وحدة اسلامية من أين نبدأ
صالح أحمد عاشور - الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). سورة البقرة: 143.
في ذكرى المولد الشريف لخاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل الخلق اجمعين النبي الأكرم محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)الذي نجتمع بمناسبته في ظل هذا المؤتمر المبارك.
في هذه المناسبة العظيمة تتهادى الى أذهاننا تلك الصور الجميلة التي رسمها خاتم الأنبياء للمجتمع الإسلامي حيث الانسجام التام بين أبنائه والترابط والتراص كالبنيان المرصوص وعظيم البركات والخيرات التي أحاطت بالمجتمع من كل صوب وحدب.
واليوم ونحن نتذكر تلك المنجزات العظيمة لا تغنّياً بأمجاد الماضين وإنما أملا وطموحا لأن نعيد شيئا من ذلك العهد في ضل وحدة إسلامية يتعاون فيها المسلمون ويتكاتفوا في قضاياهم المصيرية.
ولا شك أن من يدعون الى ذلك ويحملون راية هذه الدعوة ويشجعون عليها إنما هم المخلصون من أبناء الأمة والحريصون على رفعة وعزة شأنها وهم المتفهمون والمتعقلون لما هو صالح الإسلام والمسلمين.
وتأتي الجمهورية الإسلامية الإيرانية على رأس أولئك ، فهي لم تألوا جهدا في هذا المضمار، ولا يفوتنا الدور العظيم الذي قام به مؤسسها وقائدها الراحل الإمام ا لخميني قدس سره الشريف الذي صادف ذكرى رحيله في الأيام القليلة الماضية.
إن أعداء الامة يحذرون كل الحذر من أي مشروع وحدوي في الامة فهم يضعون العراقيل والعصي في عجلة كل خطوة تعاون بين أبناء الأمة.
وأعداء الأمة ليسوا فقط أولئك المتترسون في الغرب ليحيكوا المؤامرات وإنما أيضا بعض مدعي الاسلام والانتماء إليه الذين يسعون جهدهم لتفريق الامة وبث الخلافات والصراعات ليهيؤوا الأرضية لأعداء الأمة من الخارج.
ولعل ما قام به النظام العراقي الظالم في حربيه العدوانيتين على جيرانه والذي كلف الامة مئات الآلاف من الأرواح التي ازهقت وبلايين الدولارات التي ذهبت هباء هذا الى جانب الدمار الكبير الذى اصاب المنطقة، وأسوأ تلك الأضرار التي ترتبت عن هذه المغامرات الطائشة هو الفرقة والشتات الكبير الذي منيت به امتنا الاسلامية.
ولا زلنا في الكويت كما هو الحال في الجمهورية الإسلامية الايرانية نعيش آثار هذه الحروب المفتعلة من قبل النظام العراقي ولا زال الجرح لما يندمل، فلا زال أسرانا يقبعون في سجون ومعتقلات صدام حسين.
إننا في ظل موضع المؤتمر المطروح بين أيدينا لنؤكد على ان الوحدة الاسلامية مشروع ضخم وكبير وحتى نصل الى هذا الطموح المنشود لا بد من خطوات وآليات تقربنا إليه وهنا نقترح التالي:
1 ـ إن تطوير العلاقات بين الدول الاسلامية على الصعيد الرسمي يساهم بشكل مؤثر في التقارب بين أبناء الامة ولعل ما شهدته العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والدول العربية والخليجية منها بشكل خاص في السنوات الأخيرة ساعد على تقارب شعوب المنطقة وهيأها لتقبل مشاريع التعاون والتكاتف في ما بينها، وهذا مثال يمكن أن يحتذى به في عالمنا الاسلامي، لذا فالحكومات والهيئات الرسمية في دولنا معنية بشكل مباشر لإزالة أسباب التوتر وسوء الفهم في ما بينها.
2 ـ إن تطوير العلاقات التجارية والثقافية بين الدول الإسلامية يفتح أمامها طريقا ممهدا لمشاريع الوحدة، والواقع الاسلامي لا زال يعاني الكثير من التشرذم والتباعد رغم المصالح المشتركة والعوائد الاقتصادية الكبيرة والمهمة التي يمكن ان تجنيها بلادنا من التعاون في ما بيننا.
3 ـ التركيز على المساحات المشتركة بين المسلمين، وهي كثيرة وعديدة، فهناك القضايا الإسلامية المركزية كقضية القدس الشريف والتي لا بد أن تصبح راية يلتف حولها المسلمون كافة . إن ما يعاني منه أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة ليعد من أبشع الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية ، وعالمنا الإسلامي يغط في نوم عميق كأن الأمر لا يعنيه ، فأي وحدة إسلامية ننشدها دون أن يتحرك الضمير الاسلامي لنصرة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسولنا الكريم.
4 ـ إن أهل البيت (عليهم السلام) والذي ينعقد هذا المؤتمر باسمهم الشريف يعدون من أهم المشتركات بين جميع المسلمين ، فقد اتفقت كل الفرق الإسلامية بمختلف مشاربها على إجلالهم وحبهم وتقديرهم فهم من قال عنهم الجليل الأعلى في كتابه الكريم (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وقال على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وأي مودة اعظم من الاقتداء بهديهم والوحدة تحت رايتهم.
إنّ اتخاذ اهل البيت (عليهم السلام) محوراً للوحدة الاسلامية حري لأن يصبح مادة للبحث والدراسة، وإن المثقفين ورجال العلم والدين من أبناء الامة تقع على عاتقهم هذه المسؤولية التي لو قاموا بها على أكمل وجه لأصبحت قاعدة صلبه يستند عليها مشروع الوحدة الاسلامية.
إننا اليوم نعيش في أفضل مراحل التاريخ الاسلامي فهما وتعقلا وإنصافا في نظرته الى أهل البيت (عليهم السلام) ، فقد ولّى زمن يقتل فيه أهل بيت نبيّ هذه الامة، وولّى زمن يسبّون فيه من على منابر المسلمين، وولّى زمن يهمّشون فيه، ولا زلنا بحاجة الى اقتراب أكثر من فكرهم وعطائهم اللامحدود.
إننا نرى أن أهل البيت (عليهم السلام) المنبع الرئيسي الذي يمكن أن تنطلق منه كل مشاريع الوحدة بين المسلمين.
والله نسأل أن يوفق كل المخلصين من أبناء الأمة الإسلامية للعمل على التقارب والتعاون وبالتالي الوصول الى وحدة اسلامية مباركة إن شاء الله.
والله ولي التوفيق .. والصلاة والسلام على نبينا الأكرم وأهل بيته الطاهرين.
صالح أحمد عاشور
عضو مجلس الأمة
ارسال نظر