الوحدة وأثرها في الأُمّة الإسلامية
سعيد بن ناصر المسكري - عُمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله، والصلاة والسلام على افضل الخلق اجمعين سيدنا محمّد وعلى آله الطيبين وصحابته المتقين ومن سار على نهجهم الى يوم الدين.
اصحاب السماحة والفضيلة العلماء..
ايها الحضور الكرام..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد: بداية يسرني ان اتقدم بالشكر والتقدير الى المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية وعلى رأسهم سماحة الشيخ آية الله محمّد واعظ زاده الخراساني الامين العام للمجمع على الدعوة الكريمة لحضور المؤتمر الدولي الرابع عشر للوحدة الاسلامية التي هي هدف كل مسلم وهم كل مؤمن فلهم جزيل الشكر والامتنان.
ايها الحضور الكرام:
ان الله تعالى حينما ميز هذه الامة بالخيريّة فجعلها (خير امة اخرجت للناس) ارشدها الى اهم ما يثبت لها خيريتها هذه، وذلك بالاعتصام بكتاب ربها وسنّة نبيها (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألّف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا). ولقد ادرك السلف الصالح لهذه الامة ذلك الامتنان وتلك النعمة فالتزموا بها وعضوا على مبادئها بالنواجذ جاعلين قوله تعالى: (ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون)منهجاً لهم شعاراً وسلوكاً، فرسخت اقدام الاسلام واتسعت رقعته وهابه اعدؤه.
وقد استشعر اهل العلم في القرون الاولى للاسلام واجبهم تجاه دينهم فبرز الائمة الراسخون في العلم والعلماء المجتهدون ليواصلوا رسالة الاسلام الخالدة وليذودوا عن حياض الدعوة ودفع الشبهات عنها، متفقين جميعاً على اصول الاسلام ونصوصه القطعية، باذلين ما بوسعهم من جهد في فهم تلك النصوص ارضاءاً لربهم وإخلاصاً لدينهم وتوحيداً لأمتهم، ذلك كان هدفهم، فحري بالامة ان تحسن الظن بهم جميعاً، اذ كلهم من رسول الله مغترف غرفاً من البحر او رشفاً من الديم، ولا نزكي على الله احداً . فكان ذلك الاجتهاد اثراء للفكر ورحمة للأمة التي وجدت فيه وإما توسيعاً لما ضاق او تضييقاً لما اتسع .
غير انه وبمرور الزمن وبُعد اتباع كل امام او مجتهد عنه صار ذلك الاختلاف في الفهم ـ عند كثير من المسلمين ـ هدفاً والتمسك به ديناً يكفر من خالفه فنظر المسلمون الى اصول الاسلام بعين مذهبية، وكأن كل طريقة او مذهب دين مستقل بذاته (وكل حزب بما لديهم فرحون) حتى طمع فيها اعداؤها وزهدها ابناؤها واخذ الكثير منهم يستوردون الفكر من الشرق او الغرب، جهلاً بما يملكون من مقومات او تجاهلاً بما لديهم من ثروة فكرية ايمانية، وليس ادل على عزوف كثير من المسلمين عن مصادر الثقافة الاسلامية ومدارسها الفكرية مايحصره كثير منهم فرق الاسلام بين السنّة والشيعة، دون معرفة أن من المسلمين من ينتمون الى المذهب الاباضي وهو من اقدم المذاهب الاسلامية هذا المذهب الذي تتلمذ مؤسسه الامام جابر بن زيد على يد احد اعلام آل البيت وهو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومن طريق ابن عباس جاءت معظم احاديث المسند المعتمد لديهم بجانب غيره، وهو مسند الامام الربيع بن حبيب الفراهيدي، كما ان كتب الاباضية مليئة بالشواهد على شجاعة الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وعلمه وحلمه والاخذ بآرائه الفقهة . كل ذلك يجعلنا ـ ونحن من المنتمين الى المذهب الاباضي ـ نؤكد ما ذكره المتحدثون السابقون من محبة المسلمين جميعاً لآله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهم يرددون ذلك في صلواتهم اكثر من خمس مرات في اليوم هذا في الفرائض ناهيكم بالسنن والنوافل.
ايها العلماء الاجلاء:
ان المسلم العادي ليتساءل، وحق له ان يتساءل: انه ومع كثرة لقاءات علماء الاسلام وتعدد مؤتمراتهم، لماذا لا يتحد المسلمون ويعودوا امة واحدة مؤثرة لا متأثرة ومتبوعة غير تابعة ؟
واذا كانت الاجابة على ذلك من شواغل البال عند عامة المسلمين، فهي بلا ريب يجب ان تكون من اهم الاولويات والتوجهات عند علماء الامة ومجتهديها، خاصة في هذا العصر المتداخل بالثقافات والملي بالتحديات، إذ اصبحت التكتلات المتعددة واقعاً لا مناص منه، مع اختلاف المشارب والمعتقدات لتلك التكتلات.
اعداؤنا وحدوا اشتات باطلهم ونحن رغم وضوح الحق اشتات وهو ما يؤكد واجب المسلمين في التضامن والوحدة، متجردين من ضيق النظرة الاقليمية او المذهبية او غيرها، تأليفاً للقلوب ورأباً للصدع وجمعاً للشتات، وهنا يأتي دور مثل هذه المؤتمرات التي ستؤدي ثمارها اذا ما حظيت بالتحضير الشمولي الخالص الذي يخدم الامة الاسلامية قاطبة دون اي هدف آخر، وأن ما يُقَدّم من بحوث ودراسات تعالج هموم الامة يكون منصفاً وواقعياً بعيداً عن العواطف او التعصب للانتماءات، وأن ما يكتب عن المذاهب المتعدده، في الامة انما يُستقى من مصادرها المعتمدة لدى كل مذهب، بعيداً عن ترسبات الماضي ومغالطات التاريخ ونقولات ادعياء العلم، حتى لا يسيء المسلمون فهم بعضهم البعض، فتبعد الشقة ويزيد جراح الامة كياً وأوارها لهيباً.
ايها الجمع الكريم:
إن التفاؤل بالخير يجعل الامة تنتظر الكثير من مثل هذه المؤتمرات المباركة، وان هذه الكوكبة من العلماء المشاركين في هذا المؤتمر جديرون بعلمهم وإخلاصهم ان يعينوا على وحدة الامة والتقريب بين ابنائها، (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). متمنياً لمؤتمركم هذا التوفيق والنجاح فالله ولي ذلك والقادر عليه، (وما ذلك على الله بعزيز).
ومكرراً شكري للجمهورية الاسلامية الايرانية على تنظيمها لهذا المؤتمر السنوي، وعلى ما قوبلنا به من حفاوة وترحيب.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سعيد بن ناصر المسكري
الامين العام
لمركز السلطان قابوس للثقافة الاسلامية
الاحد 17 / ربيع الاول / 1422 هـ
10 / 6 / 2001 م
ارسال نظر