ميثاق الإيمان ... خطوة عملية نحو الوحدة الإسلامية
فتحي بن عيسى
باحث اسلامي - ليبيا
تمهيد :
يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز : (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق )) صدق الله العظيم .
ما أحوجنا اليوم للتأمل والتأمل بعمق في هذه الآية الكريمة وأن نضعها نصب أعيننا نستنهض بها الهمة للم شمل الأمة ، فحالها لا يخفى على أحد ، وداؤها آخذ في التفاقم يكاد يصبح فالجا لا يعالج – نسأل الله السلامة - ، بل دخلت الأمة مرحلة الغيبوبة بسبب اهمالها نصيحة المداوي الرباني ونبذها لتوجيهاته وارشاداته التي صاغها في عبارات شديدة الوضوح يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار حتى غدا حالها مجلبة للعار ، وأصبح الحكيم الحليم في أمرها محتار !!
(( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ))
ألم يحن الوقت وقد ساءنا جميعا كمسلمين نفخر بالإنتساب إلى هذا الدين العظيم على اختلاف مسمياتنا وتوجهاتنا ومشاربنا ومطامحنا أن نجيب الحق سبحانه وتعالى بصوت واحد : بلى يا رب !! آن الآوان لتخشع قلوبنا لذكر الله وما نزل من الحق !!
ألم يحن الوقت أن ندرك أن الحق سبحانه وتعالى يخاطبنا جميعا دون استثناء أو اقصاء !! ((ألم يأن للذين آمنوا )) !!
كلنا يعرف ويعي جيدا ما يحاك للإسلام من دسائس ومؤمرات ، وكلنا يدرك أنه لن يرضى الذين نعادي أخوتنا في الدين لأجلهم أبدا !! ونردد بكل حماسة : (( لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )) !! هل هناك وضوح أكثر من هذا !! هل هناك خطاب مباشر أبين من هذا !! هل هناك صيغة محكمة جمعت فأوعت كهذا النص المؤسس القاعدي !!
ومع حفظنا عن ظهر قلب لهذا النص !! وكونه محكما لا متشابها !! إلا أن واقع الحال بخلاف هذا !! والأمر لا يحتاج عناء الاثبات فمتى احتاج ضوء الشمس لدليل !!
تحريف القرآن الكريم :
إننا وبكل مرارة أقولها ومن دون مواربة نمارس أكبر عملية لتحريف القرآن الكريم !! وللأسف لقد تقدمنا في هذه العملية خطوات كبيرة وقطعنا فيها مراحل متقدمة إن لم نتدارك أنفسنا ونحسم أمرنا سنفقد أهم مصدر بل المصدر الوحيد لقوتنا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
نعم .. القرآن الكريم اليوم يتعرض لأكبر عملية تحريف وعلى يد أبنائه للأسف !! وتحت سمع وبصر المسلمين جميعا وبرعايتهم !!!
عندما يتم توظيف الآيات القرآنية لتحقيق مآرب سياسية فهذا تحريف !!
وعندما يتم تفسير الآيات القرآنية بما يخدم التوجهات الطائفية والحزبية والجهوية فهذا تحريف !!
وعندما نصر على جعل الفهم البشري للنص القرآني نصا مقدسا لا يمكن تجاوزه بحال من الأحوال فهذا تحريف !!!
ماذا فعلنا بالقرآن الكريم !!!
بدلا من أن نستنطق آياته البيانات ونقوم بتصحيح أوضاعنا وفقا لها .. لجأنا إلى اسقاط فهومنا وأهواءنا ومقاصدنا على النص القرآني ليصبح لدينا فهما موجها لهذه الآية أو تلك يخدم غاياتنا الفئوية وأجنداتنا السياسية لينتج نصا مشوشا تم تزويره ، فالألفاظ خدم للمعاني !! وبدلا من أن نجتهد لتبين هذه المعاني الربانية قمنا بإعادة انتاجها بما يخدم أيدولوجياتنا !!!
ما من طائفة أو حزب أو ناطق باسم الإسلام اليوم إلا وهو يستشهد بآيات القرآن الكريم !!!
ولكن السؤال الجوهري بأي قرآن يستدلون !!؟!!
أعرف أنكم لست بحاجة لذكر الشواهد على أن القرآن الكريم هو مصدر قوة هذه الأمة الإسلامية ، ولكن من باب ( ذكر فإن الذكرى تنفع المسلمين) أذكر نفسي أولا بأحد شهادات أساطين السياسية ودهاتها ، فالحبة تغني عن العنقود .
