وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

والفساد أصله استحالة منفعة الشيء النافع إلى مضرة به أو بغيره وقد يطلق على وجود الشيء مشتملا على مضرة وإن لم يكن فيه نفع من قبل يقال : فسد الشيء بعد أن كان صالحا ويقال : فاسد إذا وجد فاسدا من أول وهلة وكذلك يقال : أفسد إذا عمد إلى شيء صالح فأزال صلاحه ويقال : أفسد إذا أوجد فسادا من أول الأمر . والأظهر أن الفساد موضوع للقدر المشترك من المعنيين وليس من الوضع المشترك فليس إطلاقه عليهما كما هنا من قبيل استعمال المشترك في معنييه . فالإفساد في الأرض منه تصيير الأشياء الصالحة مضرة كالغش في الأطعمة ومنه إزالة الأشياء النافعة كالحرق والقتل للبراء ومنه إفساد الأنظمة كالفتن والجور ومنه إفساد المساعي كتكثير الجهل وتعليم الدعارة وتحسين الكفر ومناوأة الصالحين المصلحين ولعل المنافقين قد أخذوا من ضروب الإفساد بالجميع فلذلك حذف متعلق ( تفسدوا ) تأكيدا للعموم المستفاد من وقوع الفعل في حيز النفي .
وذكر المحل الذي أفسدوا ما يحتوي عليه وهو الأرض لتفظيع فسادهم بأنه مبثوث في هذه الأرض لأن وقوعه في رقعة منها تشويه لمجموعها . والمراد بالأرض هذه الكرة الأرضية بما تحتوي عليه من الأشياء القابلة للإفساد من الناس والحيوان والنبات وسائر الأنظمة والنواميس التي وضعها الله تعالى لها ونظيره قوله تعالى ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) .
A E وقوله تعالى ( قالوا إنما نحن مصلحون ) جواب بالنقض فإن الإصلاح ضد الإفساد أي جعل الشيء صالحا والصلاح ضد الفساد يقال : صلح بعد أن كان فاسدا ويقال : صلح بمعنى وجد من أول وهلة صالحا فهو موضوع للقدر المشترك كما قلنا . وجاءوا بإنما المفيدة للقصر باتفاق أئمة العربية والتفسير ولا اعتداد بمخالفه شذوذا في ذلك . وأفاد إنما هنا قصر الموصوف على الصفة ردا على قول من قال لهم : لا تفسدوا لأن القائل أثبت لهم وصف الفساد إما باعتقاد أنهم ليسوا من الصلاح في شيء أو باعتقاد أنهم قد خلطوا عملا صالحا وفاسدا فردوا عليهم بقصر القلب وليس هو قصرا حقيقيا لأن قصر الموصوف على الصفة لا يكون حقيقيا ولأن حرف إنما يختص بقصر القلب كما في دلائل الإعجاز واختير في كلامهم حرف " إنما " لأنه يخاطب به مخاطب مصر على الخطأ كما في دلائل الإعجاز وجعلت جملة القصر اسمية لتفيد أنهم جعلوا اتصافهم بالإصلاح أمرا ثابتا دائما إذ من خصوصيات الجملة الاسمية إفادة الدوام .
( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون [ 12 ] ) رد عليهم في غرورهم وحصرهم أنفسهم في الصلاح فرد عليهم بطريق من طرق القصر هو أبلغ فيه من الطريق الذي قالوه لأن تعريف المسند يفيد قصر المسند على المسند إليه فيفيد قوله ( ألا إنهم هم المفسدون ) قصر الإفساد عليهم بحيث لا يوجد في غيرهم وذلك ينفي حصرهم أنفسهم في الإصلاح وينقضه وهو جار على قانون النقض وعلى أسلوب القصر الحاصل بتعريف الجنس وإن كان الرد قد يكفي فيه أن يقال إنهم مفسدون بدون صيغة قصر إلا أنه قصر ليفيد ادعاء نفي الإفساد عن غيرهم . وقد يفيد ذلك أن المنافقين ليسوا ممن ينتظم في عداد المصلحين لأن شأن المفسد عرفا أن لا يكون مصلحا إذ الإفساد هين الحصول وإنما يصد عنه الوازع فإذا خلع المرء عنه الوازع وأخذ في الإفساد هان عليه الإفساد ثم تكرر حتى يصبح سجية ودأبا لا يكاد يفارق موصوفه .
وحرف ( ألا ) للتنبيه إعلانا لوصفهم بالإفساد .
وقد أكد قصر الفساد عليهم بضمير الفصل أيضا - كما أكد به القصر في قوله ( وأولئك هم المفلحون ) كما تقدم قريبا ودخول ( إن ) على الجملة وقرنها بألا المفيدة للتنبيه وذلك من الاهتمام بالخبر وتقويته دلالة على سخط الله تعالى عليهم فإن أدوات الاستفتاح مثل ألا وأما لما كان شأنها أن ينبه بها السامعون دلت على الاهتمام بالخبر وإشاعته وإعلانه فلا جرم أن تدل على أبلغية ما تضمنه الخبر من مدح أو ذم أو غيرهما ويدل ذلك أيضا على كمال ظهور مضمون الجملة للعيان لأن أدوات التنبيه شاركت أسماء الإشارة في تنبيه المخاطب