خطورة التطبيع ووجوب التصدي وتنويع الوسائل والاستراتيجيات لمقاومته
الشيخ عبد الغني شمس الدين
المقدمة
التطببع في جملته محاولة لحرف الصراع عن وجهته الصحيحة، بحيث يتجه النظام الرسمي العربي مثلا إلى التخلص من كل التزاماته الوطنية والقومية بإعادة ترتيب سلم الأولويات وتحديد الأعداء، حتى غدت قضية فلسطين والقدس في أسفل أجندة الاهتمام بل و ينخرط بعض الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، في نسج علاقات سياسية واقتصادية وثقافية، بادية وخفية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي كما لجأ بعض الدول في معسكر الاعتدال الى مواراة مساره التطبيعي خلف واجهة من الانفتاح الثقافي والفني ومحاولة استغلال وضعية المرأة بعدما تم تغييبها وحجبها عن الحياة العامة بتوجهات دينية متشددة كانت تستميت في فرضها على العالم الإسلامي
بالاضافة الى ذلك يهدف الكيان الصهيوني من وراء التطبيع إلى إضفاء الشرعية على كيانه وتثبيت أركانه واستبقاء وجوده محلياً ودولياً، وضمان توسعه ليتمكن من السيطرة على الأمة الإسلامية ومصادرة حريتها ونهضتها وسلب مقدراتها.
فالتطبيع اذن له تاريخه الطويل قي ما بين الافول والظهور طبقا للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية والاسلامية . واثرتجذر ظاهرة التطبيع فقد ساد التجاهل الرسمي لقضية فلسطين والقدس في الاجتماعات الرسمية للحكام والوزراء العرب وجرى تصدير "الخطر الإيراني" في التصريحات الرسمية للاستهلاك المحلي.
تاريخ التطبيع باختصار :
بدأ التطبيع بين العرب وإسرائيل من مصر التي وقع رئيسها أنور السادات عام 1978 في كامب ديفد اتفاقا للسلام المنفرد، وبقيت الأنظمة والشعوب العربية خارج نطاق هذا السلام إلى حين قدوم موجة التطبيع الثانية عام 1991 بعد انطلاق مفاوضات السلام العربية-الإسرائيلية إثر مؤتمر مدريد. ومع توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية واتفاق وادي عربة مع الأردن في العام التالي ساد تفاؤل في الشارع العربي بأن الصراع العربي-الإسرائيلي في طريقه للحل من بوابة إنصاف الفلسطينيين وحصولهم على دولة.
"غير أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة راوغت في تحقيق سلام عادل منذ مقتل إسحاق رابين عام 1995 وانكشفت مناوراتها في مؤتمر كامب ديفد عام 2000."
واثر ذلك انخفضت توقعات الشعوب العربية حيال جدوى عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية جراء السياسات العنصرية والقمعية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ودفع ذلك الناشطين الفلسطينيين وحلفاءهم الدوليين للسعي إلى إيجاد بدائل متنوعة لعزل إسرائيل ومعاقبتها بهدف إجبارها على الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
اثار التطبيع
فقد اوضح الاخ حسام الشاكربوضوح في مقاله بعنوان "رهان التطبيع .. انسنة الاحتلال في وعي العرب " خيث فال:
"لجأ الاحتلال في زمن مضى إلى توظيف وسائط إعلامية عن بُعد لمخاطبة العالم العربي
، فاقتطعت "صوت اسرائيل " بالعربية حصة من الاستماع، ثم اضمحلت مع صعود الفضائيات الإخبارية العربية التي حاول الاحتلال محاكاتها بقنوات مرئية دون جدوى.
عمدت تلك الإذاعة إلى بث برامج إخبارية متعددة ومحشوة بمضامين اجتماعية وصحية،
مع استمالة المستمعين إلى أثير "راديو العدو" بأغاني مشاهير الطرب العربي
ADVERTISING
بثّت المحطة حصصاً لتعليم العبرية، ثم طوّرت دعايةُ الاحتلال الثقافية وسائطَ تعليمها عبر الإنترنت ثم مواقع التواصل الاجتماعي. حققت الشبكات اقتراباً تواصلياً يستدرج الجمهور إلى معايشة تتيحها التفاعلية المتبادلة ضمن مجتمع متحلِّق افتراضياً حول اهتمام مشترك، خلافاً لأحادية الاتجاه في معادلة البث والتلقي في زمن الإذاعة.
يأتي تعليم اللغات مدخلاً تقليدياً للدعاية الثقافية والدبلوماسية الشعبية، وقد راهن عليه الاحتلال بوضوح. وقد عرف العالم العربي تعليم العبرية من مداخل ثلاثة أساسية، هي: الدراسات الجامعية، وتعليمها بكتب ودورات تحت شعار "اعرف عدوك"، ثم ترويجها بمقاصد تطبيعية بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفد (1979)."
