«الأمة بين المذهبية و الطائفية»
الأستاذ عبدالله الشريف حسن الحسني
الأمين العام للمجلس الأعلى لأشراف الصومال
ورئيس جمعية الإحسان الخيرية
ألف – الحالة الطبيعية : التعامل الطبيعي بين المذاهب
1ـ عوامل نشوء المذاهب
حرية الاجتهاد
ان مرتبة الاجتهاد في أي علم تعتبر من أعلى مراتب الخوض في قضاياه.. وهي تتطلب الوعي والاحاطة والتمكن في الموضوع المستنبط.. وبما ان الإنسان كائن مفكر.. وبغض النظر عن استقامته وانحرافه في التفكير والاستدلال.. فهو يسبق أعماله في الغالب.. تفكير واستدلال.. وفي بعض الاحيان مناقشة ذاتية يقوم بها بينه وبين نفسه أو مع الآخرين في الاقدام على عمل أو الاعراض عنه.
والاجتهاد في الإسلام، كما في جميع الديانات والمذاهب، لاينطلق من فراغ فليس ثمة شيء يبنى على لاشيء.. ان الاجتهاد في الإسلام، اما ان يكون في المسائل التي يمكن ان تدرج تحت حكم شرعي فيه نص، واما ان يكون في مسائل لانص فيها.. وفي هذه الحالة تكون المصلحة العامة التي تقتضيها ظروف العصر هي المرجع... وجوهر الإسلام وتعاليمه هي الموجه... وقد كان الاجتهاد ضرورة في حياة المسلمين منذ ان انقطع الوحي عن حياتهم.. وانقطع حديث الرسول وآل بيته(ص) والصحابة(رض).. وكان لابد ان يلتجئ المسلمون إلى الاجتهاد في ما يستجد من حياتهم من مسائل وأحوال لا يعرفون الحكم الشرعي فيها.. بل ان هناك مجالات لا يتناولها نص خاص بشكل محدد ومباشر.. وهناك عقول متحجرة جمدت على أحكام قرون وعقود مضت.
فالاجتهاد كان ولازال يخوض معركة مع أنصار التقليد والجمود والتخلف.. فالذين يفتون في الدين، يرتضون تفسير الدين.. والتحدث باسم الإسلام والشريعة.. إلاّ انهم ينسون ان لا أحد يدعي امتلاك الحقيقة.. صحيح ان الاجتهاد اختصاص للبعض من الفقهاء.. ولكن الفقهاء القدماء والمعاصرون يحتاجون إلى أدوات معرفية جديدة لاستباط الحكم الشرعي وتحليل الحدث التاريخي.. فالفقه وعلوم الكلام اللذان يلم بهما الفقيه في استنباط بعض الاحكام يلم بهما غيره من الباحثين والمثقفين.. والفقيه يحتاج إلى مواكبة حركة العصر والإلمام بكل ما يحيط بالعلوم العصرية والإنسانية التي تدعم موقفه في مسألة معينة.. ان الحضارة الإسلامية اغتنت بغيرها من الحضارات، وهي سعت إلى ذلك.. ونحن ننسى دائما ان حرية الاجتهاد التي كانت سائدة في القرون الأولى من الحضارات الإسلامية هي التي أسست للنهضة العلمية الكبيرة التي خدمت الإنسانية.. وعند ما لجأنا إلى قفل باب الاجتهاد قضينا على التقدم العلمي الذي يطلب حرية الاجتهاد وحتى في الشأنين السياسي والثقافي، فان حرية الاجتهاد هي أم الحريات.. وقد كان للشيخ المفيد ولابن رشد في القرن الحادي عشر الدور الكبير في فتح باب الاجتهاد.. ويمكن ان ينظر إلى كتابي (مقالات) و(فصل المقال ما بين الحكمة والشريعة من اتصال) على انهما بيان سياسي اتخذ طابعا أيديولوجيا يهدف إلى التشريع لإعادة باب الاجتهاد بعد ان أغلق عند الكثير من المدارس الإسلامية باستثناء الإمامية.. بل ان الخطاب الديني في تلك الفترة هيمن على سائر التعابير الثقافية الأخرى.. إلاّ ان الاجتهاد ملازم لاحتمال الخطأ، أيا كانت نسبته ودرجته ونوعه. والفرق ان النبي وغيره أن الخطأ الاجتهادي إذا حصل من المعصوم فان الوحي يبادر إلى التنبيه والبيان.. وأما خطأ سائر المجتهدين فمتروك للنقد والمراجعة من المجتهد نفسه.. ومن معاصريه.. وممن يأتون بعده.. ولذلك فخطأهم قد ينتشر كثيرا، وقد يعمر طويلا، قبل ان يقع تصحيحه وتركه.. وقد يبقى محل احتمال وأخذ ورد.. وقد يتمسك به رغم كوارثه على الإسلام والمسلمين.. ومثال ذلك الاجتهادات التي تقسم العالم إلى دول كفر.. ودول ايمان.. وذبح من لا توافق أفكاره.. أفكار مدرسة إسلامية أخرى.. وهي فتاوى واجتهادات، بعيدة عن جوهر الدين.. ولغة التسامح والمحبة الموجودة في الكثير من تعاليمه.. فالعلاقة بين النص والمصلحة.. والنص والواقع.. تشكل حيزا أساسيا في الفكر الإسلامي المعاصر وأكثر انسجاماً مع معالم المرحلة الحديثة من مراحل الجدل العلمي الإسلامي والأفكار الأخرى.. وقد تفاعل معها الكثير من الفقهاء المعاصرين والمثقفين الإسلاميين وغيرهم.. نطمح إلى اجتهاد واعٍ مستفيد من العصر الذي يحيا ويعيش فيه.. ناهل من علومه ومتفاعل مع قضاياه.. ومتفهم لمشكلاته.. ثم رائد متطلع إلى مستقبل أفضل لإنساننا ومجتمعاتنا.. ومنسجم مع مجتمعات أخرى تنشد السلام والمحبة والأخوة للبشرية جمعاء..
الحديث في الدين بغير علم وادعاء القدرة على الاجتهاد من الظواهر التي برزت مؤخرا في مجتمعاتنا، خاصة من جانب الباحثين عن الشهرة وأصحاب المصلحة الذين تسببوا في إثارة البلبلة وإشاعة الفوضى تحت شعارات التيسير والضرورات تبيح المحظورات. وبالرغم من أن الإسلام لا يعرف الحجر على الحريات وخاصة الفكرية ويؤكد حرية الرأي، وأن باب الاجتهاد مفتوح أمام الجميع، فإن التساؤلات التي تطرح نفسها بقوة تتركز حول معالم حرية الاجتهاد المكفولة في نظر الإسلام، وهل هناك ضوابط تضمن إلاّ يتحول هذا الاجتهاد إلى فوضى وفرقعات إعلامية الهدف منها افتعال القضايا والرغبة في الشهرة ولفت الانتباه على حساب ثوابت الإسلام وقيمه؟!
يوضح الدكتور مبروك عطية، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الاجتهاد المعاصر يعانى العديد من الإشكاليات أهمها أنه قد يتعرض للخطأ إذا صدر من أهله بشروطه أو للانحراف إذا صدر من غير أهله أو غلب فيه الهوى أو لم يستفرغ الفقيه وسعه في معرفة الحكم الشرعي. ويضيف أن من مشكلات الاجتهاد أيضا الغفلة عن النصوص بسبب سوء الفهم أو تحريفها عن مواضعها والإعراض عن الإجماع المتيقن والقياس في غير موضعه وتجاهل واقع العصر والغلو والتشدد في اعتبار المصلحة ولو على حساب الشرع، وما يزيد المشكلة أن بعض الأدعياء يتخذ من الاجتهاد فرصة للبحث عن الشهرة ويعتبره وسيلة للفت الانتباه، حتى ولو كان ذلك عن طريق التلاعب باللفظ أو أحكام الشرع. ولذلك يريدون أن يكون الاجتهاد على إطلاقه دون ضوابط أو قيود بحجة مسايرة العصر.
مفهوم الاجتهاد
وللاجتهاد مفهوم وقواعد محددة يعلمها أهل الاختصاص كما يقول الدكتور جعفر عبدالسلام -الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية- موضحا إن الاجتهاد هو استفراغ الوسع في أي عمل كان، وفي الفقه هو بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط، ولذلك كان الإمام الشافعي -رضي الله عنه- يقول على أن المجتهد لا يقول في المسألة لا أعلم حتى يجهد نفسه في النظر فيها ولم يقف، أي على علم بحكمها، كما أنه لا يقول أعلم ويذكر ما علمه حتى يجهد نفسه ويعلم. ويؤكد أن التوصل للحكم بطريق الاستنباط لا يكون إلاّ لفقيه والمراد بالفقيه المتهيئ للفقه الممارس له الذي يتقن مبادئه، بحيث يقدر على استخراج الحكم الشرعي من القول إلى الفعل وليس من يحفظ الفروع الفقهية فقط ولا يعرف مقاصد الشرع. وأوضح أنه يجب أن يكون المجتهد على علم كاف بالقواعد الشرعية وبالنصوص وبالكليات والجزئيات، وأن تكون الغاية من الاجتهاد إقامة الدين وتحقيق مصالح الناس على أساس أحكام الشرع وسياسة الدنيا بالدين وألا يكون المجتهد صاحب غرض أو هوى ويطوع النصوص دون مراعاة للشرع.
تحرير عقلية المسلم
ويلفت إلى أنه لابد أن يكون المجتهد من ذوي العلم والتقوى الذين لا يخافون في الله لومة لائم، كما ينبغي إلاّ يتعصب المجتهد لجماعة أو لحزب أو لطائفة أو مذهب بحيث يكون متجردا في فتاواه وأحكامه، وأن يلتزم بمنهج الإسلام الذي يرسي الوسطية والاعتدال ويسعى لتحرير عقلية الإنسان المسلم من المذهبية الضيقة أو الاتجاهات السياسية أو الإقليمية التي لا تنتهج الموضوعية وتتصادم من ثوابت الأمة ولا يقرها الإسلام.
ويوضح الدكتور جعفر عبدالسلام أن الفقه الإسلامي وضع من الوسائل والأساليب ما يضمن له دائما أن يساير أحداث الزمن وتمكن العلماء من إعداد الكثير من القواعد والوسائل التي تساعد على تجديد أحكام الفقه الإسلامي في مجال الأحكام الظنية على وجه الخصوص، وهي الأحكام القابلة للاجتهاد والتجديد ومنها قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان وقاعدة أن الحكم الشرعي يدور مع علته وجودا وعدما، مبينا أنه يوجد باب واسع للاجتهاد هو باب المقاصد والمصالح المرسلة ويسمح باستخراج أحكام شرعية تبنى على مقاصد الشارع في حفظ الأنفس والأموال والأعراض وأيضا فقه السياسة الشرعية الذي يعطي لولي الأمر حق الاجتهاد لمواجهة المشكلات التي تستجد في حياة الناس ويدير شؤون الدولة بناء على ذلك.
شريعة حضارية
إن الشريعة الإسلامية شريعة حضارية بناءة تصلح لكل زمان ومكان لأنها تعمل على مصلحة الفرد والمجتمع، ولذلك تعطي كل إنسان الحق في أن يعبر بحرية بشرط إلاّ يجلب الضرر لنفسه أو لأبناء مجتمعه فالإنسان حر ما لم يضر. ويقول إن الوضع يختلف بالنسبة للمسائل الشرعية والأمور العامة، خاصة فيما يحتاج إلى اجتهاد، فإن ذلك ينبغي أن يرجع فيه إلى العلماء المتخصصين الورعين الذين يستنبطون الأحكام من الأدلة الشرعية فلا يخالفون نصا من كتاب الله أو سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهؤلاء هم الذين تتوفر فيهم شروط الاجتهاد.
شروط الاجتهاد
أنه من لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد لا يجوز له أن يقحم نفسه في أمور هو في الغالب لا يفهمها أو لا يفهم نتائجها المرجوة، فكيف يجتهد من لا يحفظ القرآن أو من لا يكون عالما بالسنة أو الناسخ والمنسوخ أو المطلق والمقيد أو العام والخاص أو لا يكون عالما بالقواعد الأصولية أو القواعد اللغوية، فهذه كلها أدوات المجتهد وغيرها من الأدوات التي يعتمد عليها كل فقيه حينما تعرض عليه مسألة. ويشير إلى أن الصحابة مع علمهم وقدرتهم على الاجتهاد لتتلمذهم جميعا في مدرسة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا يتجرأون على الفتوى أبدا، بل كانوا يحترزون وكان السائل مثلا يأتي سيدنا عبدالله بن عباس وكلنا يعرف منزلته وقدرته على استنباط الأحكام من مصادرها الصحيحة، فكان يقول للسائل: اذهب إلى من هو أعلم مني، اذهب إلى زيد بن ثابت. ويذهب السائل إلى زيد بن ثابت فيقول له اذهب إلى عبدالله بن عمر ثم يحيله بدوره إلى عبدالله بن مسعود ويحيله كل واحد إلى غيره حتى يجد السائل نفسه قد عاد إلى عبدالله بن عباس فيجد نفسه مضطرا إلى إجابته.
التجرؤ على الفتوى
ويقول د. صبري عبدالرؤوف إن هذا لم يكن عن عدم دراية من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-وإنما كانوا لا يحبون التجرؤ على الفتوى لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار››. وفى بعض الأحيان قد يمتلك الإنسان وسائل الاجتهاد، لكنه يريد مخالفة غيره لفصاحة لسانه وقوة بيانه، وذلك من باب «خالف تعرف» فمثل هذا لا نقبل منه فتوى لأنه يشترط في العالم المجتهد أن يكون ورعا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: «واتقوا الله ويعلمكم الله»، فتقوى الله مطلوبة قبل العلم، لأن العلم أمانة ولا يعطى لكل إنسان، وينبغي على الناس أن يستفتوا العالم الورع الذي لا يخشى في الله لومة لائم، وإلا أصبحت الأمور فوضى.
إن الاجتهاد من السمات الجليلة التي تنفرد بها الأمة الإسلامية، ولأن رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية ومنهجه متكامل يدعو إلى تحقيق المصلحة والابتعاد عن المفاسد ويرفض التحجر والتقوقع وتعطيل مصالح الناس وعدم التفاعل مع الحياة ومستجداتها أقر الإسلام الاجتهاد واعترف بدور العلماء المجتهدين في النظر ودراسة المستجدات والوقائع وردها إلى القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية، وخاصة الأمور بمقاصدها والمشقة تجلب التيسير، وأن الضرر يزال، والعادة محكمة، وغيرها من القواعد والضوابط المهمة التي تعين في الوصول إلى الحكم الشرعي.
الاجتهاد ضرورة
إن أئمة الفقه والعلماء حرصوا على وضع شروط وضوابط يجب تحققها في المجتهد، كما حددوا نوعية القضايا التي يسوغ فيها الاجتهاد، وخاصة أن هناك الكثير من القضايا التي تفرزها ظروف الواقع المعاصر وتعقيداته في كافة المجالات والمجتمعات الآن تموج بكثير من المستجدات والنوازل جعلت الاجتهاد ضرورة خاصة في المسائل المستجدة كمجالات الطب والاقتصاد والأسرة وفي العلاقات الدولية وغيرها.
اختلاف المباني
تعقد الحياة و الحاجة إلى استنباط الاحكام الشرعية لها
إن الله سبحانه وتعالى أرسل نبيه محمداً ليكون للعالمين نذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنزل عليه الكتاب بالحق ليبين للناس ما نُزِّل إليهم ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً، وجعل شريعته خاتمة الشرائع إلى يوم الدين، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين: ?ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين?، الأحزاب:40. فكان الناس ـ على اختلاف أجناسهم و ألوانهم، وتباعد أقطارهم وتباين لهجاتهم ـ مكلفين بإتباع هديه والتزام طريقه: ?وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً? سبأ: 28. وكان ? المنقذ للإنسانية من غيابات الجهل ومن وهدة الضلال والعمى إلى العلم والمعرفة والإيمان والهدى: ?وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين? الأنبياء: 107.
وكانت هذه الشريعة جامعة مانعة مهيمنة على الشرائع كلها، لا تحتاج إلى زيادة ولا تعديل: ?اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً المائدة: 3. كما كانت هذه الشريعة متضمنة لكل خير، منزهة عن كل شر، ليس فيها إلاّ ما يصلح أمور العباد في داري المعاش والمعاد، لأنها شريعة الخالق إلى المخلوق، فهي طريق العابد إلى المعبود: ?وإنه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد? فصلت:41، 42. ولقد حفظ الله سبحانه هذه الشريعة من أن تنالها أيدي التغيير والتبديل، أو تعبث بها أهواء الزائغين والمضللين بالتحريف والتأويل، أو يطمع ذو مرض أو هوس أن يطمس معالمها ويستأصل شأفتها: ?إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون? الحجر: 9.
كما جعل الله تعالى هذه الشريعة هي منهاج الحياة، وأوجب على الإنسانية جمعاء أن تسير على وفقه في شتى مرافق حياتها، حتى تضمن السعادة الخالدة، فتحقق الحياة الفضلى في دنياها، وتكفل النعيم والنجاة في أخراها:? وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءاً غدقاً? الجن: 16. وكان في اتباع هذه الشريعة الهداية والنور: ?فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى? طه: 123. وكان في الإعراض عنها التعاسة والشقاء والبؤس والفناء: ?ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى? طه:124. ولهذه المعاني كلها ـ وغيرها مثلها كثيرـ اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، تكفل للناس الحياة المثلى، مهما تباعدت بهم الديار، واختلفت فيهم الأقاليم ومضت فيهم الأجيال، فترعى مصالحهم في كل حين وآن بما يجلب لهم النفع ويدفع عنهم الضر والفساد، وتضفي عليهم اليسر، وترفع عنهم الحرج والعسر في كل شأن من شؤونهم وحال من أحوالهم: ?يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر? البقرة: 185.? وما جعل عليكم في الدين من حرج? الحج: 78. وهذا من شأنه أن تكون هذه الشريعة ـ بأحكامها وتشريعاتها، وقواعدها وتقنيناتها، وأصولها وفروعها ـ مرنة مرونة الحياة، ومتسعة اتساع الكون، ليتمكن الناس من العمل بها، والسير على هديها والالتزام بحكمها، وهي شريعة الله المنزلة وآياته المحكمة وقرآنه المعجز، لا تداخلها الجاهليات المختلفة في حكم من أحكامها أو شأن من شؤونها: ?فماذا بعد الحق إلاّ الضلال? يونس: 32.
فكانت هذه الشريعة متعددة المصادر، متنوعة المدارك، لاستنباط ما يصلح حياة الناس من الأحكام التي تحقق مقاصد الشريعة في الخلق كما أرادها الخالق جلت حكمته. ومن هنا كانت المرونة، وكان الاتساع، وكانت الملائمة لكل زمان ومكان وكل شأن وحال. فلقد كانت هذه المرونة في كتاب الله تعالى المنزل على رسوله المصطفى?، وهو أصل الأصول في هذه الشريعة، والغاية التي تنتهي إليها أنظار المتبصرين، ومدارك أهل الاجتهاد والاستنباط، ليعرفوا حكم الله تعالى في كل حادثة ونازلة، وها هي القاعدة الأصولية تقرر بأن (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور)، فقلما تحدث حادثة، أو تنزل نازلة إلاّ ونجد في السنة المطهرة الحكم الشافي والبيان الوافي لها. وهكذا كانت المرونة والاتساع في شرع الله تعالى لعباده في كتابه المنزل، وسنة نبيه المختار، صلوات الله وسلامه عليه.
ومن بدهي القول أن وحي الله قد انقطع، وأحاديث رسول الله قد توقفت بقبض رسول الله وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، وعلى الرغم من ذلك إلاّ أن كتاب الله لا يزال يمدنا بالأحكام الشرعية لما يتجدد من تصرفات فيها جلب مصالح العباد وخيرهم، ودفع غوائل الشر والفساد عنهم، وكان هذا الفضل من الله فيما أرشدت إليه نصوص القرآن، ودلت عليه السنة المطهرة من إجماع أهل الحل والعقد، وذوي الخبرة والفهم في دين الله، عندما تقع واقعة أو تحدث حادثة، يعوزهم أن يجدوا لها نصاً صريحاً في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه ?، يدلهم على حكم الله تعالى فيها، فيجتمعون يتلمسون المستند لها في شرع الله بتداول الرأي وتقليب وجهات النظر، استرشاداً بقوله تعالى: ?وأمرهم شورى بينهم? الشورى: 38. ثم يجمع رأيهم على حكم شرعي يصبح بعد الإجماع عليه حكم الله تعالى في هذه الحادثة لا يجوز لأحد أن يخالفه، التزاماً بقوله تعالى: ?ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً? النساء: 115. والأمة لا تحتاج إلى حكم شرعي في الحادثة إلاّ إذا كانت ذات شأن في حياتها، ولها صلة بأمور معاش الناس التي يريدونها مطية لمعادهم، وعلماء الأمة المخلصون ـ الذين يلتزمون شرع الله، ويريدون الصلاح للناس ـ لا يجمعون على حكم شرعي ـ سلباً أو إيجاباً ـ إلاّ إذا أيقنوا أن فيه تحقيق مقاصد الشرع من جلب النفع أو دفع الضر، ورعاية مصالح العباد. وهكذا نجد أن اعتبار هذه الشريعة إجماع المجتهدين من الأمة حجة في استنباط الأحكام، ومصدراً رئيسياً من مصادر التشريع، قد أكسب هذه الشريعة مرونة واتساعاً، يلازمانها ما قامت السموات والأرض، وما زال على الأرض أناس يتعاملون وعلماء مجتهدون يجتمعون ويجمعون، وما زالت حوادث تتجدد، ووقائع تتشعب، فالإجماع يمدنا بأحكام شرعية مستمدة من شرع الله تعالى ـ تصلح للزمن وتتناسب مع المكان ـ في كل تصرف وشأن، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. على أن الأمر قد يكون فيه حرج وعسر، لو كان لزاماً على الأمة ـ في كل حادثة تجد ـ أو على كل قاض ومفت ـ تعرض له فتوى أو قضاء لا يجد لها نصاً في كتاب الله تعالى ولا في سنة نبيه ـ أن يجمع لذلك علماء الأمة، أو يحصل على رأيهم فيها. ولو كان الأمر كذلك لارتبكت الأمة في شؤونها وفاتها الكثير من المنافع، وربما سارت في تصرفاتها على غير هدى من كتاب الله وسنة نبيه ?، وكان أمرها فرطاً. ولذلك اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون هذه الشريعة أكثر واقعية عما يتصور في كل تشريع لم يكن نابعاً من فيض الله الحكيم، فأرشدت إلى كل ما فيه صلاح ونهت عن كل ما من شأنه الفساد، وكان مما أرشدت إليه ودلت عليه: أن يلجأ المجتهد المتبصرـ في فتواه وقضائه ـ إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه ?، فإن لم يجد ضالته، عمد إلى ما أجمع عليه من سبقه من العلماء المجتهدين والأئمة المتقين، فإن لم يجد لم يقف مكتوف الأيدي حائراً تائهاً يترك الناس في ضياع، بل يعمل فكره ويشحذ ذهنه ويسبر أعماق النصوص والأحكام ليتعرف فيها على العلل والمناسبات، فإذا تجلى له الأمر ألحق الحادثة التي بين يديه بأقربها شبهاً، وأكثرها مناسبة مما نص على حكمه أو انعقد عليه الإجماع: ?كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب? ص: 29.
وهكذا كان القياس مصدراً رئيسياً وأصلاً من أصول التشريع الإسلامي، يستمد منه الفقيه أحكام الحوادث والوقائع، استرشاداً بقول الله تعالى: ?فاعتبروا يا أولي الأبصار? الحشر: 2. وإذا كان القياس مصدراً من مصادر التشريع، فأجدر به من مصدر يضفي على هذا التشريع مرونة ما بعدها مرونة، ويكسبه صلاحية ـ لمختلف أطوار الحياة، وتقلب الحقب والأجيال، مع بعد القارات وتنائي الديار، لا تدانيها صلاحية، فما أكثر الأحكام المنصوص عليها و المجمع فيها، والتي يتمكن المجتهد أن ينظر فيها ويلحق بها ويقيس عليها، وليس من مغالاة القول: إنه ما من حادثة قائمة أو يمكن أن تحدث إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ـ ورغم ما نجده من كثرة الاختراع وتطور الحياة وتعقد المعاملات ـ إلاّ ويستطيع العلماء العاملون والفقهاء الموفقون: أن يجدوا حادثة منصوصاً أو مجمعاً على حكمها، يمكنهم بأدنى جهد أن يقيسوها عليها ويلحقوها بها في الحكم، ثم تأخذ حكمها شرعياً، وتكون من جزئيات التشريع الإسلامي بعد أن كانت خارجة عنه.
وهكذا نجد أن الشريعة الإسلامية بمصادرها الأربع هذه ـ والمتفق على اعتبارهاـ مستغنية عما سواها، كفيلة بسد حاجات الزمن وتطورات العصر مما يحتاجه إلى تشريع وتقنين. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ازدادت هذه الشريعة مرونة واتساعاً وتلاؤماً بما اهتدى إليه الأئمة المجتهدون ـ بمجملهم ـ من المصادر التبعية، التي كانت موضوع هذه الرسالة، وقد رأينا مدرك كل إمام فيها، وما أرشده إلى القول بكل منها أو عدمه. والمهم في هذه الخاتمة أن نشير إلى ما كان لاعتبار هذه الأدلة ـ على الإجمال ـ مصادر من مصادر التشريع الإسلامي من أثر بيِّن في إعطاء هذه الشريعة المرونة الكافية، التي تجعلها أكثر صلاحية لكل زمان ومكان أكثر من ذي قبل، إذ إنه من بدهي القول أن التشريع ـ أي تشريع ـ كلما كثرت مصادرة وتعددت وتنوعت كلما كان أكثر مرونة واتساعاً، وبالتالي أكثر صلاحية للأجيال و بقاءً. لاسيما وأن هذا التعدد والتنوع إنما كان حفاظاً على المقاصد الأساسية التي بنى التشريع أحكامه على صيانتها، والإبقاء عليها سلباً وإيجاباً، لأن في هذه المقاصد صلاح المعاش والمعاد. ولسنا بحاجة إلى إعادة تفصيل القول في هذه الأدلة، لبرهان على ما أثمرته من مرونة واتساع، فقد رأينا كيف أن القول بالاستحسان عدل من غلو القياس ـ على رأي القائلين به ـ وأمدَّ التشريع الإسلامي بكثير من الأحكام الشرعية التي ربما وقف ظاهر القياس عائقاً دونها، وأوقع الناس في حرج وضيق، فكان الاستحسان ذاك المخرج الحسن والمتسع المشروع. وكذلك فعل الاستصلاح، حيث أغنى الفقه الإسلامية بكثير من الأحكام الشرعية، لعديد من الحوادث التي فيها جلب منفعة أو دفع مفسدة، لم يشهد لها شاهد بالاعتبار أو الإلغاء، وإنما شهد لها ما فيها من الحكمة المترتبة عليها سلباً أو إيجاباً.
