وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وقوله ( وما يشعرون ) عطف على جملة ( وما يخادعون ) والشعور يطلق على العلم بالأشياء الخفية ومنه سمى الشاعر لعلمه بالمعاني التي لا يهتدي إليها كل أحد وقدرته على الوزن والتقفية بسهولة ولا يحسن لذلك كل أحد وقولهم ليت شعري في التحير في علم أمر خفي ولولا الخفاء لما تمنى علمه بل لعلمه بلا تمن فقولهم هو لا يشعر وصف بعدم الفطنة لا بعدم الإحساس وهو أبلغ في الذم لأن الذم بالوصف الممكن الحصول أنكى من الذم بما يتحقق عدمه فإن أجسامهم أمر معلوم لهم وللناس فلا يغيضهم أن يوصفوا بعدمه وإنما يغيضهم أن يوصفوا بالبلادة . على أن خفاء مخادعتهم أنفسهم مما لا يمتري فيه . واختير مثله في نظيره في الخفاء وهو ( ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) لأن كليهما أثبت فيه ما هو المآل والغاية وهي مما يخفي واختير في قوله ( ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) نفى العلم دون نفي الشعور لأن السفه قد يبدو لصاحبه بأقل التفاتة إلى أحواله وتصرفاته لأن السفه أقرب لادعاء الظهور من مخادعة النفس عند إرادة مخادعة الغير ومن حصول الإفساد عند إرادة الإصلاح وعلى الإطلاق الثاني درج صاحب الكشاف قال : فهم لتمادي غفلتهم كالذي لا حس له .
( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [ 10 ] ) A E استئناف محض لعد مساويهم ويجوز أن يكون بيانيا لجواب سؤال متعجب ناشئ عن سماع الأحوال التي وصفوا بها قبل في قوله تعالى ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) فإن من يسمع أن طائفة تخادع الله تعالى وتخادع قوما عديدين وتطمع أن خداعها يتمشى عليهم ثم لا تشعر بأن ضرر الخداع لا حق بها لطائفة جديرة بأن يتعجب من أمرها المتعجب ويتساءل كيف خطر هذا بخواطرها فكان قوله ( في قلوبهم مرض ) بيانا وهو أن في قلوبهم خللا تزايد إلى أن بلغ حد الأفن .
ولهذا قدم الظرف وهو في قلوبهم للاهتمام لأن القلوب هي محل الفكرة في الخداع فلما كان المسئول عنه هو متعلقها وأثرها كان هو المهتم به في الجواب . وتنوين ( مرض ) للتعظيم . وأطلق القلوب هنا على محل التفكير كما تقدم عند قوله تعالى ( ختم الله على قلوبهم ) .
والمرض حقيقة في عارض للمزاج يخرجه عن الاعتدال الخاص بنوع ذلك الجسم خروجا غير تام وبمقدار الخروج يشتد الألم فإن تم الخروج فهو الموت . وهو مجاز في الأعراض النفسانية العارضة للأخلاق البشرية عروضا يخرجها عن كمالها وإطلاق المرض على هذا شائع مشهور في كلام العرب وتدبير المزاج لإزالة هذا العارض والرجوع به إلى اعتداله هو الطب الحقيقي ومجازي كذلك قال علقمة بن عبدة الملقب بالفحل : .
فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب فذكر الأدواء والطب لفساد الأخلاق وإصلاحها .
والمراد بالمرض في هاته الآية هو معناه المجازي لا محالة لأنه هو الذي اتصف به المنافقون وهو المقصود من مذمتهم وبيان منشأ مساوي أعمالهم .
ومعنى ( فزادهم الله مرضا ) أن تلك الأخلاق الذميمية الناشئة عن النفاق والملازمة له كانت تتزايد فيهم بتزايد الأيام لأن من شأن الأخلاق إذا تمكنت أن تتزايد بتزايد الأيام حتى تصير ملكات كما قال المعلوط القريعي : .
ورج الفتى للخير ما إن رأيته ... على السن خيرا لا يزال يزيد وكذلك القول في الشر ولذلك قيل : من لم يتحلم في الصغر لا يتحلم في الكبر وقال النابغة يهجو عامر بن الطفيل : .
فإنك سوف تحلم أو تناهى ... إذا ما شبت أو شاب الغراب وإنما كان النفاق موجبا لازدياد ما يقارنه من سيء الأخلاق لأن النفاق يستر الأخلاق الذميمة فتكون محجوبة عن الناصحين والمربين والمرشدين وبذلك تتأصل وتتوالد إلى غير حد فالنفاق في كتمه مساوئ الأخلاق بمنزلة كتم المريض داءه عن الطبيب وإليك بيان ما ينشأ عن النفاق من الأمراض الأخلاقية في الجدول المذكور هنا وأشرنا إلى ما يشير إلى كل خلق منها في الآيات الواردة أو في آيات أخرى