واكد الاخ عبد الله البريدي هذا الاثارفي مقالته "شحذ النضالية ضد التطبيع" بقوله :
“الإمعان في المشهد العربي الراهن يحوجنا إلى الإقرار بأن ثمة شيئا من النجاح قد تحقق بالفعل للمشروع التطبيعي، فالبعض أصبح لا يتحمس للنضالية الواجبة تجاه المحتل الإسرائيلي، بل جعل البعض يصرح بأنه لا يعارض ألوانا مخففة من التطبيع معه، وتتجاسر قلة بأنهم لا يعارضون التطبيع المغلظ بجميع صوره وقنواته. لا أحسب أن أحدا لا يرى مثل هذه التغيرات الفكرية الخطيرة."
"التطبيع، حسب تعبيره " سم له طعمه ورائحته ولونه، لا يقتل صاحبه ولكنه يميت ضميره بأقساط غير مريحة"
مفاسد التطبيع ومخاطره:
هذا فقد فصل ميثاق وبيان علماء الامة في مواجهة التطبيع مغبة التطبيع كالاّني:
1.يهدد التطبيع مع الصهاينة المبادئ الإسلامية والإنسانية الكبرى كالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والأمن والسلم العالميين.
2. التطبيع مع الصهاينة خطر على عقيدة الأمة ومكانة المقدسات في نفوسها ومهدد لمقاصد الشريعة الهادفة لحفظ الأمة في دينها ونفسها ومالها وعقلها ونسلها.
3. التطبيع مع الصهاينة يهدد مشروع المقاومة ويضعف جذوتها في نفوس الأمة.
4. يؤدي التطبيع السياسي مع الكيان إلى توظيف الدول العربية والإسلامية في تصفية القضية الفلسطينية والقضاء عليها، وتبديد آمال وطموحات الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه واستعادة حقوقه كاملة.
5. إن أمن الأمة وحدة واحدة، وإن التطبيع مدخل أساس للهيمنة الصهيونية الأمنية والعسكرية الشاملة على الأمة العربية والإسلامية.
6. يقلب التطبيع السياسي الحقائق فيجعل العدو صديقاً مما يهدد أمن واستقرار الدول العربية والإسلامية.
7. يعيق التطبيع مع الكيان الصهيوني جميع محاولات التغيير والإصلاح في الأمتين العربية والإسلامية.
8. يعطل التطبيع السياسي وعي الأمة بذاتها ويحولها لشعوب ودول مفتتة، ما يفسد كل محاولات وحدة الأمة ونهضتها وبناء مشروعها الحضاري الجامع.
9. يقيد التطبيع قدرات الأمة ويغير عقيدتها الأمنية والعسكرية ويعيد صياغة شبكات علاقاتها وصولاً لتحول الدول المطبعة إلى أدوات للاحتلال.
10. يهدد التطبيع مع الكيان الصهيوني نمط حياة الأمة وقيم شعوبها واتجاهاتها وولاءاتها، وثقافة المقاومة والاستقلال بالاضمحلال والزوال.
11. التطبيع مع الكيان الصهيوني هزيمة نفسية وإقرار بتفوقه قيمياً وحضارياً وثقافياً، ومقوض لروح الأمة وعقلها وفكرها ووجدانها
12. التطبيع مع الكيان الصهيوني يزور حقائق التاريخ ويزيف الوعي ويبدد الإرث الثقافي العربي والإسلامي"
خطوات واسنراتجيات لمواجهة التطبيع
ونظرا لخطورة تداعيات ومضاعفات التطبيع فلا بد من التصدي لهذه الظاهرة بكافة أشكاله وحججه في فلسطين والدول العربية والإسلامية، لا سيما في الدول التي تقيم علاقات ديبلوماسية واقتصادية وأمنية مع الكيان الصهيوني. علينا ان ان نعي ب:
“إن مقاومة التطبيع واجب شرعي ومسؤولية إنسانية حضارية تقع على عاتق شرائح المجتمعات العربية والإسلامية والإنسانية بشخصياتها ومؤسساتها وتجمعاتها كافة، كل له دوره الخاص والفاعل والمؤثر في مقاومة التطبيع
1. إن بيان الحكم الشرعي للتطبيع مع الكيان الصهيوني واجب العلماء، وإن التقاعس عنه كتمان للعلم.
2. إن من أمانة الكلمة التي استحفظ عليها العلماء الربانيون تفنيد مسوغات التطبيع باسم السلام والصلح.
3. مدافعة المشروع الصهيوني والتخلي عن المعاهدات معه واجب الحكام والحكومات حفاظاً على عقيدة الأمة وشريعتها ومقدساتها.
4. إن تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ومساءلة المطبعين وتقنين مقاطعة الكيان الصهيوني واجب دستوري قانوني على القضاء والمؤسسات التشريعية والمنظمات الحقوقية.
5. قيادة مشروع المقاومة واجب الحركات والأحزاب والجماعات الوطنية والإسلامية لما تملكه من امتدادات نخبوية وشعبية.
6. يجب على المفكرين والمثقفين والإعلاميين وقادة الرأي أفراداً ومؤسسات تعرية التطبيع والمطبعين وتشكيل الرأي العام المقاوم للتطبيع.