وأما القول بمذهب الصحابي ـ على ما عرف بيانه ـ فغني عن البيان ماله من أثر في مرونة التشريع، واتساع في الأحكام الشرعية، فالصحابة ذوو الاجتهاد والعمل ـ والذين يحتج بقولهم من يحتج ـ قد كثرت فتاواهم وتنوعت قضاياهم، وهم الذين فتحوا الآفاق وانتشروا فيها، وحدثت أيامهم الحوادث وتتالت الوقائع مما ليس فيه نص ـ وخاصة أنهم فتحوا بلداناً لها وقائعها وحوادثها مما يختلف عما ألفوه ـ فتعددت اجتهاداتهم وتنوعت مداركهم، واختلفت قضاياهم حسبما فهموا من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ?، وأصول الشريعة ومنهجها في تشريع الأحكام، وهم الذين تربوا في مدرسة الوحي والنبوة، وتخرجوا من دوحة القرآن والسنة، وهكذا فقد أغنت اجتهاداتهم وفتاواهم وقضاياهم التقنين الإسلامي، بحيث قلما نجد حادثة إلاّ ولأحدهم اجتهاد فيها أو في مثلها.
وأما العرف والقول به فناهيك به من مصدر خصب فياض، يكسب التشريع تلاؤماً مع كل بيئة وزمن، ولا يترك التشريع جامداً غريباً ـ في كثير من أحكامه ـ عما يألفه الناس ويتعارفونه، بل يجعلهم على صلة دائمة بمصادره الأصلية وينابيعه الأساسية، مع المحافظة على رعاية مصالح الناس ورفع الحرج عن تصرفاتهم، إذ إن الناس لا يتعارفون إلاّ ما هم في حاجة ماسة إليه، وما هو أساسي في حياتهم. وقل مثل هذا في الاستصحاب، فالأصل في الناس براءة ذمتهم، والأصل في الأشياء الإباحة، فيبقى الناس في سعة وبحبوحة، ما دام لم يقم دليل على التزام الفعل أو تركه، فإذا قام الدليل على الفعل أو الترك كانت السعة والبحبوحة فيما قام عليه دليل الشرع. وفي هذا أيضاً مرونة واتساع ملحوظان في التشريع.
ونستطيع أن نقول مثل هذا أو قريباً منه في كل دليل من بقية الأدلة التي فصلناها في هذه الرسالة، وقد رأينا شيئاً من هذا عند بحث كل دليل وبيان أثره. والمهم أننا نرى في هذا التنوع والتعدد لمصادر التشريع مرونة واتساعاً وتلاؤماً، حيث إن المجتهد الفقيه ـ مفتياً كان أو قاضياً أو حاكماً ـ يسعه فيما إذا عرضت له قضيةـ كما يسع الأمة إذا حدثت حادثةـ أن يستنبط الحكم الشرعي لها بناء على هذا الدليل أو ذاك، طالما أنه دليل معتبر لدى إمام من الأئمة له ـ على اعتباره ـ حجته واستدلاله، بغض النظر عن مخالفة غيره له أو موافقته فيه، نظراً منه إلى ما يتلاءم مع ظروف الأمة وحاجات الزمن، وما يتطلبه جلب النفع للناس أو دفع المفسدة عنهم، رعاية لمصالحهم وتحقيقاً لمقاصد الشارع فيهم.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد أن هذا التعدد للأدلة وهذا التنوع للمصادر نتج عنه كثرة كاثرة من الفروع الفقيهة والمسائل الاجتهادية، التي كان لها حكم شرعي بناء على اعتبار هذا الدليل أو ذاك، وبرأي هذا الإمام أو غيره، وهذا بلا شك مرونة واتساع من شأنه أن يجعل التشريع متلائماً مع حاجات الزمن واختلاف الأحوال، و لا غضاضة أن هذا القول متفق عليه أو مختلف فيه، إن التشريع إنما ينظر إليه بمجموع ما فيه من نظريات وآراء وأحكام، وقواعد وأسس، سواء ما كان منها محل وفاق أم محل اختلاف، ولا ينظر إلى التشريع برأي إمام أو اجتهاد فقيه، فمهما كان الحكم مختلفاً فيه لا يخرج عن كونه حكماً شرعياً من أحكام التشريع من حيث الجملة، يسع الأمة ـ بعلمائها الأتقياء العارفين ـ أن تختار هذا القول أو ذاك حسبما يتلاءم مع الزمن وما يرجحه لديها من قرائن وأحوال، ولا حرج في ذلك ولا خروج عن طوق الشرع وحكمه، إذ لم يقل أحد من الأئمة المجتهدين، ولا من العلماء ذوي الفقه والفهم في الدين: إن الأمة بأجمعها ملزمة بمذهب إمام أو قول عالم أو رأي فقيه، بل إن الأئمة أنفسهم رفضوا مثل هذا ولم يرضوه لأنفسهم، فضلاً عن أن يقولوا به. فهذا الإمام مالك رحمه الله تعالى يأتيه أبو جعفر المنصور يقول له: قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها فتنسخ، ثم أبعث في كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم بأن يعملوا بما فيها ولا يتعدوه إلى غيره. فقال: يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورددوا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وأتوا به من اختلاف الناس، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم.
فنصوص الكتاب والسنة لها أصالتها وحصانتها، فلا مساغ للاجتهاد عند مورد النص، وما ثبت من حكم شرعي بنص صحيح وصريح فهو حكم ثابت وشرع محكم لا يتغير ولا يتبدل، ولا يجوز لأحد أن يخالفه مهما تغير الزمن وتبدلت الأحوال وادعي من المصلحة بمخالفته ما ادعي، لأن المصلحة ثابتة فيما شرع الله لعبادة أو سنه رسول الله ? لأمته، والمفسدة في مخالفة أمرهما. وما لم ينص عليه صريحاً في كتاب أو سنة فهناك قواعد وضوابط ـ مستوحاة من الكتاب والسنة أنفسهماـ على أساسها تفهم النصوص وتستخرج الأحكام. ثم الاجتهاد ـ جماعياً كان أو فردياً ـ لا يكون أبداً إلاّ إذا فقد النص الصريح، وله أيضاً قواعده وضوابطه: فلا بد في الإجماع من مستند شرعي يعتمد عليه، مع ما اشترطه العلماء من شروط وقيود استوحوها من الكتاب والسنة، ليصبح الإجماع حجة ويكون حكمه ملزماً.
وللقياس ـ أيضاً ـ أركانه وشروطه، وضوابطه وقيوده، وأسسه وقواعده حتى يكون مُعْتبراً ومَدْركاً من مدارك الأحكام.
وكذلك رأينا ـ عند بحث أبواب هذه الرسالة ـ كيف أن كل دليل من الأدلة التي بحثت كان له شروط وقيود حتى يكون حجة معتبرة لدى من يقول به، فلا يخرج عن جوهر الشريعة وأصالتها، فلا عبرة بكل ما يصادم نصاً تشريعياً أو أصلاً متفقاً عليه من أصول الشريعة، سواء كان المصادم مصلحة أم استحساناً أم عرفاً أم غير ذلك، وسواء كان ظاهره جلب منفعة أم دفع مفسدة، لأن المصلحة فيه عندئذ تكون وهمية طالما أنه يصادم نصاً شرعياً ثابتاً، أو أصلاً من أصول التشريع.
وحسبنا دليلاً على هذا أن القائلين بسد الذرائع إنما حملهم على القول به خوفهم من التلاعب على أحكام الشريعة، أو الوصول إلى العبث فيها، باتخاذ ما هو حلال من حيث الظاهر والأصل وسيلة إلى ما هو ممنوع ومحرم، فقالوا بسد الذرائع احتياطاً في شرع الله، مع أن الأمر لا يعدو ـ في الغالب ـ قيام شبهة في القصد، فما بالك إذا كان القصد صريحاً، والتحريم لما أحل والتحليل لما حرم مقصوداً وجريئاً؟.. ويدعي أنه المصلحة وحاجة الزمن؟.. فلا شك أنه مرفوض ومردود، والقول به فسوق ومروق، يخرج به مستحلة عن الإسلام، ويخلع عنه ربقة الإيمان، خاصة إذا كان معلوماً من الدين بالضرورة، كالقول بحل الربا، أو استباحة الخمر، أو خروج النساء كاسيات عاريات مائلات مميلات بحجة أن العرف قد جرى بهذا، أو أن المصلحة تقتضي ذاك، فالحق أنه لا مصلحة في مخالفة شرع الله، وإنما هي المفسدة والأهواء والضلال، تسيطر على النفوس المريضة كما سيطرت على أتباع الشرائع السابقة، فضلوا وأضلوا، وأضاعوا شرع الله تعالى ودينه المنزل عليهم، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، فلعنهم الله على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون. أما وأن هذه الشريعة خاتمة الشرائع فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يحفظها ويصونها، فقيض لها ـ في كل حين وزمن ـ علماء مخلصين ومجتهدين عالمين وطائفة بالحق ظاهرين، أنار قلوبهم لفهم دقائق هذه الشريعة وأسرارها، فهم يمحصون ويدققون، ويقعدون القواعد ويؤصلون الأصول، ويدفعون عن شرع الله تعالى ويكافحون، لتبقى شريعة صافية نقية، مصونة كما أرادها: ?وإنه لكتاب عزيز* لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد? فصلت: 41، 42.
2ـ ضمانات الاستمرارية التعامل الطبيعي بين المذاهب
انضباط الاجتهاد
ولقد أثبت التاريخ أن الكثير من الفقهاء عدلوا عن فتاوى وأحكام كانت لهم في بعض المواطن وأفتوا على خلافها, ليس لأنهم تبينوا الصواب بعد الخطأ، أو الدليل بعد عدمه, أو وهبوا الفطنة بعد الغفلة, بل لتغير الظروف وتباين الأوضاع, وذلك تحقيقاً لمبدأ الاجتهاد الذي يقوم أساساً على الرؤية الواضحة والرصد الدقيق للثوابت والمتغيرات المتعلقة بمحل الاجتهاد.
فالظروف الجديدة المحيطة بالواقعة محل الاجتهاد لا يمكن إلغاؤها أو التقليل من أثرها في الحكم, لأنها قد تخرج الواقعة عن مناطها العام إلى مناط خاص تتحكم في صياغته الظروف الجديدة، ويترتب على ذلك أن الحكم الاجتهادي إنما يستمر بذاته وصفته إذا تطابقت الظروف الملابسة له, ولا يمكن أن يستمر عند اختلافها وتغايرها وذلك حتى نضمن تحقق المقصد التشريعي للحكم.
وهذا ما دعا الإمام الشاطبي إلى الجزم بأن النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً, فكون الأحكام الشرعية محققة لمقاصدها من اللوازم الشرعية التي يجب أن يتحرى تحقيقها المجتهد, ولقد كان المجتهدون في تاريخ الفقه الإسلامي على التزام كبير بذلك.
انطلاقاً من هذه الرؤية التي تسعى إلى ضرورة الاستدعاء الواسع للمقاصد في مجال الاجتهاد عظم شأن المقاصد الشرعية في الأبحاث الأصولية المعاصرة.. فضبط دلالة المقصد في مجال الاجتهاد موضوع يبسط ضفافه على واقع المسلمين بمختلف جوانبه وتعدد اهتماماته.
سريان روح الأخوة والوحدة
شهد تاريخنا الإسلامي الطويل الكثير من المعارك والنزاعات الفكرية والمذهبية التي أحدثت شروخاً في السلم المجتمعي، وأوجدت نوعاً من الاحتراب الأهلي، وكان العامل السياسي وراء قسم كبير منها، حيث كانت بعض القوى الداخلية والخارجية، تغذي هذه الصراعات وتدفع باتجاهها لإشغال جمهور الأمة عن قضاياهم الأساسية، ولاستنزاف قواهم فيما بينهم، حتى لا يتحدوا مقابل تلك القوى المهيمنة، أو الراغبة في التسلط. وكان التعصب المذهبي، بما يعني من سعي لفرض الرأي، ورفض للرأي الآخر، هو الأرضية لتلك النزاعات والصراعات. أما تعدد المذاهب، واختلاف الآراء، فتلك حالة طبيعية لا مناص منها، ولا ضير فيها، ما لم يصحبها التعصب البغيض، وممارسة الاستبداد والإرهاب الفكري.
وقد تعافت أمتنا الإسلامية من كثير من جراحات الخصام الفكري والمذهبي التي أصابت كيانها في غابر التاريخ، كالصراع بين الجبرية والقدرية، وبين المرجئة ومخالفيهم، وبين الأشاعرة والمعتزلة، وما نتج عنها من نزاع حول خلق القرآن أو قدمه، وكذلك النزاعات بين المذاهب الفقهية، كالخلاف بين الأحناف والشافعية، وبين الحنابلة والأحناف، وبين الشافعية والحنابلة. هذه الصراعات التي كانت حادة في قرون سابقة، تجاوزتها الأمة، وأصبحت مجرد حوادث وذكريات في التاريخ، وآراء ومسائل في الكتب، لها بعض الآثار الفكرية والاجتماعية في الامتدادات الحاضرة لتلك المذاهب والمدارس.
لقد بقي الخلاف السني الشيعي كأوسع ثغرة في جدار وحدة الأمة الإسلامية، تنفذ منه رياح الفتن، وتتسلل مطامع الأعداء ومؤامراتهم. وقد تحرك العلماء المصلحون من السنة والشيعة مطلع هذا القرن، لسدّ هذه الثغرة الخطيرة المتبقية من ثغرات الخلافات الكلامية والفقهية. وكان من مظاهر هذا التحرك الإصلاحي تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة في الخمسينيات، وإنتاج خطاب وحدوي يؤكد القواسم المشتركة، ويحرر محل النزاع ضمن إطار الخلاف الاجتهادي عقدياً وفقهياً.
وبفضل ذلك التحرك المبارك، المشار اليه اعلاه، أمكن التخفيف من حدة الخلاف بين الفريقين بشكل عام، ونشأت علاقات إيجابية طيبة بين جهات واعية من الطرفين، بل حصل التعاون في مشاريع مشتركة لخدمة المصلحة العليا للأمة، مما عزز الأمل بإمكانية تجاوز الأمة لهذه المشكلة في هذا العصر، ليس على أساس تنازل أحد الطرفين عن شيء من قناعاته للآخر، وإنما على أساس الضوابط التالية:
* الإقرار بجامعية الإسلام للطرفين.
* الاحترام المتبادل.
* اعتماد نهج الحوار في قضايا الخلاف.
* تفعيل التعاون في خدمة المصلحة العامة للإسلام والمسلمين.
لكن بعض البؤر الساخنة على خط الخلاف السني الشيعي، أربكت هذه المسيرة، وأضعفت حركتها، وفي طليعة هذه البؤر: التشنج القائم في العلاقة بين السلفيين (الوهابية) والشيعة.
فالمدرسة السلفية (الوهابية) تمثل تياراً نشطاً في أوساط أهل السنة، وهو الأكثر امتلاكا لأدوات التأثير. ويمتاز هذا التيار غالباً بالصرامة في الموقف تجاه الرأي الآخر، لذلك كان معارضاً لدعوة التقارب والتقريب بين السنة والشيعة. وقد نشر الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري أخيرا دراسة حول (مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة) تقع في مجلدين، طبعت أكثر من مرة، وانتهى فيها إلى أن «دعوة التقريب هي البدعة الكبرى التي أرادت أن تعطي الكفر والضلال والإلحاد صفة الشرعية واسم الإسلام، وقد سببت دعوة التقريب خسارة كبرى لأهل السنة، وضرراً كبيراً لا يتصوره إلاّ من وقف على عدد القبائل التي رفضت بجملتها، فضلاً عن الأفراد...».
وهذا كلام غريب يكشف عن أن سبب معارضة التقارب هو الخوف من تأثير الشيعة على جمهور أهل السنة، ولماذا لا يحصل العكس؟! فالأقليات هي التي تخشى عادة من الذوبان في محيط الأكثرية إن لم تحصّن نفسها بأسوار العزلة والانغلاق. لا شك أن هناك وضعاً خطيراً تواجهه الأمة الإسلامية في هذا المقطع الزمني، لا نظير له فيما سبق من تاريخها، والتيار السلفي هو في قلب دائرة هذا الوضع الخطير، باعتباره جزءاً من الأمة، ولأن بعض الممارسات والمواقف المنسوبة إليه، هي التي أنتجت هذه التداعيات الخطيرة، مما جعله في طليعة المستهدفين، دولياً وإقليمياً. هذه المعادلة إلاّ تستدعي من هذا التيار إعادة النظر في علاقاته ومواقفه من سائر الأطراف والجهات في ساحة الأمة؟ إن مما لا يشك فيه عاقل أن حال التشنج والنزاع داخل الأمة، يضعف قدرتها على مواجهة التحديات العاصفة، كما يتيح الفرصة للأعداء كي يلعبوا بأوراق هذا النزاع، لذلك فإن مدّ يد التعاون والتحالف من قبل السلفيين للأطراف الإسلامية الأخرى، هو من أولويات ما يدعو إليه العقل والشرع. أليس من المثير للدهشة والاستغراب أن نرى تسارع خطوات التقارب والتنسيق بين اليهود والمسيحيين، وهم أهل ديانتين متناقضتين متصارعتين، بينهم خلاف عقدي عميق، وصراع تاريخي طويل، لكنهم يتجاوزون كل ذلك، ويتعاونون تجاه ما يرونه خطراً مشتركا، بينما نعجز نحن المسلمين عن تجاوز خلافاتنا، والاقتراب من بعضنا، ونحن أهل دين واحد، ونبي واحد، وبيننا هذا القدر الكبير من الجوامع والقواسم المشتركة، ونواجه التحديات والأخطار العاصفة؟!
بغض النظر عن الجانب السياسي، والمصلحة المرحلية التي يقتضيها الظرف القائم، فإن مسألة الموقف من الرأي الآخر، قضية تستحق إعادة النظر والمراجعة، من قبل السلفيين، فالمرجعية الثابتة هي الكتاب والسنة، أما آراء فقهاء السلف فهي مع الاحترام لهم، اجتهادات قابلة للأخذ والردّ، ولعل المراجعة المباشرة لنصوص الكتاب والسنة، من قبل السلفيين (الوهابيين) المعاصرين، تفتح أفقاً جديداً في تغيير وتعديل هذا الموقف الصارم من الرأي الآخر. هذا على مستوى الحكم. لا بديل عن التعايش مهما كانت إشكاليات بعضهم على بعض.
فالتعايش هو الخيار المنطقي الصحيح، ولا بديل عنه إلاّ التفريط بمصلحة الإسلام، وتمزيق وحدة الأمة، ومساعدة الأعداء على نيل أطماعهم ومآربهم. ينبغي الكف عن فتاوى التكفير، وخطابات التحريض التي قد تصدر من البعض، واستبدالها بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، كما أمر الله تعالى في محكم كتابه.
ويجب أيضا أن تكون روح الأخوة والوحدة والتعاون الخالص من أجل نصرة ديننا الحنيف وسد الثغرات التي يمكن للأعداء أن ينفذوا منها، ومن أجل سريان مثل هذا الروح في جسد الأمة أمر ضروري في كل المراحل، إنها برأيي مسألة إستراتيجية لامناص منها، ولذلك يجب تجييش كل الآليات التي تساعد هذا الإتجاه كوضع مناهج تربويه ترضع أطفالنا وفتياننا هذا الروح منذ نعومة أظفارهم.
تأصل روح الحوار القرآني
ويعتبر المذاهب الإسلامية تنوّعاً في دائرة الوحدة، اي هي اجتهادات في الإطار الكلي للإسلام ولا يجوز تسفيه اي مذهب لمجرد اختلافه عن المذاهب الاخرى، أو وضعه في خانة الأعداء لمجرد انه لا يقول بخصوصيات هي بمثابة قناعات لمذهب آخر... ولذلك لا بد للقائمين على شؤون الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية من ان يقوموا بتثبيت الأمة على المنهج الحواري الذي يمتد في ايجابياته إلى كل نواحي الحياة العامة في الساحة الإسلامية. وهنا يجب التعاطي مع الإسلام كإسلام باعتباره أولوية الأولويات واعتبار الشهادتين حصن المسلم ودرعه لأي مذهب انتمى، ويترتّب على ذلك ما يترتّب للمسلم من حرمة لماله وعرضه ودمه، وما إلى ذلك.
وربما كان من الضروري ان نتعرّف على أسلوب الحوار في القرآن. ففي الدائرة العامة، نجد ان المنهج القرآني يخرج من دائرة الذات إلى آفاق الفكرة، وهذا المنهج يمثل القمة الموضوعية العقلانية التي يحترم فيها المحاور القرآني المحاور الآخر. والتركيز على المنهج القرآني العقلاني الحواري الذي يؤكد على احترام الآخر الذي قد يلتقي معنا في فكر مشترك والدعوة إلى مواقع اللقاء بيننا وبين الآخر، ليس المسلم فحسب، بل أي إنسان يمكن ان يكون بيننا وبينه قواسم مشتركة في المبادئ والقيم حيث تلتقي الأديان مع الإنسانية عامة.
إننا نعتقد ان هذا المنهج الحواري هو الذي يؤكد الانفتاح الإنساني في الواقع الإسلامي الذي يؤسس لروحية اللقاء على الارض المشتركة الأمر الذي قد يخلق مناخا تصالحيا يقرب بين المشاعر ويؤسس لذهنية الوحدة، وينشئ روح السلام والحرية والمحبة بين أتباع المذاهب المختلفة، وهذه مهمة حضارية يجب ان يناط بعلماء الأمة ومثقفيها القيام بها من موقع الحب والإلتزام والمسؤولية.
وضوح معايير الإيمان والكفر، الفسق، الابتداع
التوسع في الدراسات المقارنة
ودراسة الاختلافات الفقهية في القضايا الفرعية تحقق غايتها في التقريب إذا نهضت على الدعائم الثلاث التالية:
أ ـ التسليم بأن اجتهادات الفقهاء وآراءهم ليست شرعاً واجب الاتباع، وإنما هي فهم بشري لنصوص الشريعة وقواعدها العامة، ولهذا تحتمل الصواب والخطأ، وليس لها صفة الثبات والخلود.
ب ـ كان من وراء اختلافات الفقهاء في القضايا الفرعية أسباب علمية تشهد للأئمة بالحرص البالغ على تحري الحق والصواب، كما تشهد لهم بالعقلية الفاحصة، والنظرة الثاقبة، والفهم الواعي للحنيفية السمحة وما جاءت به من تشريعات صلح عليها أمر الدنيا والآخرة. والوقوف على تلك الأسباب في دراسات هذه الاختلافات يقضي عليها بالتقويم الموضوعي الذي لا يعرف الإفراط أو التفريط.
ج ـ الاقتناع بأن أئمة الفقهاء لم يتعصبوا لآرائهم، ولم يدع واحد منهم أنّ اجتهاده هو الصواب وحده، ولذا كان كلّ منهم يحترم رأي غيره، ويطبقه وإن لم يكن قد قال به، سداً لباب الاختلاف، وتأكيداً على أنّ كلّ الآراء يجب أنّ تلقى التقدير بدرجة سواء.
إذا قامت دراسة اختلافات الفقهاء على هذه الدعائم فإنها تنتهي ـ لا محالة ـ إلى أنّ هذه الاختلافات لا تمثل عقبة في طريق التقارب، فهي آية من آيات الحرية الفكرية في الإسلام، ومصدر من مصادر الثروة الفقهية التي تعتزبها الحضارة الإسلاميّة، وأنها لم تكن في عصر الأئمة سبباً للشقاق والعداء، بل كانت محل تقدير الجميع وإنصافهم، فلماذا أصبحت على أيدي أتباع المذاهب ميداناً للتنابز والتفاخر والتخاصم والتدابر ؟ وكان ينبغي أنّ تظل كما كانت في عصر الأئمة، لا تفرق كلمة الأمة، ولا تباعد بين طوائفها، ولا تفسد للود قضية بينها.
إنّ أتباع المذاهب أضفوا على تلك الاختلافات قداسة ليست لها، وأنزلوها منزلة لا ترقى إليها، ومن ثم كان تعصبهم ورفضهم العمل بكل ما يخالفها ولو كان نصاً شرعياً ـ ما دام أئمتهم ـ لم يأخذوا به، مع أنّ كلّ الأئمة أجمعوا على أنّه إذا صح الحديث فهو مذهبهم ويجب أنّ نضرب بأقوالهم عرض الحائط.
إنّ احترام وتقدير الاختلافات الفرعية في الفقه الإسلامي شيء، وأن تكون هذه الاختلافات صخرة تسد طريق التقارب شيء آخر، ودراستها في ضوء تلك الدعائم سيضعها في موضعها الصحيح، ويرجعها إلى أسبابها العلمية، فلا نراها شرعاً ملزماً، ولا نرى في مخالفتها مروقاً من الدين أو ابتداعاً فيه، فلا يتعصب أحد لها، ويعذر بعضنا بعضاً فيها.
ثالثا: إذا كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره، وإذا كان الأمر كما يقال: إنّ من جهل شيئاً عاداه، وإذا كان منهج الإسلام الدقيق يقوم على التثبت من كلّ خبر ومن كلّ ظاهرة ومن كلّ حركة قبل الحكم عليها مصداقاً لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً) إذا كان الأمر كذلك فإن كثيراً من مظاهر التعصب والازورار بين أتباع المذاهب مردها إلى أنّ أتباع كلّ مذهب جهلوا ما لدى غيرهم بوجه عام، وحصروا أنفسهم في دائرة المؤلفات المذهبية الخاصة، يدرسونها ويرونها وحدها الزاد الفقهي الذي يغني.
والنتيجة الحتمية لهذا الانكماش الفقهي هو القناعة بأن ما لدى المذهب من آراء هي: الدين الذي لا يجوز لأحد أنّ يفرط فيه أو يخالفه، ويترتب على هذا تبادل التهم بين أتباع المذاهب، وزعم كلّ طائفةٍ أنها على الحق دون سواها.
وقد تنبه لهذا الخطر قديماً بعض الفقهاء وحذروا منه، منهم: الإمام الشاطبي (ت: 790هـ) في كتابه الأصولي الرائع "الموافقات" قال: (إنّ تعويد الطالب على أنّ لا يطلع إلاّ على مذهب واحد ربما يكسبه ذلك نفوراً وإنكاراً لكل مذهب غير مذهبه ما دام لم يطلع على أدلته، فيورثه ذلك حزازة في الاعتقاد في فضل أئمة أجمع الناس على فضلهم وتقدمهم في الدين، وخبرتهم بمقاصد الشارع وفهم أغراضه).
