أو بمن اتصف بمقام العبودية وانقطع اليه بالكلية قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني لاني سيد المحبين يحببكم الله وحقيقة المحبة عند العارفين احتراق القلب بنيران الشوق وروح الروح بلذة العشق واستغراق الحواس في بحر الأنس وطهارة النفس بمياه القدس ورؤية الحبيب بعين الكل وغمض عين الكل عن الكونين وطيران في غيب الغيب وتخلق المحب المحبوب وهذا أصل المحبة وأما فرعها فهو موافقة المحبوب في جميع ما يرضاه وتقبل بلائه بنعت الرضا والتسليم في قضائه وقدره بشرط الوفا ومتابعة سنة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم وأما آدابها فالانقطاع عن الشهوات واللذات المباحة والسكون في الخلوات والمراقبات واستنشاق نفحات الصفات والتواضع والذل في الحركات والسكنات مساكين أهل العشق حتى قبورهم عليها تراب الذل بين المقابر وهذا لا يكون إلا بعد أن ترى الروح بعين السر مشاهدة الحق بنعت الجمال وحسن القدم لا ينبعث الآلاء والنعم لان المحبة متى كانت من تولد رؤية النعماء كانت معلولة وحقيقة المحبة ما لا علة فيها بين المحب والحبيب سوى ذات الحبيب ولذا قالوا : لا تصبح المحبة ممن يميز بين النار والجنة وبين السرور والمحنة وبين الفرض والسنة وبين الاعتواض والاعتراض ولا تصح إلا ممن نسى الكل واستغرق فى مشاهدة المحبوب وفنى فيه خليلي لو أحببتما لعلمتما محل الهوى من مغرم القلب صبه تذكر والذمرى تشوق وذو الهوى يتوق ومن يعلق به الحب يصبه غرام على يأس الهوى ورجائه وشوق على بعد المراد وقربه وقد يقال : المحبة ثلاثة أقسام : القسم الاول محبة العوام وهى مطالعة المنة من روية إحسان المحسن جبلت القلوب على محبة من أحسن اليها وهو حب يتغير وهو لمتابعي الاعمال الذين يطلبون أجرا على ما يعملون وفيه يقول أبو الطيب : وما أنا بالباغي على الحب رشوة ضعيف هوى يرجى عليه ثواب القسم الثاني محبة الخواص المتبعين للاخلاق الذين يحبونه إجلالا وإعظاما ولانه أهل لذلك وإلى هذا القسم أشار بقوله : نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وقالت رابعة رحمها الله تعالى : أحبك حبين حب الهوى وحب لانك أهل لذاكا وهذا الحب لا يتغير إلى الأبد لبقاء الجمال والجلال إلى السرمد والقسم الثالث محبة خواص المتبعين للاحوال وهي الناشئة من الجذبة الآلهية في مكامن كنت كنزا مخفيا وأهل هذه المحبة هم الميتعدون لكمال المعرفة وحقيقتها أن يفني المحب بسطوتها فيبقى بلا هو وربما بقي صاحبها حيران سكرن لا هو حي فيرجى ولا ميت فيبكي وفي مثل ذلك قيل : يقولون إن الحب كالنار في الحشا ألا كذبوا فالنار تذكو وتخمد وما هو إلا جذوة مس عودها ندى فهي لا تذكو ولا تتوقد ويكفي في شرح الحب لفظة فانه : حاء وباء والحاء من حروف الحلق والباء شفوية ففيه إشارة إلى أن الهوى مالم يستول على قلبه ولسانه وباطنه وظاهره وسره وعلنه لا يقال له : حب وشرح ذاك يطول وهذه محبة العبد لربه وأما محبة ربه سبحانه له فمختلفة أيضا وإن صدرت من محل واحد فتعلقت بالعوام من حيث