ففيه إشارة إلى ماجبلت عليه النفوس ولما لم يكن مثل ذلك فى الخير استعمل الصيغة المجردة عن الاعتمال .
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا شروع فى حكاية بقية دعواتهم إثر بيان سر التكليف وقيل : استيفاء لحكاية الأقوال وفى البحر وهو المروى عن الحسن أن ذلك على تقدير الأمر أى قولوا فى دعائكم ذلك فهو تعليم منه تعالى لعباده كيفية الدعاء والطلب منه وهذا من غاية الكرم ونهاية الاحسان يعلمهم الطلب ليعطيهم ويرشدهم للسؤال ليثيبهم ولذلك قيل وقد تقدم : لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من فيض جودك ما علمتنى الطلبا والمؤاخذة المعاقبة وفاعل هنا بمعنى فعل وقيل : المفاعلة على بابها لأن الله تعالى يؤاخذ المذنب بالعقوبة والمذنب كأنه يؤاخذ ربه بالمطالبة بالعفو إذ لا يجد من يخلصه من عذابه سواه فلذلك يتمسك العبد عند الخوف منه به فعبر عن كل واحد بلفظ المؤاخذة ولا يخفى فساد هذا إلا بتكليف واختلفوا فى المراد من النسيان والخطأ على وجوه الأول أن المراد من الأول الترك ومنه قوله : ولم أك عند الجود للجود قاليا ولا كنت يوم الروع للطعن ناسيا والمراد من الثانى العصيان لأن المعاصى توصف بالخطأ الذى هو ضد الصواب وإن كان فاعلها متعمدا كأنه قيل : ربنا لا تعاقبنا على ترك الواجبات وفعل المنهيات الثانى أن المراد منهما ما هما مسببان عنه من التفريط والاغفال إذ قلما يتفقان إلا عن تقصير سابق فالمعنى لا تؤاخذنا بذلك التقصير الثالث أن المراد بهما أنفسهما من حيث ترتبهما على ما ذكر أو مطلقا إذ لا امتناع فى المؤاخذة بهما عقلا فإن المعاصى كالسموم فكما أن تناولها ولو سهوا أو خطأ مؤد إلى الهلاك فتعاطى المعاصى أيضا لا يبعد أن يفضى إلى العقاب وإن لم يكن عن عزيمة ولكنه تعالى وعد التجاوز عنه رحمة منه وفضلا فيجوز أن يدعو الانسان به استدامة واعتدادا بالنعمة فيه .
ويؤيد ذلك مفهوم قوله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما أخرجه الطبرانى وقال النووى حديث حسن : رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وأورد على هذا بأنه لا يتم على مذهب المحققين من أهل السنة والمعتزلة من أن التكليف بغير المقدور غير جائز عقلا منه تعالى إذ لا يكون ترك المؤاخذة على الخطأ والنسيان حينئذ فضلا يستدام ونعمه يعتد بها ربنا ولا تحمل علينا إصرا أى عبثا ثقيلا يأسر صاحبه أى يحبسه مكانه .
والمراد به التكاليف الشاقة وقيل : الاصر الذنب الذى لا توبة له فالمعنى اعصمنا من اقترافه وقرئ آصارا على الجمع وقرأ أنى ولا تحمل بالتشديد للمبالغة كما حملته على الذين من قبلنا فى حيز النصب على أنه صفة لمصدر محذوف أى حملا مثل حملك إياه على من قبلنا أو على أنه صفة لإصرا أى إصرا مثل الإصر الذى حملته على من قبلنا وهو ما كلفه بنو إسرائيل من قتل النفس فى التوبة أو فى القصاص لانه كان لا يجوز غيره فى شريعتهم وقطع موضع النجاسة من الثياب ونحوها وقيل : من البدن وصرف ربع المال فى الزكاة .
ربنا ولا تحملنا وا لا طاقة لنا به استعفاء عن العقوبات التى لا تطاق بعد الاستعفاء عما يؤدى إليها والتعبير عن إنزال ذلك بالتحميل مجازيا باعتبار ما يؤدي إليه وجوز أن يكون طلبا لما هو أعم من الأول لتخصيصه بالتشبيه إلا أنه صور فيه الإصر بصورة ما لا يستطاع مبالغة وقيل : هو استغناء عن التكليف بما لا تفى به القدر البشرية حقيقة فتكون الآية دليلا على جواز التكليف بما لا يطاق وإلا لما سئل التخلص عنه وليس بالقوئ والتشديد ههنا