وقال الإمام أبو شامة (ت: 665 هـ): (ينبغي لمن اشتغل بالفقه أنّ لا يقتصر على مذهب إمام، ويعتقد في كلّ مسألةٍ ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا أتقن معظم العلوم المتقدمة، وليجتنب التعصب، والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة فإنها مضيعة للزمان ولصفوه مكدرة).
إنّ التقارب لابد أنّ يقوم على فهمٍ وفقه، ولا تكفي لبلوغه العواطف الجياشة والمشاعر الطيبة، ولذا كانت الدراسة العلمية ومعرفة الآراء من مصادرها الأصيلة هي سبيل الفهم الصحيح الذي يرد كثيراً من الأخطاء، ويسدد الخطوات على طريق التقريب الصحيح.
رابعاً: ويساعد على إزالة جفوة الجهل بين أتباع المذاهب والانكباب على مؤلفات المذهب دون غيرها والوقوف على الآراء والاجتهادات في التراث الفقهي كله مراعاة ما يلي:
أ ـ التوسع في الدراسة الفقهية المقارنة، وبخاصة في الجامعات.
ب ـ تعدد اللقاءات والندوات العلمية بين الفقهاء.
أما التوسع في الدراسة الفقهية المقارنة بحيث تشمل كلّ المذاهب المعتبرة فإنها تكشف عن مناهج الفقهاء وأصول مذاهبهم، وأسباب الاختلافات بينهم، وتبين مدى أوجه الالتقاء والتواصل بين هذه المناهج، وهل هي أقوى من أوجه التباعد والتعارض ؟ كما تبين أنّ أسباب الاختلافات بعيدة كلّ البعد عن الأهواء، وأنها تخضع لمقاييس وموازين علمية.
وفضلاً عن هذا، تعد الدراسة المقارنة أكثر جدوى في الموازنة بين الآراء، وتحليل القضايا وتمحيصها ما دامت تخضع للقواعد المنهجية في البحث، وأنها بهذا تربي ملكة الاستنباط والاجتهاد، وتبين أي الآراء أقرب إلى الحقيقة، وأيها أقرب إلى تحقيق مصالح الناس، وأيها أحق اتباعاً).
والأمر الثاني لا يقل أهمية عن الدراسة المقارنة؛ لأن في تلاقي الفقهاء وما يجري بينهم من حوار ومناقشة بالتي هي أحسن في شتى القضايا ـ ولا سيما تلك التي تختلف فيها المذاهب ـ سيذيب جليد الوهم والارتجال في الأحكام والأخذ بالشائعات، وعدم التفريق بين الطوائف المعتدلة وتلك التي غالت وأسرفت، وبذلك يعرف فقهاء المذاهب بعضهم بعضاً معرفةً علمية موضوعية، فلا يبقى هناك مجال للظن والشبهة والأحكام السطحية والفروض الواهية، فتتوثق الصلات، وتخف ـ إنّ لم تزل ـ آثار التعصب.
إنّ الدراسة المقارنة وعقد الندوات واللقاءات بين الفقهاء تتيح للأمة أنّ تنتفع بالتراث الفقهي كله، وتنظر إليه نظرة شاملة، فهو ملك لها، ومن ثم لا تتعصب لتراث مذهب دون آخر، وتستمد من كلّ هذا التراث ما تسترشد به في علاج كثير من مشكلاتها المعاصرة في ضوء الشريعة الغراء.
اكتشاف المساحات المشتركة
التقريب بين آراء العلماء من السنّة والشيعة، وإيقاف بعضهم على آراء البعض الآخر بشكل أوضح، والبحث عن المساحات المشتركة بين السنّة والشيعة في مجال الفقه وفي مجال الحديث وأصول الفقه بل في مختلف مجالات المعارف الإسلامية وهي كثيرة، ويكفي أن المرحوم محمد المبارك وهو من الشخصيات العلمية المرموقة أخبرني بأنه وجد حوالي 95% من المساحة الفقهية مشتركة بين قائل شيعي وقائل سنّي، وهناك بعض النظم الإسلامية لا اختلاف فيها مطلقاً كالنظام الأخلاقي الإسلامي حتى أنَّ أحد علماء الشيعة وهو المرحوم الفيض الكاشاني علّق على كتاب المرحوم الغزالي في الأخلاق »إحياء العلوم« وصاغ هذا التعليق بشكل »إحياء الإحياء« وبالتالي لا أجد أية مساحة يختلف فيها الشيعة والسنّة في الجانب الأخلاقي، ونبحث عن الأحاديث المشتركة وعن الرواة المشتركين بينهما، ونُعنى كثيراً بتقريب وجهات النظر، ونسعى لنقل هذا الفهم من طائفة النخبة إلى الجماهير لأنّ المقصود أن ينظر المسلم الفرد في أي مكان إلى أي مسلم آخر بنظرة الأخوة ويشعر السنّي بأن الشيعي أخوه وأنه يجب أن يتخذ معه موقفاً واحداً تجاه القضايا المهمة ويشعر كذلك الأمر الشيعي بنفس الشعور والهدف أيضاً أن تُهدم الجدر النفسية والتاريخية القائمة بين أتباع التشيُّع وأتباع التسنُّن ويبعث فيهم روح الأخوّة والمحبة وأذكر هنا أنه مرّت فترات في تاريخ التسنُّن كان العداء بين المذاهب الأربعة وأتباعهم عداءً مستحكماً ولكن عقلاء القوم وعلماءهم عملوا على حذف هذه الحالات الاستثنائية، وأذكر هنا أن الإمام الطوفي كان يركِّز على المصالح المرسلة ويعتبرها أصلاً من أصول الفقه ويقدِّمها حتى على النصوص وهو ينقل أن النزاع بين الحنفية والحنابلة مثلاً في بعض المناطق كان نزاعاً مستحكماً حتى لو أن حنفياً دخل إلى منطقة حنبلية في منطقة گيلان فإنه سوف يُقتل، أو أن الحاكم في منطقة ما وراء النهر كان يمر وهو حنفيٌ على مسجد الشافعية ويقول: أما آن لهذه الكنيسة أن تُهدَم. هذا العداء بحمد اللَّه ارتفع ولا يشعر السنّي اليوم بوجود فرق بينه وبين من يتّبع المذهب الآخر.
والقاعدة الذهبية التي نتبعها في مسائل المذاهب هي أن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، ونحن نؤمن بهذه القاعدة ونعمل على تطبيقها.
3 ـ النتائج الإيجابية للتعامل المذهبي
تنوع النظريات والحلول
إن التنوع المذهبي يؤكد صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان، وأنه يغطي مصالح الإنسان في الدنيا والآخرة، ويلبي حاجات البشر مع اختلاف الأجناس والأقوام، وأن الاختلاف والتنوع رحمة بالأمة . ويعتمد التنوع المذهبي على فتح باب الاجتهاد بدءاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أن تقوم الساعة، ويتأسس على توفر العقل والفكر والرأي والإرادة والاختيار للإنسان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر الاجتهاد، فقال عليه الصلاة والسلام : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر " هذا الحديث أخرجه البخاري 6/2676 رقم 6919، ومسلم 12/ 13 رقم 1716، وغيرهم. وترجع أسباب التنوع المذهبي إلى أسباب الاختلاف والحقائق المهمة فيها، وأن الاختلاف في التشريع أمر طبيعي ومنطقي، ويرجع للاختلاف في الأمور الجبلية بين الناس، والاختلاف في اللغة ودلالاتها ومعانيها، واختلاف البيئات والعصور والمصالح في الأزمان والأماكن، والاختلاف في فهم المراد من النص الظني الدلالة، والاختلاف في علوم السنة وثبوت الحديث، والاختلاف في قواعد الاجتهاد والاستنباط، وغير ذلك من الأسباب التي تفرض الاجتهاد، وتؤدي إلى الاختلاف والتنوع المذهبي، وتعدد الآراء واٌلأقوال.
إن التنوع المذهبي والفقهي سبب موضوعي ومنطقي لتنوع النظريات والحلول الملحة لمشكلات الأمة، إنها تقدم علمي حضاري لهذه الأمة الإسلامية دون غيرها، ولذلك يجب أن تكون هذه النتيجة العلمية محل تقدير الجميع بدلا من جعلها سببا للفرقة والتناحر والتنابز بالألقاب الغير لائقة في المسلمين.
فاعلية الاجتهاد وتحركه الاجتماعي
من النتائج الإيجابية للتنوع المذهبي فاعلية الاجتهاد، ذلك أن التنوع المذهبي يجعل فقهاء الإسلام يبذلون أقصى الحدود في تفعيل قدراتهم بالنسبة للاجتهاد بما يعود نفعه إلى المجتمع، ومن ثم يجد الناس فسحة كبيرة في ممارساتهم الدينية، ويجدون حلولا علمية تستند إلى الكتاب والسنة المطهرة، ولهذا ينبغي ان يرى الناس بهذا التنوع نعمة منّ الله عز وجل على هذه الأمة الكبيرة.
تقوية الدور الحضاري للمسلمين
مما لا شك فيه أن المسلمين لعبوا أدوارا متعددة في تشكيلة العالم من جديد، مند فجر الإسلام وحتى آخر يوم من خروجهم من جوهرة العالم في زمانها (الأندلس)، وهم الدين أخدوا النور الإلهي المبين بقلوبهم ونشروه في كل بقعة من بقاع العالم وطئت فيه أقدامهم، حيث نشروا العلم وأقاموا الحصون وابتكروا الكثير من العلوم المادية والشرعية والأدبية مما ينفع الناس في دنياهم وأخراهم، وساهموا في المسيرة الإنسانية ما يفوق التصور حينها، في يوم كانت فيه أوروبا منغمسة في جهل وجهالة وحماقة ووحشية وتخلف من كل النواحي.
والفقه الإسلامي كان جزءا من تلك الحضارة الشمولية التي إمتدت رقعتها من من جاكرتا إلى القصر الحمراء في غرناطة الأندلسية، ومنه نتجت المذاهب الإسلامية بل إنها فيض رباني منَ الله بها هده الأمة المجيدة .. الأمة الإسلامية .. والمذاهب الإسلامية مظهر من مظاهر الرقي الفكري العلمي الذي تتمتع هده الأمة وتعكيس لحضارتها العريقة بقدر ما هي تمثل لونا من ألوان سعة هدا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان، لدلك يجب تفعيل هدا المشروع الذي بدأه علماءنا الأجلاء في القرون الأولى ودلك لمسايرة الزمان والتقدم العلمي والتكنولوجي الذي يجتاز بها العالم، إننا في حاجة ماسة إل فقهاء مجتهدين ورعين يبينون للأمة أمر دينها ويمشطون المسائل العويصة بالأدلة القرآنية والسنة النبوية، وهنا يبدو أهمية المذاهب الإسلامية وضرورتها في كل زمان ومكان، وأما ماحدث مؤخرا من التعصب لهدا المذهب دون غيره أو إبعاده لدرجة محاربة أهله وتفنيدهم ونبدهم من الساحة، فهدا شأن العوام الدين هم عبء ثقيل على الأمة، فهؤلاء لاينبغي النظر إلى أقوالهم فهم سينتهون من حيث بدأت المسيرة في نهاية المطاف، طالما هناك جهود منظمة ومرتبطة بمنهج عملي مخطط يهدف إلى شمل الأمة وإعدادها نحو استعادة ريادتها العالمية كما كانت، وطالما هناك جهود مبذولة في تقريب وجهات نظر العلماء في السائل المتعلقة بالمذاهب الإسلامية! ومن هنا نستطيع تقوية الدور الحضاري للمسلمين من خلال الفقه المقارن وتقريب المذاهب الإسلامية
4 ـ نماذج تاريخية
تعامل الأئمة المؤسسين فيما بينهم
كان تعامل الأئمة المؤسسين مثالا للحب والأخوة وتبادل الاحترام والتواصل الدائم فيما بينهم، وهاهو الإمام الشافعي رحمه الله بشأن الإمام أبي حنيفة: (الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه)، وقال محمد بن بشر رحمه الله: (كنت أختلف إلى أبي حنيفة وإلى سفيان، فآتي أبا حنيفة فيقول لي: من أين جئت؟ فأقول: من عند سفيان. فيقول: لقد جئت من عند رجل لو أن علقمة والأسود حضرا لاحتاجا إلى مثله. فآتي سفيان فيقول: من أين جئت؟ فأقول: من عند أبي حنيفة. فيقول: لقد جئت من عند أفقه أهل الأرض)، والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: (ما زلنا نلعن أهل الرأي ويلعنونا حتى جاء الشافعي فأصلح بيننا)، فقد ورد عن ابن سماعة، أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: ما صليت صلاة مُذ مات حماد إلاّ استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علماً، أو علمته علما.
وأما موقف الإمام أحمد بن حنبل من آل بيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في عصره كموقف الأئمة الأربعة وموقفنا جميعاً وهو حب آل البيت والانتصار لهم كما قال الإمام الشافعي عندما اتُّهِمَ بالتشيع:
(إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان إني رافضي) ومن المعلوم أنَّ أبا حنيفة كان متشيِّعاً إن صح التعبير لآل البيت ( أي كان يحبهم و يقف معهم إذا تعارضوا مع الخليفة في عصره )
إن مما تميزت به عهودهم أن لم يكن أحد منهم يبغي على أحد مخالفيه، فلم يؤثر عن أبي حنيفة قول سوء في مالك مثلا، ولم يؤثر عن الشافعي الذي تتلمذ على يد مالك الذي خالفه في بعض الأمور أن اعتبر مالكا غير مجتهد أو فقيه، ولم يقف مالك موقف المتذمر من مخالفة تلميذه إياه، إن اختلاف الأعلام الأوائل كان رحمة لأمة الإسلام وأنهم ما كانوا لينتظروا من أحد أن يقلدهم أو يلزم قولهم. لقد تحول الاختلاف المحمود بين مؤسسي المذاهب الإسلامية إلى خلاف مذموم بين مقلديهم من الفقهاء بسبب التعصب للمؤسسين أو الغلو في الرأي. بينما كان المفروض أن تدوم تلك الحالة الطيبة التي كانت تدمة بين الأئمة المؤسسين، وينتقل الخلاف من حالة الخلاف المذموم إلى الاختلاف المحمود، الذي كان سائدا في عهد أساطين الفقهاء مؤسسي المذاهب الإسلامية.
