" ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون " .
قرئ : حسنا بضم الحاء وسكون السين . وبضمهما وبفتحهما . وإحسانا وكرها بالفتح والضم وهما لغتان في معنى المشقة كالفقر والفقر . وانتصابه على الحال : أي : ذات كره . أو على أنه صفة للمصدر أي : حملا ذا كره " وحمله وفصاله " ومدة حمله وفصاله " ثلاثون شهرا " وهذا دليل على أن أقل الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع إذا كانت حولين لقوله D : " حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " البقرة : 233 ، بقيت للحمل ستة أشهر . وقرئ : وفصله والفصل والفصال : كالفطم والفطام . بناء ومعنى . فإن قلت : المراد بيان مدة الرضاع لا الفطام فكيف عبر عنه بالفصال . قلت : لما كان الرضاع يليه الفصال ويلابسه لأنه ينتهي به ويتم : سمى فصالا كما سمى المدة بالأمد من قال : .
كل حي مستكمل مدة العم ... ر ومود إذا انتهى أمد .
وفيه فائدة وهي الدلالة على الرضاع التام المنتهى بالفصال ووقته . وقرئ : حتى إذا استوى وبلغ أشده وبلوغ الأشد : أن يكتهل ويستوفي السن التي تستحكم فيها قوته وعقله وتمييزه وذلك إذا أناف على الثلاثين وناطح الأربعين . وعن قتادة : ثلاث وثلاثون سنة ووجهه أن يكون ذلك أول الأشد وغايته الأربعين . وقيل : لم يبعث نبي قط إلا بعد أربعين سنة . والمراد بالنعمة التي استوزع الشكر عليها : نعمة التوحيد والإسلام وجمع بين شكري النعمة عليه وعلى والديه لأن النعمة عليهما نعمة عليه . وقيل في العمل المرضي : هو الصلوات الخمس . فإن قلت : ما معنى في في قوله : " وأصلح لي في ذريتي " . قلت : معناه : أن يجعل ذريته موقعا للصلاح ومظنة له كأنه قال : هب لي الصلاح في ذريتي وأوقعه فيهم ونحوه : .
يجرح في عراقيبها نصلي .
" من المسلمين " من المخلصين . وقرئ : يتقبل ويتجاوز بفتح الياء والضمير فيهما لله D . وقرئا بالنون . فإن قلت : ما معنى قوله : " في أصحاب الجنة " . قلت : هو نحو قولك : كرمني الأمير في ناس من أصحابه تريد : كرمني في جملة من أكرم . منهم ونظمني في عدادهم ومحله النصب على الحال على معنى : كائنين في أصحاب الجنة ومعدودين فيهم " وعد صدق " مصدر مؤكد لأن قوله : يتقبل ويتجاوز : وعد من الله لهم بالتقبل والتجاوز . وقيل : نزلت في أبي بكر Bه وفى أبيه أبي قحافة وأمه أم الخير وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم . وقيل : لم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين منهم والأنصار أسلم هو وولداه وبنوه وبناته غير أبي بكبر Bه .
" والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين " .
" والذي قال لوالديه " مبتدأ خبره : أولئك الذين حق عليهم القول . والمراد بالذي قال : الجنس القائل ذلك القول ولذلك وقع الخبر مجموعا . وعن الحسن : هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث . وعن قتادة : هو نعت عبد سوء عاق لوالديه فاجر لربه . وقيل : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه وقد دعاه أبوه أبو بكر وأف أم رومان إلى الإسلام فأفف بهما وقال : ابعثوا لي جدعان بن عمرو وعثمان بن عمرو وهما من أجداده حتى أسألهما عما يقول محمد ويشهد لبطلانه أن المراد بالذي قال : جنس القائلين ذلك وأن قوله الذين حق عليهم القول : هم أصحاب النار وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين وسرواتهم . وعن عائشة Bها إنكار نزولي فيه وحين كتب معاوية إلى مروان بأن يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن :