وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فالمعنى : أن صلحاء القوم كانوا فريقين فريق منهم أيس من نجاح الموعظة وتحقق حلول الوعيد بالقوم لتوغلهم في المعاصي وفريق لم ينقطع رجاؤهم من حصول أثر الموعظة بزيادة التكرار فأنكر الفريق الأول على الفريق الثاني استمرارهم على كلفة الموعظة واعتذر الفريق الثاني بقولهم ( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) فالفريق الأول أخذوا بالطرف الراجح الموجب للظن والفريق الثاني أخذوا بالطرف المرجوح جمعا بينه وبين الراجح لقصد الاحتياط ليكون لهم عذرا عند الله أن سألهم لماذا أقلعتم عن الموعظة ولما عسى أن يحصل من تقوى الموعوظين بزيادة الموعظة . فاستعمال حرف الرجاء في موقعه لأن الرجاء يقال على جنسه بالتشكيك فمنه قوي ومنه ضعيف .
وضمير ( نسوا ) عائد إلى ( قوما ) والنسيان مستعمل في الإعراض المفضي إلى النسيان كما تقدم عند قوله تعالى ( فلما نسوا ما ذكروا به ) في سورة الأنعام .
و ( الذين ينهون عن السوء ) هم الفريقان المذكوران في قوله آنفا ( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما إلى قوله ولعلهم يتقون ) و ( الذين ظلموا ) هم القوم المذكورون في قوله ( قوما الله مهلكهم ) إلخ .
والظلم هنا بمعنى العصيان وهو ظلم النفس وظلم حق الله تعالى في عدم الامتثال لأمره .
و ( بيس ) قرأه نافع وأبو جعفر بكسر الباء الموحدة مشبعة بياء تحتية ساكنة وبتنوين السين على أن اصله بئس بسكون الهمزة فخففت الهمزة ياء مثل قولهم ذيب في ذئب .
وقرأه ابن عامر ( بئس ) بالهمزة الساكنة وإبقاء التنوين على أن أصله بئيس .
وقرأه الجمهور بئيس بفتح الموحدة وهمزة مكسورة بعدها تحتية ساكنة وتنوين السين على أنه مثال مبالغة من فعل بؤس بفتح الموحدة وضم الهمزة إذا أصابه البؤس وهو الشدة من الضر . أو على انه مصدر مثل عذير ونكير .
وقرأه أبو بكر عن عاصم ( بيئس ) بوزن صقيل على أنه اسم للموصوف بفعل البؤس مبالغة والمعنى على جميع القراءات : أنه عذاب شديد الضر .
وقوله ( بما كانوا يفسقون ) تقدم القول في نظيره قريبا .
وقد أجمل هذا العذاب هنا فقيل هو عذاب غير المسخ المذكور بعده وهو عذاب أصيب به الذين نسوا ما ذكروا به فيكون المسخ عذابا ثانيا أصيب به فريق شاهدوا العذاب الذي حل بإخوانهم وهو عذاب أشد وقع بعد العذاب البيس أي أن الله اعذر إليهم فابتدأهم بعذاب الشدة فلما لم ينتهوا وعتوا سلط عليهم عذاب المسخ .
وقيل العذاب البئس هو المسخ فيكون قوله ( فلما عتوا عما نهوا عنه ) بيانا لإجمال العذاب البئس ويكون قوله ( فلما عتوا ) بمنزلة التأكيد لقوله ( فلما نسوا ) صيغ بهذا الأسلوب لتهويل النسيان والعتو ويكون المعنى : أن النسيان وهو الإعراض وقع مقارنا للعتو .
و ( ما ذكروا به ) و ( ما نهوا عنه ) ما صدقهما شيء واحد فكان مقتضى الظاهر أن يقال : فلما نسوا وعتوا عما نهوا عنه وذكروا به قلنا لهم الخ فعدل عن مقتضى الظاهر إلى هذا الأسلوب من الإطناب لتهويل أمر العذاب وتكثير أشكاله ومقام التهويل من مقتضيات الإطناب وهذا كإعادة التشبيه في قول لبيد : .
فننازعا سبطا يطير ظلاله ... كدخان مشعلة يشب ضرامها .
مشمولة غلثت بنابت عرفج ... كدخان نار ساطع أسنامها ولكن أسلوب الآية أبلغ وأوفر فائدة وأبعد عن التكرير اللفظي فما في بيت لبيد كلام بليغ وما في الآية كلام معجز .
( والعتو ) تقدم عند قوله تعالى ( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم ) في هذه السورة .
وقوله ( قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) تقدم القول في نظيره عند قوله تعالى ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) في سورة البقرة ولأجل التشابه بين الآيتين وذكر العدو في السبت فيهما وذكره هنا في الأخبار عن القرية جزم المفسرون بأن الذين نسوا ما ذكروا به وعتوا عما نهوا عنه هم أهل هذه القرية وبان الأمة القائلة ( لم تعظون قوما ) هي أمة من هذه القرية فجزموا بأن القصة واحدة وهذا وإن كان لا ينبو عنه المقام كما أنه لا يمنع تشابه فريقين في العذاب فقد بينت أن ذلك لا ينافي جعل القصة في معنى قصتين من جهة الاعتبار