لقد انبثق عن هذه المذاهب الإسلامية فقهاء آخرون ليسوا كالمؤسسين وبعضهم مقلد للأئمة المؤسسين، يتبعون قول إمامهم في ما يجد من أحداث فإن وجدوا لإمامهم المؤسس قولا أفتوا به، وإن لم يوجد له نص في المسألة قاسوا على ما أُثر عنه، أو نظروا إلى الأليق بقواعده الأصولية. إذا كان هذا حال الفقهاء المقلدين فإن العامة من مختلف المذاهب الإسلامية لن يرتضوا بديلا، ولن يبغوا عن منهج إمامهم حولا. لقد تحول الاختلاف المحمود بين مؤسسي المذاهب الإسلامية إلى خلاف مذموم بين مقلدي الفقهاء المؤسسين، وذلك بسبب التعصب للمؤسسين أو لأقوال أئمة المذاهب أو الغلو في الرأي، وتمجيد المذهب الموافق على حساب المذهب المخالف. إن الفقهاء المؤسسين لم يدخلوا في معمعة نسب الأفضلية والتفاضل وإنما كان هذا مسلك المقلدين والأتباع من عامة المسلمين. فمثلا إذا نظرنا المناظرات الدينية بين أتباع المذاهب، نجد أن المناظرات كانت في عصر أئمة المذاهب تتخذ طابع البحث العلمي الذي يهدف التوصل إلى النتائج من مقدمات منطقية، وتعتمد الأمانة والصدق والتعاون العلمي ورعاية أدب الاختلاف، والتي أعطت الفقه أفكاراً جديدة وبلورة وازدهار، إلاّ أن المناظرات في عهد تلاميذهم وخصوصاً في عصر التخلف والتقليد لم يكن الغرض منها تمحيص المسائل وإظهار الحق وإنّما محاولة إفحام الخصم. إنّ التعصب هو الذي أحال مناظرات كثير من الفقهاء إلى صراع جدلي لا يعرف الموضوعية أو الأمانة وإنّما يعرف قصد الغلبة والتظاهر بالعلم والفضل ففقدت مهمتها في تنمية الأفكار وتطويرها وأمست من عوامل ضعف الحياة العلمية وتعميق قوة الخلاف بين المذاهب الفقهية وتوهين روابط الوحدة.
تعامل علماء المذاهب فيما بينهم حواراً وتدريساً وتأليفاً وتعليقاً
فأمثلة التعامل بين علماء المذاهب المؤسسين منها: لقاء الإمام الشافعي بالإمام مالك وتتلمذه على يداه، حيث أدرك الشافعي ما عند مالك من علم واسع وأحب لقاءه ولكنه تهيَّبَ أن يرحل إليه قبل أن يأخذ من علومه شيئاً، فأقبل على الموطأ فحفظه غيباً ولم يكن يملك ثمنه فاستعاره وحفظه.
و خشيَ أن لا يستقبله الإمام مالك لحداثة سنِّه فلقد اشتُهِرَ عن مالك أنه رغم سماحته, و طيب خُلُقه كان صارماً في العمل ولا يبيح وقته للناس ولا يستقبل من يطرق بابه خلال راحته في داره, ولكن الشافعي الشاب المتوقد المتوهج المتعطش إلى غَرف العلم لا يشبع نهمه الجلوس في حلقات درس مالك في المسجد ولكنه يريد أن يتفرَّد بلقائه, فتوسطت له أمّه عند والي مكة، فأرسل معه رسالة إلى والي المدينة. فلما وصلت الرسالة إلى والي المدينة وقرأها قال:"يا فتى إنَّ مشيي من جوف مكة إلى جوف المدينة حافياً راحلاً أهوَن عليّ من المشي إلى باب مالك، فلستُ أرى الذل حتى أقف على بابه !", فقال الشافعي: أصلح الله الأمير، إن رأى الأمير يوجه إليه ليحضر, فقال الأمير: هيهات، ليت أني لو ركبت ُأنا ومن معي وأصابنا من تراب العتيق -حي يسكنه مالك- نلنا بعض حاجتنا, وواعده على الذهاب إلى مالك في وقت العصر, ويروي الشافعي فيقول: وركبنا جميعاً، فو الله لكان كما قال، لقد أصابنا من تراب العتيق فتقدم رجل منا فقرع الباب فخرجت إلينا جارية سوداء فقال لها الأمير: قولي لمولاكِ أني بالباب, فدخلت ثم خرجت فقالت: إنَّ مولاي يقرئكَ السلام و يقول إن كان لديك مسألة فارفقها في رقعة يخرج إليك الجواب و إن كان للحديث فقد عرفتَ يوم المجلس فانصرِف, فقال لها الأمير: قولي له إنَّ معي كتاب والي مكة إليه في حاجة.
فدخلت وخرجت وإذا بمالك قد خرج وعليه المهابة والوقار وهو شيخ طويل مسنون اللحية، فرفع الوالي الكتاب إلى الإمام مالك فطفق يقرأه فلما بلغ إلى هذا: إنَّ هذا رجل يهمني أمره وحاله فتحدثه ...وتفعل ... وتصنع .... فرمى مالك الكتاب من يده ثم قال: سبحان الله أو صار علم رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخّذ بالرسائل ؟! قال الشافعي: فرأيتُ الوالي قد تهيَّب أن يكلِّمه فتقدمتُ وقلت: أصلحك الله ... إني رجل مطلبيّ من بني المطَّلِب وحدَّثتُه عن حالتي و قضيتي فلما سمع كلامي نظر إليَ و كان لمالك فراسة فقال: ما اسمك ؟ قلت: محمد، فقال: " يا محمد إنه سيكون لك شأن وأي شأن، إنَّ الله تعالى قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بالمعصية, إذا جاء الغد تجيء مصطحباً معك ما تقرأ به ", وطلب منه أن يأتي بمن يقرأ له الموطأ لصغر سنه ولكن الشافعي جاءه في اليوم الثاني ومعه الموطأ وبدأ يقرأ عن ظهر غيب والكتاب في يده , وكلما قرأ قليلاً تهيَّب مالكاً وأراد أن يقطع ولكن أعجب مالك حُسن قراءته وإعرابه فقال: زد يا فتى، حتى قرأ عليه الموطأ في أيام يسيرة.
ولازم الشافعي مالكاً تسعة أعوام ولم ينقطع عنه إلاّ لزيارة أمّه أو لرحلة علمية و كان قد ذهب في بعض الرحلات إلى العراق وحصل ثروة من علم أبي حنيفة. إذا، هذه السنة الطيبة يجب أن تعود إلى أمتنا اليوم وهم اليوم أحوج ما يكونون إلى مثل تلك الأخلاق الجميلة، ليتعايشوا معا بسلم ووئام ويوجهوا أنظارهم نحو الخطر المحدق بهم. وهاهو الإمام محمد الباقر أنه قال: ((صلاح شأن الناس التعايش))،
ب: الحالة المنحرفة: الطائفية
1 ـ عوامل الاتجاه نحو الطائفية
دسائس أعداء الأمة
لم يعد خافياً كما ليس غريباً أن يتكالب الأعداء على الأمة العربية، لموقعها ووفرت خيراتها وتنوعها، وأرثها الحضاري، ولما تشكله من خطرٍ داهم ودائم منذ أن تسلحت هذه الأمة بروح الإسلام وتكلفت بحمل رسالته إلى الناس جميعاً، نورٌ يبددُ الظلمات، وطريقُ هدى لا يضل من سلكه أبدا، وبما تملكه من خصائص التوحد، التي تجعل منها كتلة بشرية وقدرة اقتصادية هائلة قادرة على تحقيق مالم تحققه أمم، خاصة وأنها تملك من الخصائص والامتيازات ما يؤهلها لدور كهذا، وقد حققته في سابق عهدها يوم ارتفعت رايات حضارتها على أقاصي الغرب والشرق.
وانسجاماً مع هذه الحقائق فإن ذاكرة التاريخ حافلة بالأحداث التي تُفرز قاعدة مفادها أن الغرب الكافر كلما تلمس في العرب المسلمين ضعفا غزاهم وحاول تمزيق شملهم، وتشتيت رأيهم، وتخريب منجزاتهم ليقطع تواصل البناء وتراكم خبراته، أما في الزمن القريب فلم تكن سايكس بيكو في السادس عشر من أيار عام 1916 ووعد بلفور في 2/11/1917 و سان ريمو عام 1920 نهاية المطاف، بل هي من المقدمات التي لابد من البناء على نتائجها، على ضوء الواقع الجديد، كل ما يحقق المزيد من شرذمة الأمة وتمزيق أوصالها بمختلف الوسائل والسبل وبما يلاءم الظروف الموضوعية التي تعيشها الأمة، وهي أيضاً بعضٌ مما أفرزته العقلية العدائية الصهيونية والصليبية، فقد سبق كل تلك الأحداث تمهيدات كثيرة، خلقت الأرضية التي عليها نُفذت تلك المشاريع المجرمة.
ومن بينها المؤتمر الدولي الذي دعت إليه بريطانيا في عام 1907م، التي كانت إحدى أهم معاقل الماسونية الصهيونية، والمؤتمرة بأمرها، والذي شاركت فيه كل من فرنسا وايطاليا وأسبانيا وهولندا وبلجيكا والبرتغال، وهي في حينها أذرع الامبريالية الاستعمارية، لتدارك الخطر العربي المسلم، بالعمل على تفكيك الوطن العربي وتجزئته، وفصل الجزء الأسيوي عن الأفريقي بمانع، هو عبارة عن كيان يتم الإعداد لزرعه في القلب، وهو الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، لسبب طالما ردده ساستهم منذ قرون طويلة، " ان الخطر الذي يهدد الاستعمار الغربي يكمن في البحر المتوسط، والذي يقيم على سواحله الشرقية والجنوبية شعب واحد يتميز بكل مقومات الوحدة والترابط، وبما في أراضيه من كنوز وثروات، تتيح لأهلها مجال التقدم والرقي في طريق الحضارة والثقافة".
ولا شك أن الاستعمار له أيضا أهداف يعمل على تحقيقها بدعم الصهيونية الامبريالية، ومن أهمها بث فتنته الطائفية بين المسلمين كوسيلة أساسية في تمزيق أوصال الأمة وتدمير أساسيات قوتها، ليتمكن فيما بعد من الاستفادة من كنوزها وخيراتها، ولا يألوا جهدا في إثارة وتحريك النعرات الطائفية والعرقية بين أبناء المسلمين كما حدث في العراق ولبنان وغيرها من إثارة الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة وكما كان مخططاً له أن يحدث في مصر من إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والنصارى وتغذية تلك الفتن وإيقادها متى خمدت!
تحريكات الحكومات ومصالحها الضيقة
ولا شك أن الحكومات قد تلعب دورا رئيسيا في تأجيج نار الفتنة الطائفية من أجل مصالحها السياسية، وانشغال الناس بعضهم البعض حتى لا يتمكنوا وقتا للانشغال بالأمور السياسية والاقتصادية والإدارية بالبلد، ومثل هذه السياسات الآنية تضر مستقبل الأمة ووحدتها وتحقيق التعايش السلمي فيما بينهم، النظر إلى المصالح الوقتية دون النظر إلى الأمة التي تندرج تحت مسئولياتهم ومصيرها المستقبلي لا شك أن ذلك شيئا مخزيا ومحزنا.
الجهل
والجهل أساس معظم المشاكل التي تقع من الناس، وأخطر الجهل في رأيي دلك الاعتقاد الذي يظن صاحبه أنه على علم كاف يؤهله في مسئولية إفتاء المسائل الدينية أو المذهبية وهو لم يطلع على العلوم المؤهلة لدلك ولم يعلم الشروط التي تجعله أهلا لدلك ثم ينطلق في المجتمع من تلقاء نفسه ويفتي ما يشاء دون خوف أو حجل، ومن هنا يكون صورة تجعل أهل مذهبه طائفة قائمة بذاتها. ومن ناحية أخرى أن الجهل يلعب دورا أساسيا في إذكاء نار الطائفية في الطوائف الموجودة أصلا، لأن الجاهل دوما بعيد عن سعة الصدر واستيعاب الآخر أو التعايش معه بشكل سلمي، أو احترامه أيضا بما يؤمن الآخر ويقنعه.
التعصب
التعصب الطائفي هو شعور للفرد مقرون بالقول أو العمل أو الاثنين معا، بالانتماء إلى دين أو مذهب معين أو معتقد والتعصب لهذا الانتماء على أنه الحقيقة الوحيدة ضد جميع المعتقدات الأخرى، سواء ما عرف بالإلهية منها أو الوضعية على أنها غير صحيحة أو غير حقيقية.
