ثقافة تهديم قبور وأضرحة الأولياء "الإنعطافة السلبية في تاريخ الإسلام"
جمهورية العراق
المدرّس الدكتور جبّار محمد هاشم الموسوي / جامعة الكوفة
الحمد لله رب العالمين الذي جعلنا خير أمة أخرجت للناس ، وفضلنا على سائر الامم، والصلاة والسلام على خير الانام محمد وآله الكرام وبعد:
إمتازت المدرسة الاسلامية عن غيرها من المدارس الدينية الاخرى في نظرتها الى حقيقة الإنسان الحية التي لا تتقيد بقيود الجسم المادي فقط، بل هي حقيقة متعالية تجري فيها روح الله، وإن هذه الروح لا تنعدم بمجرد الموت، بل تنتقل الى عالم آخر سماه القرآن (عالم البرزخ)، وهذا العالم له إرتباط خاص بعالم الدنيا الى قيام الساعة، ومن هذا المنطلق إحترم المسلمون الاموات لاسيما الصالحون منهم كما لو كانوا أحياءً في الدنيا، وهذه العقيدة هي التي سببت مسألة تقديس أصحاب القبور من الاولياء والصالحين، هذا فيما يخص عامة المسلمين، أما شيعة أهل البيت(ع) فكانت لهم قصة أخرى تختلف عن كل القصص مع تلك القبور، وأية قبور؟ إنها قبور أئمة أهل البيت(ع) الذين إبتلوا هم وأتباعهم بحمل الامانة التي أبت السموات والارض أن يحملنها فحملوها بكل أمانة:(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)(الاحزاب/72)، مما سبب لهم الحقد والضغينة في قلوب الحاقدين، فشُرّدوا وقُتلوا على الريبة والتهمة وإمتلأت الارض بقبورهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وصل الى نبش قبورهم وصلب أجسادهم ثم حرقها، وبقصد إخفاء معالم أضرحتهم(ع) على الناس، عمدوا الى حرثها وأجروا الماء عليها كما فعل الامويون فكانوا أول من سن هذه الجريمة في التاريخ الاسلامي، ثم جاء بعدهم العباسيون الذين صبوا جام غضبهم على قبور أهل البيت (ع)، فكان للمنصور وللرشيد وللمتوكل قصب السبق في هدم قبر الامام الحسين (ع) وتسوية الارض عليه حتى لا يُعرف له أثر بعدما رأوا من تفاني الشيعة في حبه (ع)، وقد قام المتوكل العباسي بفرض الضرائب على كل زائر لقبر الحسين (ع)، ولما وجد أن هذا لا ينفع عمد الى قطع يد كل من يزور الحسين (ع)، ولم يثنهم ذلك من أن يضحوا بالغالي والنفيس، فعمد الى تسوية القبر الشريف وإخفاء معالمه ثم إجراء الماء عليه، لكنه فشل أيضاً في كل هذه المحاولات، فالشيعة - ومن كثرة تعلقهم بحب الحسين – أخذوا يشمون رائحة تراب القبر الشريف كي يستدلوا على وجوده، وقد حذا إبن تيمية حذو المتوكل في هذه العقيدة المقيتة في القرن السابع الهجري، فجاء بامور مخالفة للدين الاسلامي بجميع مذاهبه وطوائفه وليس المذهب الحنبلي فقط، ومن بعده جاء محمد بن عبد الوهاب الذي تسلط على أرض الحجاز، فقام بهدم الاضرحة والقباب العالية للأولياء والصالحين، ولكن السؤال الذي يجب أن يُطرح هنا هو: من أين جاءت هذه العقيدة المقيتة بعدما صرح بها القرآن الكريم ثم السنة النبوية ثم السيرة العطرة لبعض الاولياء والصالحين في زيارة القبور؟ وقد جاء هذا البحث ليرد على هذه العقيدة التي ما أنزل الله بها من سلطان، فانتظم في مطالب ثلاثة، سلط أولها الضوء على أصل عقيدة بناء القبور وإثبتها من القرآن والسنة، وجاء المطلب الثاني ليتحدث عن الجذور التاريخية لعقيدة هدم القبور، ثم المطلب الثالث ليقارن بين وهابية الامس ودواعش اليوم ليكشف أنهما وجهان لعملة واحدة، وأن ما فعله الوهابية بالأمس يقوم به الدواعش اليوم، فوجب القول: أن التاريخ لا يعيد نفسه مرتين وإنما الانسان يكرر غباءه مرتين، سائلين المولى القدير أن يجعل هذا العمل في ميزان أعمال من يريد وجهه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
Abstract
The Culture Of Destruction Of The Graves And Tombs Of The Righteous Believers "The Negative Divergence In The History Of Islam"
This research is an answer to the question : from where the culture of destruction of the graves and tombs of saints and the righteous came??? Keeping in mind that this culture is not a part of the teachings and laws of true Islam religion. And the evidence is that the Quran and Sunnah –which are the most important sources of Islamic legislation- do not refuse or reject building upon these graves , And this is the method or attitude of all the humans - all the way down through the ages in honoring of their dead people. But the attitude of the unitarian believers – who have devoted their lives to Unification- is to make the graves and tombs of saints and the righteous as a blessing places. And how the situation will become if the graves are the tombs of the prophet Mohammad and His offspring (peace be upon them).
The research was arranged into three discussions, the first one is under the title " The arbitration of building upon the graves from Quran and Sunnah". And the second one of the title " The historical roots of the culture of destruction of the graves and tombs". The last one was on the title of " Wahhabis and ISIS are the two sides of the same coin". And Praise be to Allah, the Lord of the Worlds.
ارسال نظر