وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

استئناف للتصريح بوعد المؤمنين المعرض به في قوله ( إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك ) الآية وبتسلية النبي A على ما يلاقيه من الكفار من أذى وتهديد إذ أعلن الله للنبي والمؤمنين بالأمن من مخافة أعدائهم ومن الحزن من جراء ذلك ولمح لهم بعاقبة النصر ووعدهم البشرى في الآخرة وعدا لا يقبل التغيير ولا التخلف تطمينا لنفوسهم كما أشعر به قوله عقبه ( لا تبديل لكلمات الله ) .
وافتتاح الكلام بأداة التنبيه إيماء إلى أهمية شأنه كما تقدم في قوله ( ألا إنهم هم المفسدون ) في سورة البقرة ولذلك أكدت الجملة ب ( إن ) بعد أداة التنبيه .
وفي التعبير ب ( أولياء الله ) دون أن يؤتى بضمير الخطاب كما هو مقتضى وقوعه عقب قوله ( وما تعملون من عمل ) يؤذن بأن المخاطبين قد حق لهم أنهم من أولياء الله مع إفادة حكم عام شملهم ويشمل من يأتي على طريقتهم .
وجملة ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) خبر ( إن ) .
والخوف : توقع حصول المكروه للمتوقع فيتعدى بنفسه إلى الشيء المتوقع حصوله . فيقال : خاف الشيء قال تعالى ( فلا تخافوهم وخافون ) . وإذا كان توقع حصول المكروه لغير المتوقع يقال للمتوقع : خاف عليه كقوله تعالى ( إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) .
وقد اقتضى نظم الكلام نفي جنس الخوف لأن ( لا ) إذا دخلت على النكرة دلت على نفي الجنس وأنها إذا بني الاسم بعدها على الفتح كان نفي الجنس نصا وإذا لم يبن الاسم على الفتح كان نفي الجنس ظاهرا مع احتمال أن يراد نفي واحد من ذلك الجنس إذا كان المقام صالحا لهذا الاحتمال وذلك في الأجناس التي لها أفراد من الذوات مثل رجل فأما أجناس المعاني فلا يتطرق إليها ذلك الاحتمال فيستوي فيها رفع اسم ( لا ) وبناؤه على الفتح كما في قول إحدى نساء حديث أم زرع " زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة " فقد رويت هذه الأسماء بالرفع وبالبناء على الفتح .
فمعنى ( لا خوف عليهم ) أنهم بحيث لا يخاف عليهم خائف أي هم بمأمن من أن يصيبهم مكروه يخاف من إصابة مثله فهم وإن كانوا قد يهجس في نفوسهم الخوف من الأعداء هجسا من جبلة تأثر النفوس عند مشاهدة بوادر المخافة فغيرهم ممن يعلم حالهم لا يخاف عليهم لأنه ينظر إلى الأحوال بنظر اليقين سليما من التأثر بالمظاهر فحالهم حال من لا ينبغي أن يخاف ولذلك لا يخاف عليهم أولياؤهم لأنهم يأمنون عليهم من عاقبة ما يتوجسون منه خيفة فالخوف الذي هو مصدر في الآية يقدر مضافا إلى فاعله وهو غيرهم لا محالة أي لا خوف يخافه خائف عليهم وهم أنفسهم إذا اعتراهم الخوف لا يلبث أن ينقشع عنهم وتحل السكينة محله كما قال تعالى ( وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) وقال لموسى ( لا تخاف دركا ولا تخشى ) وقال ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) . وكان النبي A يوم بدر يدعو الله بالنصر ويكثر من الدعاء ويقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد في الأرض . ثم خرج وهو يقول " سيهزم الجمع ويولون الدبر " .
ولهذا المعنى الذي أشارت إليه الآية تغير الأسلوب في قوله ( ولا هم يحزنون ) فأسند فيه الحزن المنفي إلى ضمير ( أولياء الله ) مع الابتداء به وإيراد الفعل بعده مسندا مفيدا تقوي الحكم لأن الحزن هو انكسار النفس من اثر حصول المكروه عندها فهو لا توجد حقيقته إلا بعد حصوله والخوف يكون قبل حصوله ثم هم وإن كانوا يحزنون لما يصيبهم من أمور في الدنيا كقول النبي A " وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون " فذلك حزن وجداني لا يستقر بل يزول بالصبر ولكنهم لا يلحقهم الحزن الدائم وهو حزن المذلة وغلبة العدو عليهم وزوال دينهم وسلطانهم ولذلك جيء في جانب نفي الحزن عنهم بإدخال حرف النفي على تركيب مفيد لتقوي الحكم بقوله ( ولا هم يحزنون ) لأن جملة ( هم يحزنون ) يفيد تقديم المسند إليه فيها تقوي الحكم الحاصل بالخبر الفعلي فالمعنى لا يحصل لهم خوف متمكن ثابت يبقى فيهم ولا يجدون تخلصا منه .
A E