ان الكثير من السلبيات قد استعملت من بعض الذين نعدهم حضاريين حتى انهم استخدموا بعض الألفاظ التي لايستسيغها التعامل المدني الراهن فيصفون هذا بالفاسد ويصفون الأخر بالكافر وغيرها من الألفاظ التي لايقرها المنطق الحديث ان من الواجب علينا هو خلق فكر حضاري ينهزم امامه كل من يريد ان يصادر الحرية وكل من يريد ان يجرنا إلى الوراء، ان الفكر الحضاري الخالي من حقد العنصرية العرقية والتعصب الطائفي هو هدف نبيل يتطلب مبادرة شجاعة وفاعلة وهذه مهمة الكتاب والمثقفين إذا ما اتفقت منطلقاتهم وتكاتفت جهودهم الخيرة .
التطرف والمواقف الظالمة بحق الآخرين
ليس من شك أن الغلو في التطرف والتعصب الديني الذي بدأ ينشر شباكه حول عدد من الشباب المسلم في الدول العربية والإسلامية، أصبح يمثل هاجساً ليس للحكومات فحسب، وإنما للآباء والأمهات، حيث باتوا يخشون من انزلاق أبنائهم إلى التطرف الذي ينتهي بهم إلى ارتكاب جرائم العنف والإرهاب، مدفوعين في ذلك بدعاوى نصرة الإسلام ومحاربة الأعداء.
والواقع أن خطورة هذه الدعاوى تكمن - في حقيقة الأمر – في كونها محاولات جادة لثلة من أهل الغلو والتطرف في الفكر الديني، كي يستثمروا الظروف المأساوية التي تعيشها البلدان العربية والإسلامية بسبب مواقف الغرب الظالمة من قضاياهم، في إقناع الشباب المسلم بآرائهم. كما يحاولون زرع فكرة التطرف وتأصيلها في عقولهم وتجذيرها في وجدانهم وسلوكهم، لتكون منهاجاً يتبعونه في إعمال الإرهاب بحق من يعارضونهم في الرأي، حتى لو كانوا من بني جلدتهم وذويهم. ويبررون محاولاتهم هذه بدعوى تخليص المجتمعات العربية والإسلامية من الهيمنة الأجنبية وقيم الثقافة الغربية ومبادئها، التي لم تجلب للمسلمين سوى الخراب والدمار. وهذه – في الحقيقة - دعوى حق يراد بها باطل .. والباطل هنا هو نشر ثقافة التطرف الديني الذي يستقوي على البشر بممارسة العنف والإرهاب غير المبرر، من أجل فرض رؤى وأفكار معينة على الآخر. لقد شهد العديد من البلدان العربية والإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية أو يزيد، مظاهر متنوعة و غير مبررة من التطرف والعنف، في تعامل فئة من الشباب مع الآخرين، سواء داخل مجتمعاتهم أو خارجها، بدعوى أن الأنظمة الحاكمة لا تأخذ بجوهر تعاليم الدين الإسلامي ومبادئه، وبدعوى أن مظاهر التخلف وحالات الظلم والاستبداد والفساد التي تعيشها تلك المجتمعات، ليست إلاّ نتاجاً مباشراً لتجاهل تلك الأنظمة لمبادئ الإسلام الصحيح وقيمه وتعاليمه، وأخذها بقيم الحضارة الغربية وأحكامها وقوانينها الوضعية الغارقة في وحل المادية المفرطة. وبغض النظر عن مدى صحة هذه الرؤية أو خطئها، فالنتيجة التي لمسناها أن بلدانا كثيرا من البلدان الإسلامية واجهت أعمال عنف ترقى لمستوى الإرهاب المنظم الذي استهدف تخريب اقتصادها وتهديد استقرارها، وهذا شئ بلاشك لا يخدم إلاّ لأعداء هذه الأمة الإسلامية.
كل ذلك حدث ويحدث بسبب الغلو في التطرف الديني الذي يصل بمعتنقيه لحد انتهاج العنف والإرهاب في معالجة المشكلات والقضايا المجتمعية، بدلا من الأخذ بأسلوب الحوار العقلاني الهادف لحلها عن طريق الإقناع أو الاقتناع، والذي يرتكن إلى صحيح الإسلام الذي يدعو للوسطية والاعتدال والعدل والمساواة والرحمة والسلام في التعامل مع الآخرين مهما كانت مللهم ونحلهم، وطالما لم يحاولوا التعدي على تعاليم الإسلام وتحريف مضامين المبادئ والقيم التي يدعو إليها.
2 – مظاهر هذه الحالة وآثارها
تحويل المذاهب إلى أديان
ولا شك في أن التعمق في المسائل الفرعية الخلافية بين أتباع المذاهب والتعصب المفرط لها سيؤدي إلى نهاية لا يحمد عقباها، والعجيب أن البعض من هؤلاء لا يقرأون سوى المسائل المثيرة للجدل كما انهم لا يطلعون على غير مذهبه أو يكتفي بدراسة جزء من مذهبه ثم يتوقف عند هدا الحد ويتخندق بها بحيث لايسمع أي شئ آخر دون ما هو عاكف عليه، وهده الحالة توحي لأمثال هؤلاء بأنهم على الحق الذي لا مراء فيه وأن غيره في باطل وغي، وأن تمسكه لمدهبه بهدا الشكل هو الحق بعينه و لايمكن الإلتفات إلى غيره مما يوحي أيضا إلى تحول التمذهب إلى تدين أو تحول المذهب إلى دين قائم بداته! وبالتالي يصبح هدا الفريق متمثلا بطائفة من الطوائف التي تسعى إلى طمس الآخرين بكل الوسائل المتاحة لديها من أجل بقاءها بل وسيادة إتجاهها على الباقين.
وهدا السلوك العجيب برأيي نشأ أول ما نشأ في بيئة لا تعرف إنتهاج التعليم المبني على الفقه الفقه المقارن، دلك أنهم يتعلمون مذهبا بعينه دون أن يجد إلماما للمذاهب الأخرى حتى أن البعض قد لا يعرف أنه هناك مذاهب أخرى ضمن الإطار العام للإسلام، وهنا تبدوا جلية فكرة تدريس وتعليم الناس مادة الفقه المقارن من ناحية، وتبسيط هده المادة للمتعلمين بحيث تقسم إلى مراحل حسب مستويات المتلقين لها من السلم الدراسي النظامي، بحيث يتدرج المتعلم بتلقيها أو تعلمها بقدر ما يرتقي إلى مستوياته التعليمي، ومن ثم يتخرج لنا بعد سنوات جيلا ملما للمذاهب أو على الأقل جيلا يؤمن بتعدد المذاهب وواقعيتها الحضاري الذي ينبغي الحفاظ عليها مع الإضافة لها ممن يتمكنون ويتأهلون لدلك.
احتكار الحقيقة
ان الغاية من اختلاف الناس إلى شعوب وقبائل انما هو التعارف وليس التنافر والعيش وليس الاقتتال، ان اهمية التعايش والاحترام بين جميع المكونات انما هي ضرورة من ضرورات الوجود وان اجمل حكمة قرأتها في حياتي هي الحكمة التي تقول: انت أخي مادمت محترما حقي، والحق هنا هو حق التعبير والاعتقاد والفكر وكل مايرتبط باختيار الإنسان شرط ان لايكون فيه ضرر على الآخرين . ان الاديان وارتباطها بشرائع السماء فإنها لا تأمر إلاّ بالحق والخير وتوصي بالامن والسلم وما كانت يوما عائقا امام التعايش والحوار وانما كان العائق يكمن في الذين يتوهمون بانهم يملكون الحقيقة دون غيرهم ويستغلون الدين والمذهب في السيطرة على الناس والتحكم في مصائرهم، وهنالك فرق واضح بين المبادئ التى ينادون بها وبين الممارسات الخاطئة التي يقومون بها، ان سبب التعصب الطائفي والمذهبي هو التجاهل والإقصاء للأخر الذي مارسه القائمون على المذهب أو القومية ومن وراءهم اتباعهم حتى توارثوه جيلا بعد جيل.
نقل النزاع الفكري إلى الجانب العملي
وهده أيضا من الآثار السلبية الناتجة عن الفكر الطائفي المتبلور في أوساط المثقفين، دلك أن النزاع الفكري الذي كان ينبغي أن يكون في إطار التفاهم والوصول غلى الحقيقة النافعة للجميع، هناك من يزيد الطين بلة بحيث يقوم بعمل منظم حول هدا المذهب أو الفكرة ومن يجيش لها الجيوش ضد مخالفيهم المسلمين على الفكرة داتها، ويستبيح من أجلها فعل كثير من الأعمال الإجرامية والشنيعة شرعا وهو مع دلك يرى نفسه من أنه على الصراط المستقيم وأنه يؤدي واجب الجهاد ضد المخالفين البعيدين عن الإسلام!!
وهدا لا يحتاج إلى كثير من البسط لأنه ظاهرة موجودة متمثلة أمامنا اليوم، ويعاني آثارها السلبية كثير من المسلمين في العالم الإسلامي، وتكاد تكون ظاهرة عالمية تتواجد في كل أجزاء العالم، لدلك ينبغي القيام إلى دراسة المشكلة دراسة موضوعية تجلي الغموض عنها ويصف الداء لها، وهدا يتطلب إلى تكاتف جميع الدين يكافحون من أجل إنقاد هده الأمة من ويلات الحروب الأهلية التي بدأت بوادرها تتجلى في الأفق بدأ من الأمن الفكري أو بتعبير آخر الإرهاب الفكري وانتهاء إلى العمل المسلح، ولا يمكن الاسترسال مع الحالة والتريث لها لأنها كارثة مدمرة تسحق الجميع إلى وادي الإقتتال الداخلي.
التكفير الواسع والتفسيق والتبديع
التكفير ظاهرة قديمة وحديثة وصوت قوي له صدى يتكرر وسط المسلمين، ووجد في التاريخ الإسلامي من يتجرأ تكفير أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه!!! وها نحن نعيش مثل تلك الظروف السيئة أو شبيهها، والغريب أنها تتسع وتنتشر في العالم بحيث تصبح منظومة عالمية تؤرق الجميع، إنه وباء طاعون مهلك ومستأصل للجميع، وعلى الأقل يمكن أن يمتد تأثير ظاهرة التكفير بفترات قادمة، إن إلقاء الحكم على الآخر وتهمته بالكفر والفسق والبدعة أمر ليس سهلا، وبالمقابل لا ينبغي التساهل معه، لأن دلك تشويه للمسلمين وتعكيس سيئ على ديننا الحنيف.
ومن جانب آخر أن ظاهرة التكفير تمكن من أعاء الإسلام الإستفادة منها وتوظيفها لصالحهم ويجعلونها مطية لأتنفيد مطاتهم الإجرامية وفي مقدمتها المخطط القائل (فرق تسد)، وبما أن لغة التكفيريين قوية جدا بالنسبة لمعاملاتهم مع غيرهم فإنها ستؤدي حتما إلى تفريق كلمة المسلمين بصورة أكثر ضراوة، مما سيتمكن العدو من دلك تعميق الهوة والتفريق وتفخيم المسائل الخلافية حتى يتصور الناس أن الاختلاف ليس تنوعا بل دينا قائما بداته!
هده الظاهرة الموجودة الآن والمتفاعلة مع الناس تتطلب من العلماء والمثقفين مسئولية تحدير الناس عنها وترشيدهم وتوعيتهم وتأثيرهم عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بشكل مدروس ومكثف، قبل أن يتخلى الجو لهم ويعربدوا ويتصرفوا كيفما يشاءون دون وازع ولا رادع!
ألا ليتهم يقرأون: (ياءيها الدين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) الحجرات آية: 11.
3 ـ نماذج تاريخية من عصور التخندق الطائفي.
شعوب كانت ولم تزل لم تتعلم من ايجابيات التاريخ وسلبياته معا، ولكنها كانت ولم تزل تعاني من بقايا التاريخ وأشلائه وأسلابه وكل سلبياته، ولكنها لم تحّرك لا من وتيرة تفكيرها ولا في أساليب حياتها !! لم يرثوا ثمار حضارة ولا إبداع تفكير ولا تعايشات مجتمع ولا انتصار نهضة ولا حب علم ومعرفة .. بقدر ما ورثوا كل الخطايا والأحقاد والكراهية وروح العداء والمؤامرات والدعايات المضادة والخطب الرنانة والشعارات البراقة والحروب الباردة والمهاترات الاعلامية .. الخ من الناحية السياسية . اما اجتماعيا، فتجدهم في اغلب مجتمعاتهم مستهلكين غير منتجين وقد اصابهم الكسل التاريخي والتواكلية المقيتة وضياع الشعور بالزمن وفقه الواقع .. وجملة من الممارسات الخاطئة التي لا يقبلها عقل ولا دين.
هناك عصور قد مرت على المسلمين قد جعلت المسلمين يتقاتلون فيما بينهم أو بينهم وبين غيرهم ممن يخالفون في العقيدة لكنهم يتشاركون في المصير والوطن، وخير دليل على تلك الحروب الطائفية التي ضاع بسببها مستقبل جيل بكامله، وممتلكات جمة، فضلا عن مئات الألوف من البشر الدين ماتوا فيها وفقدوا أرواحهم الغالية، وخير دليل على دلك هو تلك الحروب المدمرة التي دارت بين الشعب اللبناني في الفترة ما بين (1975ـ1989م) من القرن العشرين المنصرم، ولعل حرب العراق الإيرانية في الثمانينات يندرج تحت هدا المنعطف التاريخي المؤلم ..منعطف الحرب الطائفي.. نعم يرى بعض المحللين والمراقبين بأن الحرب الذي دار بين العراق وإيران إنما كان حربا بين السنة المتمثلة بالعراق والشيعة المتمثلة بإيران! وراح ضحية تلك الكارثة العجيبة ألوف من الرجال والنساء والولدان، ودمرت الآلاف من الممتلكات التي كانت أساسا للبنية التحتية للمسلمين، وأخرت التطور المدني والثقافي سنوات لا يمكن التعويض عنها بسهولة.
