وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وإنما شرعت الاستعاذة عند ابتداء القراءة إيذانا بنفاسة القرآن ونزاهته إذ هو نازل من العالم القدسي الملكي فجعل افتتاح قراءته بالتجرد عن النقائص النفسانية التي هي من عمل الشيطان ولا استطاعة للعبد أن يدفع تلك النقائض عن نفسه إلا بأن يسأل الله أن يبعد الشيطان عنه بأن يعوذ بالله لأن جانب الله قدسي لا تسلك الشياطين إلى من يأوي إليه فأرشد الله رسوله إلى سؤال ذلك وضمن له أن يعيذه منه وأن يعيذ أمته عوذا مناسبا كما شرعت التسمية في الأمور ذوات البال وكما شرعت الطهارة للصلاة .
وإنما لم تشرع لذلك كلمة ( باسم الله ) لأن المقام مقام تخل عن النقائض لا مقام استجلاب التيمن والبركة لأن القرآن نفسه يمن وبركة وكمال تام فالتيمن حاصل وإنما يخشى الشيطان أن يغشى بركاته فيدخل فيها ما ينقصها فإن قراءة القرآن عبارة مشتملة على النطق بألفاظه والتفهم لمعانيه و كلاهما معرض لوسوسة الشيطان وسوسة تتعلق بألفاظه مثل الإنساء لأن الإنساء يضيع على القارئ ما يحتوي عليه المقدار المنسي من إرشاد ووسوسة تتعلق بمعانيه مثل أن يخطئ فهما أو يقلب عليه مرادا وذلك أشد من وسوسة الإنساء . وهذا المعنى يلائم محمل الأمر بالاستعاذة عند الشروع في القراءة .
فأما الذين حملوا تعلق الأمر بالاستعاذة أنها بعد الفراغ من القراءة فقالوا لأن القارئ كان في عبادة فربما دخله عجب أو رياء وهما من الشيطان فأمر بالتعوذ منه للسلامة من تسويله ذلك .
ومحمل الأمر في هذه الآية عند الجمهور على الندب لانتفاء أمارات الإيجاب فإنه لم يثبت أن النبي A بينه . فمن العلماء من ندبه مطلقا في الصلاة وغيرها عند كل قراءة . وجعل بعضهم جميع قراءة الصلاة قراءة واحدة تكفي استعاذة واحدة في أولها وهو قول جمهور هولاء . ومنهم من جعل قراءة كل ركعة قراءة مستقلة .
ومن العلماء من جعله مندوبا للقراءة في غير الصلاة وهو قول مالك وكرهها في قراءة صلاة الفريضة وأباحها بلا ندب في قراءة صلاة النافلة .
ولعله رأى أن في الصلاة كفاية في الحفظ من الشيطان .
وقيل : الأمر للوجوب فقيل في قراءة الصلاة خاصة ونسب إلى عطاء . وقد أطلق القرآن على قرآن الصلاة في قوله تعالى ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) .
وقال : الثوري بالوجوب في قراءة الصلاة وغيرها . وعن ابن سيرين تجب الاستعاذة عند القراءة مرة في العمر وقال قوم : الوجوب خاص بالنبي A والندب لبقية أمته .
ومدارك هذه الأقوال ترجع إلى تأويل الفعل في قوله تعالى ( قرأت ) وتأويل الأمر في قوله تعالى ( فاستعذ ) وتأويل القرآن مع ما حف بذلك من السنة فعلا وتركا .
وعلى الأقوال كلها فالاستعاذة مشروعة للشروع في القراءة أو لإرادته وليست مشروعة عند كل تلفظ بألفاظ القرآن كالنطق بآية أو آيات من القرآن في التعليم أو الموعظة أو شبههما خلافا لما يفعله بعض المتحذقين إذا ساق آية من القرآن في غير مقام القراءة أن يقول كقوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسوق آية .
وجملة ( إنه ليس له سلطان ) الآية تعليل للأمر بالاستعاذة من الشيطان عند إرادة قراءة القرآن وبيان لصفة الاستعاذة .
فأما كونها تعليلا فلزيادة الحث على الامتثال للأمر بأن الاستعاذة تمنع تسلط الشيطان على المستعيذ لأن الله منعه من التسلط على الذين آمنوا المتوكلين والاستعاذة منه شعبة من شعب التوكل على الله لأن اللجأ إليه توكل عليه . وفي الإعلام بالعلة تنشيط للمأمور بالفعل على الامتثال إذ يصير عالما بالحكمة وأما كونها بيانا فلما تضمنته من ذكر التوكل على الله ليبين أن الاستعاذة إعراب عن التوكل على الله تعالى لدفع الشيطان ليعقد المستعيذ نيته على ذلك . وليست الاستعاذة مجرد قول بدون استحضار نية العوذ بالله .
فجملة ( وعلى ربهم يتوكلون ) صفة ثانية للموصول . وقدم المجرور على الفعل للقصر أي لا يتوكلون إلا على ربهم . وجعل فعلها مضارعا لإفادة تجدد التوكل واستمراره . فنفي سلطان الشيطان مشروط بالأمرين : الإيمان والتوكل . ومن هذا تفسير لقوله تعالى في الآية الأخرى ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) .
والسلطان : مصدر بوزن الغفران وهو التسلط والتصرف المكين