7. الجاليات العربية والإسلامية عليها واجب كبير في التصدي للكيان الصهيوني والتخلي عن دعمه.
8. يجب على الشباب أن يكون طليعة في مقاومة التطبيع مع الصهاينة بالوسائل اللائقة به.
9. إن تشكيل رأي عام نسائي رافض ومحافظ على هوية الأمة ومقدساتها واجب المرأة.
10. إن تربية الأبناء وتنشئة الأجيال على مقاومة التطبيع من الواجبات المنوطة بالأسرة ومؤسسات التعليم."
غير إن نمو الحركات التطبيعية وآلياته الاختراقية يحتم علينا استضافة فلسطين في الآني والآتي، وفي الحال والمال، وفي الوجدان والبرهان. ويكون ذلك عبر تبني جملة من الإستراتيجيات الفعالة، التي يمكن أن تتضمن:
1- إعادة إشعال فلسطين في الفكر والحياة، ففلسطين هي لنا بكل الأدلة والبراهين. لا يسوغ لنا البتة الرضا بخفوت فلسطين وجعلها قصية عن تفكيرنا وهمومنا اليومية. إنها جزء أصيل من تحدياتنا الحضارية ذات الاستحقاقات الكبيرة.
2- إعادة تضمين فلسطين في المنهاج الدراسي في مختلف المراحل بشكل أقوى؛ بكل حمولاتها الدينية والتاريخية (إسلاميا ومسيحيا) والجغرافية والسياسية والفكرية. وتتأكد هذه المسألة بالنظر إلى ضعف ارتسام فلسطين في الخارطة الذهنية لدى الأطفال الصغار والشباب اليافع في كثير من الأقطار العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة (وهذه المسألة تستحق أبحاثا معمقة). 3- إحياء "أدب فلسطين"، وتأسيس جوائز قيمة لكل المبدعين في هذا المجال؛ شعرا ونثرا وقصصا، ونشر نتاجهم الإبداعي، وترجمته وإنتاج الأفلام والأعمال الدرامية والفنية المختلفة.
"فلسطين هي قضية وجودية لنا، وهي قلب القضايا العربية والإسلامية وجوهرها، ولن يزيدها الوقت إلا تجذرا في العقل والوجدان والضمير، ويتوجب علينا دفع الاستحقاقات الحضارية الواجبة؛ لفلسطين اليوم، وفلسطين الغد"
4 - إحياء الإعلام والفن المقاوم، وتبني برامج متنوعة ودائمة، لجعل فلسطين -بكل حمولاتها وأبعادها- في بؤرة التفكير والاهتمام والاشتغالات السياسية والفكرية والبحثية والتنموية، مع التوسل بتنوع المواد المطروحة توخيا لمناسبتها لكافة الشرائح المستهدفة. وأشدد هنا على توسيع هوامش مشاركة الأطفال والشباب الفلسطينيين في الأعمال الفنية والبرامج الإعلامية، فقد لاحظنا تأثيرها الكبير.
5- استغلال الثورة التقنية والمعلوماتية بشكل ذكي، ومن ذلك تحسين الاستخدام لشبكات التواصل الاجتماعي وتصميم تطبيقات الأجهزة الذكية ونحو ذلك.
6- تقديم طروحات بحثية وفكرية وسياسية متماسكة حول مخاطر التطبيع وآثاره مرحليا وإستراتيجيا، مع تضمينها للأبعاد الواقعية والاحتمالات المستقبلية، وبيان التكاليف الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية على الدول المطبعة. 7- السعي لبلورة خطاب عالمي مقنع وبسيط في محاولة للوصول إلى شعوب الأرض والتأكيد على أحقية قضية فلسطين وأخلاقيتها. ويندرج ضمن هذا الخطاب التأكيد على أن العرب والمسلمين لا يكرهون اليهود وإنما الصهاينة المحتلين لفلسطين، فالكره سياسي وليس دينيا. 8- حصر الادعاءات والمزاعم التاريخية والسياسية والدينية التي من شأنها خلق معلومات مغلوطة واتجاهات سلبية تجاه فلسطين قضية وشعبا، والرد عليها بقوالب بحثية فكرية أدبية إعلامية فنية ملائمة.
9- إجراء بحوث ميدانية ودراسات مسحية للتعرف على خارطة الأفكار التطبيعية وفق الفئات والشرائح ومصادر التأثير المختلفة، وتحديد السبل الناجعة لمقاومتها وإضعاف انعكاساتها السلبية. 10- تبني الطروحات المشددة على ضرورة تعامل الحكومات العربية مع فلسطين على أنها قضية أساسية مركزية وجودية، وليست "قضية جيران تعرضوا للظلم، ويحتاجون بعض الدعاء والمساعدة. وعلى هؤلاء الجيران أن يقدروا الضيافة، وأن يعلموا أن للمساعدة حدودا" (محسن صالح، فلسطين، ص 496).
ارسال نظر