذه المحامد فيجاب بان الله اجتباه كقوله تعالى ( الله أعلم حيث يجعل رسالاته ) .
والاجتباء : الاختيار وهو افتعال من جبى إذا جمع . وتقدم في قوله تعالى ( واجتبياهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ) في سورة الأنعام .
والهداية إلى الصراط المستقيم : الهداية إلى التوحيد ودين الحنيفية .
وضمير ( آتيناه ) التفات من الغيبة إلى التكلم تفننا في الأسلوب لتوالي ثلاثة ضمائر غيبة .
والحسنة في الدنيا : كل ما فيه راحة العيش من اطمئنان القلب بالدين والصحة والسلامة وطول العمر وسعة الرزق الكافي وحسن الذكر بين الناس . وقد تقدم في قوله ( ومنهم من يقول ربنا آتتنا في الدنيا حسنة )