وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

لا أحسب هذه الآية إلا تبيينا لقوله في صدر السورة ( غير محلى الصيد وأنتم حرم ) وتخلصا لحكم قتل الصيد في حالة الإحرام وتمهيدا لقوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) جرت إلى هذا التخلص مناسبة ذكر المحرمات من الخمر والميسر وما عطف عليهما ؛ فخاطب الله المؤمنين بتنبيههم إلى حالة قد يسبق فيها حرصهم حذرهم وشهوتهم تقواهم . وهي حالة ابتلاء وتمحيص يظهر بها في الوجود اختلاف تمسكهم بوصايا الله تعالى وهي حالة لم تقع وقت نزول هذه الآية لأن قوله ( ليبلونكم ) ظاهر في الاستقبال لأن نون التوكيد لا تدخل على المضارع في جواب القسم إلا وهو بمعنى المستقبل . والظاهر أن حكم إصابة الصيد في حالة الإحرام أو في أرض الحرم لم يكن مقررا بمثل هذا . وقد روي عن مقاتل : أن المسلمين في عمرة الحديبية غشيهم صيد كثير في طريقهم فصار يترامى على رحالهم وخيامهم فمنهم المحل ومنهم المحرم وكانوا يقدرون على أخذه بالأيدي وصيد بعضه بالرماح . ولم يكونوا رأوا الصيد كذلك قط فاختلفت أحوالهم في الإقدام على إمساكه فمنهم من أخذ بيده وطعن برمحه . فنزلت هذه الآية اه . فلعل هذه الآية ألحقت بسورة المائدة إلحاقا لتكون تذكرة لهم في عام حجة الوداع ليحذروا مثل ما حل بهم يوم الحديبية . وكانوا في حجة الوداع أحوج إلى التحذير والبيان لكثرة عدد المسلمين عام حجة الوداع وكثرة من فيهم من الأعراب فذلك يبين معنى قوله ( تناله أيديكم ورماحكم ) لإشعار قوله ( تناله ) بأن ذلك في مكنتهم وبسهولة الأخذ .
والخطاب للمؤمنين وهو مجمل بينه قوله عقبه ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) . قال أبو بكر بن العربي : اختلف العلماء في المخاطب بهذه الآية على قولين : أحدهما أنهم المحلون قاله مالك ؛ الثاني أنهم المحرمون قاله ابن عباس وغيره اه . وقال في القبس : توهم بعض الناس أن المراد بالآية تحريم الصيد في حال الإحرام وهذه عضلة إنما المراد به الابتلاء في حالتي الحل والحرمة اه .
ومرجع هذا الاختلاف النظر في شمول الآية لحكم ما يصطاده الحلال من صيد الحرم وعدم شمولها بحيث لا يحتاج في إثبات حكمه إلى دليل آخر أو يحتاج . قال ابن العربي في الأحكام : " إن قوله ( ليبلونكم ) الذي يقتضي أن التكليف يتحقق في المحل بما شرط له من أمور الصيد وما شرط له من كيفية الاصطياد . والتكليف كله ابتلاء وإن تفاضل في القلة والكثرة وتباين في الضعف والشدة " . يريد أن قوله ( ليبلونكم الله بشيء من الصيد ) لا يراد به الإصابة ببلوى أي مصيبة قتل الصيد المحرم بل يراد ليكلفنكم الله ببعض أحوال الصيد . وهذا ينظر إلى أن قوله تعالى ( وأنتم حرم ) شامل لحالة الإحرام والحلول في الحرم .
وقوله ( ليبلونكم الله بشيء من الصيد ) هو ابتلاء تكليف ونهي كما دل عليه تعلقه بأمر مما يفعل فهو ليس كالابتلاء في قوله ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) وإنما أخبرهم بهذا على وجه التحذير . فالخبر مستعمل في معناه ولازم معناه وهو التحذير . ويتعين أن يكون هذا الخطاب وجه إليهم في حين ترددهم بين إمساك الصيد وأكله وبين مراعاة حرمة الإحرام إذ كانوا محرمين بعمرة في الحديبية وقد ترددوا فيما يفعلون أي أن ما كان عليه الناس من حرمة إصابة الصيد للمحرم معتد به في الإسلام أو غير معتد به . فالابتلاء مستقبل لأنه لا يتحقق معنى الابتلاء إلا من بعد النهي والتحذير . ووجود نون التوكيد يعين المضارع للاستقبال فالمستقبل هو الابتلاء . وأما الصيد ونوال الأيدي والرماح فهو حاضر .
والصيد : المصيد لأن قوله من الصيد وقع بيانا لقوله ( بشيء ) . ويغني عن الكلام فيه وفي لفظ ( بشيء ) ما تقدم من الكلام على نظيره في قوله تعالى ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ) في سورة البقرة .
وتنكير ( شيء ) هنا للتنويع لا للتحقير خلافا للزمخشري ومن تابعه .
A E