الطائفية داء عضال إن لم يتكاتف العلماء والمثقفون وأهل الرأي والخبرة من المسلمين في احتواء في دائرة ضيقة وعزلها عن المجتمع الإسلامي، فإما لا شك فيه أن مجتمعاتنا قد يحترقون بنيرانها من جديد، مثلما نرى بوادر دلك في أكثر من بلد من بلدان العالم الإسلامي كلبنان وباكستان وغيرهم.
4- سبل التخلص من الطائفية
الطائفية والفرز المذهبي والعنف الطائفي من الظواهر التي طغت على المشهد السياسي والثقافي العربي والإسلامي عموما أكثر من أي وقت مضى منذ بداية الألفية الثالثة وبشكل أضحت تتهدد معه الأمن الوطني والإقليمي لبلدان العالم الإسلامي وعلى نحو غير مسبوق.
الأزمة الطائفية التي تكاد تعصف بأكثر من قطر عربي ليست بعيده عن المشروع التوسعي للامبريالية الأمريكية والذي يقوم على استغلال وإطلاق وتغذية تناقضات البنية الاجتماعية المعرفية والدينية والسياسية والمذهبية بالطريقة التي تخدم أجندة الإدارة الأمريكية المختلفة ,و العزف على وتر الطائفية وإطلاق العنان للنعرات المذهبية والعرقية إستراتيجية عمد إليها المحافظون الجدد في إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش من اجل ما سمي في حينه بالشرق الأوسط الكبير, إلا إنها أي الفتنة الطائفية كمشروع أمريكي - صهيوني قبل ذلك تكشفت عن خلل داخلي لدينا- نحن العرب والمسلمين- يسهل المهمة على أرباب المشروع الفتنوي فهي بحسب مراقبين تكشف عن غياب ثقافة التعددية وعن عقلية اقصائية لا مكان فيها للآخر وتفكير شمولي ورؤية أحادية تلغي الآخر وتصادر حقه في التفكير والوجود, وعن فشل الدولة الحديثة في تحقيق الوحدة الوطنية و المواطنة المتساوية، ولدلك يجب التركيز على النظم التعليمية في بلداننا الإسلامية من حيث المنهج وتربية النشئ الجديد على نهج جديد يجعلهم يعيشون مع محيطهم بشكل فيه الاحترام والتعايش السلمي، كما ينبغي العمل على تطبيق ما يلي:
إشاعة ثقافة الحوار
بداية وقبل أن ننطلق للآخر القريب أو البعيد في نشر ثقافة الحوار لابد أن نشير إلى الحلقة الأكثر أهمية وهي الحوار مع الذات... كثير منا يهمل هذا الجانب مع أن المهتمين بتنمية الذات وتطوير القدرات يركزون عليه كعامل أساسي في الصحة النفسية للشخص... إن تنمية مهارات الحوار الإيجابي مع أنفسنا ضرورة للتزود بطاقة متجددة والعمل بنشاط وإصرار لتحقيق الهدف.. حوار هادئ يتضمن رسائل للذات تعزز إيجابياتها وتساعدها في معالجة سلبياتها وتسديد نواقصها.
الأسر الناجحة هي الأسر التي تبني ركائزها ولبناتها على التفاهم العميق بين أعضائها ومعرفة الظروف والمستلزمات والحاجات والرغبات والطموحات لكل منهم. والحوار البناء من أعظم وسائل تحقيق ذلك فهو لغة التواصل الأعمق أثرا وأكثر كفاءة في هذا الجانب... ومن هنا نستطيع التعلم كيفية ممارسة الحوار من المنزل ومن يسهل لنا أن ننتقل إلى ألآخرين ممن يخالفوننا في الرأي والمبادئ والفكر والثقافة والمعتقدات وغيرهم، إن تربية الأجيال الصاعدة بالحوار وأصوله هو السبيل الأمثل لنشر ثقافة الحوار لأن الإنسان يكبر بما أنشئ به في صغره ويصعب عليه أن ينفك به بسهولة.
وعندما ننطلق من هده الزاوية الأساسية في بنية المجتمع فيما يتعلق بنشر ثقافة الحوار إننا قد بدأنا بداية صحيحة لننتقل بعد دلك إلى الآخرين لنحاور معهم بما يما نتفق عليه أو نختلف فيه من أجل صيغة تؤدي الجميع إلى التوصل إلى طريقة التفاهم والتعاون وتبادل الاحترام، وكذلك نقترح أن تكون ثقافة الحوار جزءا من مفردات المواد المدرسية في كل المراحل الدراسية حسب الإمكان لأن الجيل الصاعد أكثر قابلية واستيعابا لما يملى عليه، ويتواصل معه لاحقا في كل مراحل حياته.
التسامح
التسامح في اللغة :التساهل
التسامح هو أن ننسي الماضي الأليم بكامل ارادتنا إنه القرار بألا نعاني أكثر من ذلك وأن نعالج قلوبنا وأرواحها، وإنه الاختيار إلاّ تجد قيمة للكره أو الغضب، وانه التخلي عن الرغبة في إيذاء الآخرين بسبب شئ قد حدث في الماضي، إنه الرغبة في أن نفتح أعيننا علي مزايا الآخرين بدلا من أن نحاكمهم أو ندينهم .
التسامح هو أن نشعر بالتعاطف والرحمة والحنان ونحمل كل ذلك في قلوبنا مهما بدا لنا العالم من حولنا، التسامح هو أن تكون مفتوح القلب، وأن لاتشعر بالغضب والمشاعر السلبية من الشخص الذي أمامك، وأيضا التسامح هو الشعور بالسلام الداخلي، وأن تعلم أن البشر خطاؤون ولا بأس بخطئهم إدا تجاوزوها.
كلنا نخطئ، كلنا نذنب، كلنا يحتاج إلى مغفرة، وكم قسونا وكما تجاوزنا الحدود، والذي يبقى في النهاية بكل تأكيد هو التسامح.
والحقيقة أن التسامح متى ما كان أقوالاً لا تدعمها السلوكيات، ومواعظ وكلمات لا تبرهن عليها الأفعال، كان التسامح ضرباً من ضروب التدجيل والزيف لترويج البضائع اللفظية، إنه من السهل أن ننمق الكلمات والعبارات ونرصف بها شوارع الأوراق، ونزيف بها رسومات فنية جميلة، لكنها في النهاية تبقى حبيسة الإطار، ومسجونة في حدود الألفاظ الزائفة، إن القانون الحقيقي لكلمة التسامح هي : الثمرة السلوكية العملية في الحياة.
ومن أجل إعطاء فرصة كافية لهدا المبدأ العظيم في تجانس المجتمع وتألفه وتعايشه يجب أن نبدل أقصى ما في وسعنا من اجل إشاعتها عبر وسائل الإعلام وكتب التدريس في المدارس والجامعات ودور ومراكز التوعية العامة للمجتمع. وحينها يكون التسامح سبيلا من سبل التخلص من العقد والاحتقان الطائفي الذي تعاني منه مجتمعاتنا الإسلامية اليوم.
العمل على تقريب المذاهب
ومن أجل العمل على تقريب المذاهب يجب أن يتم ا العمل الجيد من خلال تدريس الطلبة المذاهب المختلفة خصوصا في المراحل المتقدمة يذهب التعصب, شريطة أن يعتمد في إعطاء المعلومة المصادر الأصلية , التي كتبت بأقلام أتباعها , لا بأقلام خصومها .وقد يقال : إنك – إن عممت هذا الأمر على كافة التخصصات , حولتهم إلى متخصصين في هذا المجال , مع أن تخصصهم بعيد من ذلك. ولا أقصد التوسع في هذه الدراسة لغير المتخصصين , وإنما يعطون نبذة موجزة عن الفرق العقدية .وأما تدريس المذاهب الفقهية المختلفة فهو مهم جداً , فلا بأس أن يبدأ مع الطالب بالمذهب الفقهي السائد في بلده , وكلما تقدم به العمر علمناه فقه المدارس الأخرى بأدلتها دون تعصب .فمادة الفقه المقارن ومادة أسباب اختلاف الفقهاء توسعان مدارك الطالب وتبعدان عنه التعصب .
وقد لوحظ عن بعض العلماء المنغلقين الذين لا يعرفون من الحق إلاّ وجهاً واحداً يظنون كل الحق فيه لوحظ تراجعهم في عباراتهم , تمكنهم من المذاهب الفقهية الأخرى , غير مذهبهم السائد , فبعد أن كان جوابهم للسائل : هذا هو الحق , وهذا هو الصحيح , وما سواه باطل ... بدأت العبارات تأخذ مجرى آخر , إذ أصبح يقول : في المسألة خلاف للعلماء , وفي المسألة أقوال . ولذلك كان الإمام الشاطبي –رحمه الله – يرى في كتابه الموافقات جـ 3، صفحة (131-132)، أن اعتياد الاستدلال لمذهب واحد ربما يكسبه نفوراً أو إنكاراً لمذهب غير مذهبه من غير اطلاع على مأخذه , فيورث ذلك حزازة في الاعتقاد في فضل الأئمة الذين أجمع الناس على فضلهم وتقدمهم في الدين , واضطلاعهم بمقاصد الشارع وفهم أغراضه.
القيام بالمشاريع العلمية والثقافية والاجتماعية المشتركة
إن محاربة الطائفية وإبعادها عن المجتمع الإسلامي أمر ملح وضروري اليوم وخصوصا بعد أن بدت بوادر اندلاعها في أكثر من بلد من بلدان العربية والإسلامية، وأفضل الطرق لمحاربتها هو إنشاء مشاريع علمية وثقافية واجتماعية بشكل عام وخاصة في البلدان التي فيها التنوع الطائفي والمذهبي، ومن دلك الجامعات، والمعاهد العلمية والثقافية، وإنشاء مراكز دراسات تحلل المسالة وتوجد لها حلولا يمكن فيما بعد توعيتها على الناس وتدريسها في المعاقل العلمية من المدارس والكليات وغيرها. وهدا الشأن برأيي ينبغي ان تتعاون على تنفيذها كل من مجمع التقريب والمؤتمر الإسلامي وحتى الدول والحكومات، ودلك من أجل استنهاض أمتنا وتدارك كبوتها وجعلها في مقدمة الأمم وزيادتها كما كانت من قبل، كما تتعاون كل هده الجهات على تضييق الخناق على الطائفية التي أن تجتث جذور أمتنا العربية الإسلامية جميعا، ومن هنا يمكن أن نضيق دائرة النفوذ الغربي والأمريكي الدين يريدون إستعانتة الطائفية في إذلال شعوب العالم الإسلامي والتحكم بهم.
العمل على اجتناب السلوكيات الاستفزازية ونقل ثقافة التقريب إلى الجماهير
ينبغي بل يجب على بعض من علماء الدين الإسلامي قبل غيرهم، أن يغيروا نهجهم الاستفزازي تجاه مخالفيهم بالرأي والمسألة وإلا يرى نفسه بأنه على صواب أكثر من غيره، وأن يتحلوا بالصبر والتأني والابتعاد عن التصرفات التي تؤدي في النهاية إلى التصادم والاقتتال الداخلي لا سمح الله بدلك، وكذلك يجب ابتكار تفكير جديد حول مسار ومصير الأمة وكيفية إعدادها للتفرغ في مواجهة الأعداء تنفيدا لقوله تعالى (وأدوا لهم ما استطعتم من قوة ...).
إن السلوك الاستفزازي دوما يهدم بدلا من أن يبني، ويبعد الآخر لدرجة أنه قد يأتي برد فعل عنيف لا يقوى عليه أحد مما يكون خدمة لأعداء الأمة في نهاية المطاف، ولا بد من أن نرقى إلى مستوى المسئولية.. مسئولية الأمة ولم شملها وتطير قدراتها العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وإرجاع دورها الريادي وأستاذيتها للعالم، إننا يجب أن نفقه الواقع الذي نعيشه اليوم... أين نحن اليوم؟ وما موقعنا نحو غيرنا، إن العالم الإسلامي بكل ما من الله عليهم من قدرات علمية ومادية وبشرية يعد من الدول المتخلفة المنتمين إلى ما يسمى بالعالم الثالث أو مجاملة بالدول النامية!! ومن يدري أنهم يقصدون بالدول النائمة!
الختام
وفي ختام هذا البحث المتواضع نود أن نقدم الشكر الجزيل إلى كل من فضيلة الشيخ آية الله محمد علي التسخيري – حفظه الله تعالى وكل من يتعاون معه لأداء هذه المهمة الجليلة مهمة التقريب بين المذاهب الإسلامية، لتعود الأمة من خلال إحلال التفاهم والتعاون بينهم دورها الحضاري وريادتها، والخروج من هذا التفكك والتفرق والهوان الذي جلب لها الكثير من الكوارث والمصائب، إننا نشيد هذا العمل الجليل ونتشرف أن نكون تحت مظلته من أجل مساهمة ولوبسيطة بقدر الإمكان لأن المسئولية الملقاة اليوم على عاتقتنا تجاه أمتنا المجيدة أكبر بكثير من طاقاتنا المعنوية والمادية، مما يوجب علينا التكاتف والتعاون معا في سبيل أدائها وإنجاحها على أكمل وجه ممكن.
وشكرا لكم.
وجزاكم الله خيرا.
ارسال نظر