وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقد وجه صاحب الكشاف العدول عن التأكيد في قولهم آمنا والتأكيد في قولهم : إنا معكم بأن مخاطبتهم المؤمنين انتفى عنها ما يقتضي تأكيد الخبر لأن المخبرين لم يتعلق غرضهم بأكثر من ادعاء حدوث إيمانهم لأن نفوسهم لا تساعدهم على أن يتلفظوا بأقوى من ذلك ولأنهم علموا أن ذلك لا يروج على المسلمين أي فاقتصروا على اللازم من الكلام فإن عدم التأكيد في الكلام قد يكون لعدم اعتناء المتكلم بتحقيقه ولعلمه أن تأكيده عبث لعدم رواجه عند السامع وهذه نكتة غريبة مرجعها قطع النظر عن إنكار السامع والإعراض عن الاهتمام بالخبر . وأما مخاطبتهم شياطينهم فإنما أتوا بالخبر فيها مؤكدا لإفادة اهتمامهم بذلك الخبر وصدق رغبتهم في النطق به ولعلمهم أن ذلك رائج عند المخاطبين فإن التأكيد قد يكون لاعتناء المتكلم بالخبر ورواجه عند السامع أي فهو تأكيد للاهتمام لا لرد الإنكار .
A E وقولهم : إنما نحن مستهزئون قصروا أنفسهم على الاستهزاء قصرا إضافيا للقلب أي مؤمنون مخلصون وجملة ( إنما نحن مستهزئون ) تقرير لقوله ( إنا معكم ) لأنهم إذا كانوا معهم كان ما أظهروه من مفارقة دينهم استهزاء أو نحوه فأما أن تكون الجملة الثانية استئنافا واقعة في جواب سؤال مقدر كأن سائلا يعجب من دعوى بقائهم على دينهم لما أتقنوه من مظاهر النفاق في معاملة المسلمين وينكر أن يكونوا باقين على دينهم ويسأل كيف أمكن الجمع بين البقاء على الدين وإظهار المودة للمؤمنين فأجابوا : إنما نحن مستهزئون وبه يتضح وجه الإتيان بأداة القصر لأن المنكر السائل يعتقد كذبهم في قولهم : إنا معكم ويدعي عكس ذلك وإما أن تكون الجملة بدلا من " إنا معكم " بدل اشتمال لأن من دام على الكفر وتغالي فيه " وهو مقتضي " معكم " أي في تصلبكم " فقد حقر الإسلام وأهله واستخف بهم والوجه الأول أولى الوجوه لأنه يجمع ما تفيده البدلية والتأكيد من تقرير مضمون الجملة الأولى مع ما فيه من الإشارة إلى رد التحير الذي ينشأ عنه السؤال وهذا يفوت على تقديري التأكيد والبدلية . والاستهزاء : السخرية يقال هزأ به واستهزأ به فالسين والتاء للتأكيد مثل استجاب أي عامله فعلا أو قولا يحصل به احتقاره أو والتطرية به سواء أشعره بذلك أم أخفاه عنه . والباء فيه للسببية قيل لا يتعدى بغير الباء وقيل يتعدى بمن وهو مرادف سخر في المعنى دون المادة كما سيأتي في سورة الأنعام . وقرأ أبو جعفر ( مستهزون ) بدون همزة وبضم الزاي تخفيفا وهو لغة فصيحة في المهموز .
( الله يستهزئ بهم ) لم تعطف هاته الجملة على ما قبلها لأنها جملة مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا لسؤال مقدر وذلك أن السامع لحكاية قولهم للمؤمنين آمنا وقولهم لشياطينهم : إنا معكم الخ . يقول لقد راجت حيلتهم على المسلمين الغافلين عن كيدهم وهل يتفطن متفطن في المسلمين لأحوالهم فيجازيهم على استهزائهم أو هل يرد لهم ما راموا من المسلمين ومن الذي يتولى مقابلة صنعهم فكان للاستئناف بقوله ( الله يستهزئ بهم ) غاية الفخامة والجزالة . وهو أيضا واقع موقع الاعتراض والأكثر في الاعتراض ترك العاطف . وذكر ( يستهزئ ) دليل على أن مضمون الجملة مجازاة على استهزائهم . ولأجل اعتبار الاستئناف قدم اسم الله تعالى على الخبر الفعلي . ولم يقل يستهزئ الله بهم لأن مما يجول في خاطر السائل أن يقول : من الذي يتولى مقابلة سوء صنيعهم فأعلم أن الذي يتولى ذلك هو رب العزة تعالى . وفي ذلك تنويه بشأن المنتصر لهم وهم المؤمنون كما قال تعالى ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) فتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي هنا لإفادة تقوى الحكم لا محالة ثم يفيد مع ذلك قصر المسند على المسند إليه فإنه لما كان تقديم المسند إليه على المسند الفعلي في سياق الإيجاب يأتي لتقوى الحكم ويأتي للقصر على رأي الشيخ عبد القاهر وصاحب الكشاف كما صرح به في قوله تعالى ( والله يقدر الليل والنهار ) في سورة المزمل كان الجمع بين قصد التقوى وقصد التخصيص جائزا في مقاصد الكلام البليغ وقد جوزه في الكشاف عند قوله تعالى ( فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) في سورة الجن لأن ما يراعيه البليغ من الخصوصيات لا يترك حمل الكلام البليغ عليه فكيف بأبلغ كلام ولذلك يقال النكت لا تتزاحم