يقول وليم غلادستون الذي تولى رئاسة وزراء بريطانيا 4 مرات كأنت أولاها عام 1868 عن قوة القرآن الكريم :
" ما دام هذا القرآن موجود فى ايدى المسلمين فلن تستطيع اوربا السيطرة على الشرق "
وبما أن النص القرآني قد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه ، فلم يبقى أمامهم سوى تحريف معانيه فخلقت فجوة بين القرآن الكريم والقارئ المسلم فضلا عن سواه ، فتم تشجيع تداول اللهجات المحلية على حساب اللغة العربية لغة القرآن الكريم وأصبحت لغة القرآن الكريم العربية مهجورة في موطنها فضلا عن باقي أصقاع العالم الإسلامي ، وبالتالي فقط قارئ القرآن الكريم التواصل مع النص القرآني كونه يقرأ كلمات لا يعي معناها وشيئا فشيئا تحولت قراءة القرآن الكريم إلى نوع من الفلكلور الديني نقيم المسابقات العالمية وننفق ملايين الدولارات نمنحها لمن يتقن تلاوة القرآن الكريم وفقا للمقامات الموسيقية !! فكانت النتيجة أن أنتجنا نسخا مكررة تسجيلية من القرآن الكريم تسير على قدمين .
في علم الاتصال لا يمكن للمستقبل أن يعمل بمقتضى رسالة وصلته هو لا يفهم لغتها !! وبدلا من أن يعمل بموجبها تصبح تذكارا من حبيب !!
لقد أدرك أعداؤنا هذه الحقيقة وعملوا بمقتضاها !! هل أقول نجحوا في مبتغاهم !! ما زال هناك وقت لنقول لا !! إلا أنه للأسف وقت قصير وقصير جدا لهذا فنحن أحوج ما نكون لقول الله سبحانه وتعالى : (( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق )) .
عبثية محاكمة التاريخ :
ملمح آخر عجيب ومأزق في نظري خطير وقعنا فيه جميعا هو الحرص على محاكمة التاريخ لاثبات أن فلانا أخطا وعلانا كان على صواب !! وكلاهما بين يدي الحق سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين !!
بل تحولت هذه المحاكمات إلى عقائد نتحاكم إليها اليوم !! ونصدر أحكامنا تبعا للموقف منها !! وشيئا فشيئا ظهر مصطلح (القتل حسب الهوية) !!
كم من صحف سودنا !! ومن إذاعات فضائية فضلا عن الأرضية أنشأنا !! وكم من الوقت أنفقنا !! ومن الأموال ضيعنا !! ومن الجهود بددنا !! لاثبات قضايا هي تاريخية ، حسمها الحق سبحانه وتعالى بقوله في محكم التنزيل : " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ولا تسألون عما كانوا يعملون"
ماذا فعلنا !!
ضرب بهذه الآية عرض الحائط !! وانغمسنا في تطويع وأحيانا اختلاق الروايات التاريخية عصبية وحمية لرأي من الأراء !!
وبدلا من أن نعمل بمقتضى قوله تعالى (( إنما المؤمنون أخوة)) ، أصبحنا أحزابا (( كل حزب بما لديهم فرحون)) ، يكاد يحق فينا قول الله تعالى : (( كلما دخلت أمة لعنت أختها ))!!
أما آن الأوان لنتوقف عن القيل والقال !! وكثرة السؤال !! وإضاعة المال !! لنثبت أن فلانا أخطأ أو علانا !! وننهي محاكمة التاريخ فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت !! ونلتفت إلى مشاكل عصرنا وزمننا بعد أن وعدنا الحق الذي لا يخلف وعدا أنه لن يسألنا عما كان يعمل الأولون !!
ألم يأن لنا أن نتوقف عن البكاء على حوائط الماضي ونعلم أن المعارك التي نخوضها اليوم ضد بعضنا البعض لسان حالنا (( كل حزب بما لديهم فرحون)) ، هي معارك الرابح فيها خسران !! بعد أن يذيق بعضنا بعضا صنوف الذل والهوان !!
ميثاق الإيمان :
ألم يأن لنا أن نلتقي على كلمة سواء ونعلن للأمة الإسلامية ميثاق ملزم تصادق عليه الحكومات وترعاه المرجعيات الإسلامية بكل تنوعاتها ((ميثاق الأخوة الإيمانية)) لا ندين فيه ولا نشجب بل نحدد فيه خطوات عملية ملزمة لنا جميعا واجراءات نتخذها بحق كل من يخرج عن بنود الميثاق المستمدة من كتاب الله المجيد سواء أكان خطيبا أو إمام مسجد أو مرجع ديني أو حاكم ، فضلا عن فضائية أو وسيلة اعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية أو الكترونية !! فلا نتنابز بالإلقاب !! ولا يسخر بعضنا من بعض !! ولا يكفر بعضنا بعضا !! يقصر فيها نقاش مسائل الخلاف على أهل الذكر وبعيدا عن العامة !! فهل هذا أمر عسير !!
إنه لمن المحزن والمثير للقلق أن يحرص المسلمون على تضخيم ما يفرق بينهم وهو أقل القليل وإبرازه ونشره على نطاق واسع ، ويتعمدون في نفس الوقت عن حجب ما يجمع بينهم وهو كثير كثير !!
ختاما أنقل ما قاله أشهر مؤرخي القرن العشرين (ارنولد توينبي) : " إن الوحدة الاسلاميه نائمه لكن يجب ان نضع فى حسابنا إن النائم قد يستيقظ" ، فهل آن للنائم أن يستيقظ .
ارسال نظر