ما سمعت رسول الله A يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزل : " وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله " الضمير للقرآن أي : على مثله في المعنى وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعاني القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك . ويدل عليه قوله تعالى : " وإنه لفي زبر الأولين " الشعراء : 196 ، " إن هذا لفي الصحف الأولى " الأعلى : 18 ، " كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك " الشورى : 3 ، ويجوز أن يكون المعنى : إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد على نحو ذلك يعني كونه من عند الله . فإن قلت : أخبرني عن نظم هذا الكلام لأقف على معناه من جهة النظم . قلت : الواو الأولى عاطفة لكفرتم على فعل الشرط كما عطفته ثم في قوله تعالى : " قل أريتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به " فصلت : 52 ، وكذلك الواو الآخرة عاطفة لاستكبرتم على شهد شاهد وأما الواو في وشهد شاهد فقد عطفت جملة قوله . " شهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم " على جملة قوله : " كان من عند الله وكفرتم به " ونظيره قولك : إن أحسنت إليك وأسأت وأقبلت عليك وأعرضت عني لم ننفق في أنك أخذت ضميمتين فعطفتهما على مثليهما والمعنى : قل أخبروني إن اجتمع كون القرآن من عند الله مع كفركم به واجتمع شهادة أعلم بني إسرائيل على نزول مثله وإيمانه به مع استكباركم عنه وعن الإيمان به ألستم أضل الناس وأظلمهم . وقد جعل الإيمان في قوله : " فآمن " مسببا عن الشهادة على مثله : لأنه لما علم أن مثله أنزل على موسى صلوات الله عليه وأنه من جنس الوحي وليس من كلام البشر وأنصف من نفسه فشهد عليه واعترف كان الإيمان نتيجة ذلك .
" وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون " .
" للذين آمنوا " لأجلهم وهو كلام كفار مكة قالوا : عامة من يتبع محمدا السقاط يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود فلو كان ما جاء به خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء . وقيل : لما أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار : قالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع : لو كان خيرا ما سبقنا إليه رعاء البهم . وقيل : إن أمة لعمر أسلمت فكان عمر يضربها حتى يفتر ثم يقول لولا أني فترت لزدتك ضربا وكان كفار قريش يقولون : لو كان ما يدعو إليه محمد حقا ما سبقتنا إليه فلانة . وقيل : كان اليهود يقولونه عند إسلام عبد الله بن سلام وأصحابه . فإن قلت : لا بد من عامل في الظرف في قوله : " وإذ لم يهتدوا به " ومن متعلق بقوله : " فسيقولون " وغير مستقيم أن يكون " فسيقولون " هو العامل في الظرف لتدافع دلالتي المضي والاستقبال فما وجه هذا الكلام . قلت : العامل في إذ محذوف لدلالة الكلام عليه كما حذف من قوله : " فلما ذهبوا به " يوسف : 15 ، وقولهم : حينئذ الآن وتقديره : وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم فسيقولون هذا إفك قديم فهذا المضمر صح به الكلام حيث انتصب به الظرف وكان قوله : " فسيقولون " مسببا عنه كما صح بإضمار أن قوله : " حتى يقول الرسول " البقرة : 214 ، لمصادفة حتى مجرورها والمضارع ناصبه . وقولهم : " إفك قديم " كقولهم : أساطير الأولين " كتاب موسى " ؟ مبتدأ ومن قبله ظرف واقع خبرا مقدما عليه وهو ناصب " إماما " على الحال كقولك : في الدار زيد قائما . وقرئ : ومن قبله كتاب موسى على : وآتينا الذين قبله التوراة . ومعنى " إماما " : قدوة يؤتم به في دين الله وشرائعه كما يؤتم بالإمام " ورحمة " لمن آمن به وعمل بما فيه " وهذا " القرآن " كتاب مصدق " لكتاب موسى أو لما بين يديه وتقدمه من جميع الكتب . وقرئ " مصدق لما بين يديه " لسانا عربيا " حال من ضمير الكتاب في مصدق والعامل فيه مصدق ويجوز أن ينتصب حالا عن كتاب لتخصصه بالصفة ويعمل فيه معنى الإشارة . وجوز أن يكون مفعولا لمصدق أي : يصدق ذا لسان عربي وهو الرسول . وقرئ : لينذر بالياء والتاء ولينذر : من نذر ينذر إذا حذر " وبشرى " في محل النصب معطوف على محل لينذر لأنه مفعول له