وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

وعطف ( ولا أقول لكم إني ملك ) على ( لا أقول لكم عندي خزائن الله ) بإظهار فعل القول فيه خلافا لقوله ( ولا أعلم الغيب ) لعله لدفع ثقل التقاء حرفين : ( لا ) وحرف ( إن ) الذي اقتضاه مقام التأكيد لأن إدعاء مثله من شأنه أن يؤكد أي لم أدع أني من الملائكة فتقولوا ( لولا أنزل عليه ملك ) فنفي كونه ملكا جواب عن مقترحهم أن ينزل عليهم ملك أو أن يكون معه ملك نذيرا . والمقصود نفي أن يكون الرسول من جنس الملائكة حتى يكون مقارنا لملك آخر مقارنة تلازم كشأن أفراد الجنس الواحد . وكانوا يتوهمون أن الرسالة تقتضي أن يكون الرسول من غير جنس البشر فلذلك قالوا ( ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ) . فالمعنى نفي ماهية الملكية عنه لأن لجنس الملك خصائص أخرى مغايرة لخصائص البشر . وهذا كما يقول القائل لمن يكلفه عنتا : إني لست من حديد .
ومن تلفيق الاستدلال أن يستدل الجبائي بهذه الآية على تأييد قول أصحابه المعتزلة بتفضيل الملائكة على الأنبياء مع بعد ذلك عن مهيع الآية . وقد تابعه الزمخشري وكذلك دأبه كثيرا ما يرغم معاني القرآن على مسايرة مذهبه فتنزو عصبيته وتنزوي عبقريته وهذه مسألة سنتكلم عليها في مظنتها .
وجملة ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأنه لما نفى أن يقول هذه المقالات كان المقام مثيرا سؤال سائل يقول : فماذا تدعى بالرسالة وما هو حاصلها لأن الجهلة يتوهمون أن معنى النبوءة هو تلك الأشياء المتبرأ منها في قوله ( قل لا أقول لكم عندي خزائن ) الخ فيجاب بقوله ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) أي ليست الرسالة إلا التبليغ عن الله تعالى بواسطة الوحي .
فمعنى ( أتبع ) مجاز مرسل في الاقتصار على الشيء وملازمته دون غيره . لأن ذلك من لوازم معنى الاتباع الحقيقي وهو المشي خلف المتبع بفتح الموحدة أي لا أحيد عن تبليغ ما يوحى الي إلى إجابة المقترحات من إظهار الخوارق أو لإضافة الأرزاق أو إخبار بالغيب فالتلقي والتبليغ هو معنى الاتباع وهو كنه الرسالة عن الله تعالى . فالقصر المستفاد هنا إضافي أي دون الاشتغال بإظهار ما تقترحونه من الخوارق للعادة . والغرض من القصر قلب اعتقادهم أن الرسول لا يكون رسولا حتى يأتيهم بالعجائب المسؤولة . وقد حصل بذلك بيان حقيقة الرسالة تلك الحقيقة التي ضل عن إدراكها المعاندون . وهذا معنى قوله تعالى ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ) .
وإذ قد كان القصر إضافيا كان لا محالة ناظرا إلى قلب اعتقادهم بالنسبة لمطالبهم باتباع مقترحاتهم أي لا أتبع في التبليغ إليكم إلا ما يوحى الي . فليس في هذا الكلام ما يقتضي قصر تصرف الرسول عليه ا لصلاة والسلام على العمل بالوحي حتى يحتج بها من ينفي من علمائنا جواز الاجتهاد للنبي A في أمور الدين لأن تلك مسألة مستقلة لها أدلة للجانبين ولا مساس لها بهذا القصر . ومن توهمه فقد أساء التأويل .
( قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون [ 50 ] ) هذا ختام للمجادلة معهم وتذييل للكلام المفتتح بقوله ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ) أي قل لهم هذا التذييل عقب ذلك الاستدلال .
وشبهت حالة من لا يفقه الأدلة ولا يفكك بين المعاني المتشابهة بحالة الأعمى الذي لا يعرف أين يقصد ولا أين يضع قدمه . وشبهت حالة من يميز الحقائق ولا يلتبس عليه بعضها ببعض بحالة القوي البصر حيث لا تختلط عليه الأشباح . وهذا تمثيل لحال المشركين في فساد الوضع لأدلتهم وعقم أقيستهم ولحال المؤمنين الذين اهتدوا ووضعوا الأشياء مواضعها أو تمثيل لحال المشركين التي هم متلبسون بها والحال المطلوبة منهم التي نفروا منها ليعلموا أي الحالين أولى بالتخلق .
وقوله ( أفلا تتفكرون ) استفهام إنكار . وهو معطوف بالفاء على الاستفهام الأول لأنه مترتب عليه لأن عدم استواء الأعمى والبصير بديهي لا يسعهم إلا الاعتراف بعدم استوائهما فلا جرم أن يتفرع عليه إنكار عدم تفكرهم في أنهم بأيهما أشبه . والكلام على الأمر بالقول مثل ما تقدم عند قوله تعالى ( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ) .
والتفكر : جولان العقل في طريق استفادة علم صحيح .
A E