روح من تلك الأرواح على من يشاء من عباده أي أن ينزل عليهم لا لاختصاصهم بصفات تؤهلهم لذلك والآية دليل على أن النبوة عطائية كما هو المذهب الحق ويرد أيضا على بعض المتصوفة القائلين بأنه لا حاجة للخلق على إرسال الرسل عليهم السلام قالوا : الرسل سوى الله تعالى وكل ما سواه سبحانه حجاب عنه جل شأنه فالرسل حجاب عنه تعالى وكل ما هو حجاب لا حاجة للخلق إليه فالرسل لا حاجة إليهم وهذا جهل ظاهر ولعمري أنه زندقة وإلحاد وفساده مثل زندقة في الظهور ويكفي في ذلك منع الكبرى القائلة بأن كل ما سواه سبحانه الخ فإن الرسل وسيلة إلى الله تعالى والوصول إليه D لا حجاب وهل يقبل ذو عقل أن نائب السلطان في بلاده حجاب عنه وهب هذا القائل أمكنه الوصول إليه سبحانه بلا واسطة بقوة الريانة والإستعداد والقابلية فالسواد الأعظم الذين لا يمكنهم ما أمكنه كيف يصنعون وممن ينتظم في سلك هؤلاء الملحدين البراهمة فإنهم أيضا نفوا النبوة لكنهم استدلوا بأن العقل كاف فيما ينبغي أن يستعمله المكلف فيأتي بالحسن ويجتنب القبيح ويحتاط في المشتبه بفعل أو ترك فالأنبياء عليهم السلام إما أن يأتوا بما يوافق العقل فلا حاجة معه إليهم أو بما يخالفه فلا التفات إليهم وجوابه أن هذا مبني على القول بالحسن والقبح العقلين وقد رفعت الأقلام وجفت الصحف وتم الأمر في إبطاله وعلى تقدير تسليمه لا نسلم أن العقل يستقل بجميع ما ينبغي ولا نسلم أيضا أنهم إن جاؤا بما يوافق العقل لا حاجة إليهم لجواز أن يعرفوا المكلف بعض ما يخفى عليه مما ينبغي له أو يؤكدوا حكمه بحكمهم ودليلان أقوى من دليل ولا نسلم أيضا أنهم إن جاؤا بما يخالف العقل لا يلتفت إليهم لجواز أن يخالفوه فيما يخفى عليه على أن ذلك فرض محال لإجماع الناس على أن الشرع لا يأتي بخلاف العقل في نفس الأمر وإنما يأتي بما يقصر على إدراكه بنفسه كوجوب صوم آخر يوم من رمضان وحرمة صوم أول يوم من شوال وتمام الكلام في ذلك يطلب من محله أن أنذروا بدل من روح على أن أن هي التي من شأنها أن تنصب المضارع وصلت بالأمر كما وصلت به في قولهم : كتبت إليه بأن قم ولا ضير في ذلك كما حقق في موضعه أي ينزلهم ملتبسين بطلب الإنذار منهم : وجوز ابن عطية وأبو البقاء وصاحب الغنيان كون أن مفسره فلا موضع لها من الإعراب وذلك لما في تنزيل الملائكة بالوحي من معنى القول كأنه قيل : يقول بواسطة الملائكة لمن يشاء من عباده أن أنذروا وجوز الزمخشري ذلك وكون أن المخففة من المثقلة وأمر البديلة على حاله قال : والتقدير بأنه أنذروا أي بأن الشأن أقول لكم أنذروا .
وتعقبه أبو حيان بأن جعلها مخففة وإضمار اسمها وهو ضمير الشأن وتقدير القول حتى يكون الخبر جملة خبرية تكلف لا حاجة إليه مع سهولة جعلها الثنائية التي من شأنها نصب المضارع وفيه بحث ففي الكشف أن تحقيق وصل الأمر بهذا الحرف ناصبة كانت أو مخففة وإضمار القول قد سلف إنما الكلام في إيثار المخففة ههنا وفي يونس والناصبة في نوح وهي الأمل لقلة التقدير وذلك لأن مقام المبالغة يقتضي إيثار المخففة ولهذا جعل بدلا والمبدل منه ما عرفت شأنه وكذلك في يونس معناه أعجبوا من هذا الأمر المحقق وهو أن الشأن كذا وأما في نوح فكلام ابتدائي وجعلهم فائدة القول أن لا يقع الطلبي خبرا من ضيق العطن فذلك في ضمير الشأن غير مسلم لأنه متحد بما بعده وهو كما تقول : كلامي اضرب زيدا انتهى وقريء لينذروا والإنذار الإعلام كما قيل خلا أن مختص بإعلام المحذور أي اعلموا أنه لا إله إلا أنا فالضمير للشأن وهو من خلاف