وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فإنه لما شبه الشيب بالنسر والشعر الأسود بالغراب صح تشبيه حلول الشيب في محلي السواد وهما الفودان بتعشيش الطائر في موضع طائر آخر ؛ أم لم يحسن إلا مع المجاز الأول كقول بعض فتاك العرب في أمه " أنشده في الكشاف ولم أقف على تعيين قائله " : .
وما أم الردين وإن أدلت ... بعالمه بأخلاق الكرام .
إذا الشيطان قصع في قفاها ... تنفقناه بالحبل التؤام فإنه لما استعار قصع لدخول الشيطان أي وسوسته وهي استعارة حسنة لأنه شبه الشيطان بضب يدخل للوسوسة ودخوله من مدخله المتعارف له وهو القاصعاء . وجعل علاجهم وإزالة وسوسته كالتنفق أي تطلب خروج الضب من نافقائه بعد أن يسد عليه القاصعاء ولا تحسن هذه الثانية إلا تبعا للأولى . والآية ليست من هذا القبيل . وقوله ( وما كانوا مهتدين ) قد علم من قوله ( اشتروا الضلالة بالهدى ) إلى ( وما كانوا مهتدين ) فتعين أن الاهتداء المنفي هو الاهتداء بالمعنى الأصلي في اللغة وهو معرفة الطريق الموصل للمقصود وليس هو بالمعنى الشرعي المتقدم في قوله ( اشتروا الضلالة بالهدى ) فلا تكرير في المعنى فلا يرد أنهم لما أخبر عنهم بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى كان من المعلوم أنه لم يبق فيهم هدى .
ومعنى نفي الاهتداء كناية عن إضاعة القصد أي أنهم أضاعوا ما سعوا له ولم يعرفوا ما يوصل لخير الآخر ولا ما يضر المسلمين . وهذا نداء عليهم بسفه الرأي والخرق وهو كما علمت فيما تقدم يجري مجرى العلة لعدم ربح التجارة فشبه سوء تصرفهم حتى في كفرهم بسوء تصرف من يريد الربح فيقع في الخسران . فقوله ( وما كانوا مهتدين ) تمثيلية ويصح أن يؤخذ منها كناية عن الخسران وإضاعة كل شيء لأن من لم يكن مهتديا أضاع الربح وأضاع رأس المال بسوء سلوكه .
A E ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) أعقبت تفاصيل صفاتهم بتصوير مجموعها في صورة واحدة بتشبيه حالهم بهيئة محسوسة وهذه طريقة تشبيه التمثيل إلحاقا لتلك الأحوال المعقولة بالأشياء المحسوسة لأن النفس إلى المحسوس أميل .
وإتماما للبيان بجمع المتفرقات في السمع المطالة في اللفظ في صورة واحدة لأن للإجمال بعد التفصيل وقعا من نفوس السامعين .
وتقرير الجمع ما تقدم في الذهن بصورة تخالف ما صور سالفا لأن تجدد الصورة عند النفس أحب من تكررها . قال في الكشاف : " ولضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق حتى تريك المتخيل في صورة المحقق والمتوهم في معرض المتيقن والغائب كالمشاهد " .
واستدلالا على ما يتضمنه مجموع تلك الصفات من سوء الحالة وخيبة السعي وفساد العاقبة فمن فوائد التشبيه قصد تفظيع المشبه .
وتقريبا لما في أحوالهم في الدين من التضاد والتخالف بين ظاهر جميل وباطن قبيح بصفة حال عجيبة من أحوال العالم فإن من فائدة التشبيه إظهار إمكان المشبه وتنظير غرائبه بمثلها في المشبه به . قال في الكشاف " ولأمر ما أكثر الله تعالى في كتابه المبين أمثاله وفشت في كلام رسوله A وكلام الأنبياء والحكماء قال تعالى ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) اه .
والتمثيل منزع جليل بديع من منازع البلغاء لا يبلغ إلى محاسنه غير خاصتهم .
وهو هنا من قبيل التشبيه لا من الاستعارة لأن فيه ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه وهي لفظ مثل .
فجملة ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) واقعة من الجمل الماضية موقع البيان والتقرير والفذلكة فكان بينها وبين ما قبلها كمال الاتصال فلذلك فصلت ولم تعطف والحالة التي وقع تمثيلها سيجيء بيانها في آخر تفسير الآية .
وأصل المثل بفتحتين هو النظير والمشابه ويقال أيضا مثل بكسر الميم وسكون الثاء ويقال مثيل كما يقال شبه وشبه وشبيه وبدل وبدل وبديل ولا رابع لهذه الكلمات في مجيء فعل وفعل وفعيل بمعنى واحد .
وقد اختص لفظ المثل " بفتحتين " بإطلاقه على الحال الغريبة الشأن لأنها بحيث تمثل للناس وتوضح وتشبه سواء شبهت كما هنا أم لم تشبه كما في قوله تعالى ( مثل الجنة )