الحضارة الإسلامية
جواد عفراوي
ايران-الاهواز
طالب ماجستير علاقات دولية جامعة الحرة الاهواز
الحضارة الإسلامية فهي ما منحه الإسلام للعالم من قواعد راسخة ومبادئ عظيمة، وقيم أصيلة قدّمت النفع للبشرية، وأسهمت في رفع سوية العالم، وذلك من خلال منظومة الإسلام التي تستمد فضلها من مصادر التشريع الإلهي، الذي ينفع الناس في دينهِم ودنياهم.
السؤال في هذة المقالة ما هي أبرز خصائص الحضارة الاسلامية ؟ في الجواب ف أن الحضارة الإسلاميّة قد شملت كافة مناحي الحياة بماديها وقيمها المعنوية، فقد أثرت الحضارة الإسلاميّة في العالم بشتى ضروب الحضارة سواءً على المستوى العلمي الصناعي، أم المستوى الاقتصادي والمالي، أم المستوى الاجتماعي وغير ذلك الكثير من المستويات التي شملتها الحضارة الإنسانية. ولهذه الحضارة الإسلامية تاريخٌ أصيل وعريق يعكس مدى صدق هذه الحضارة، ومدى قوتها بين بقيّة الحضارات التي سبقتها، ويكفي القول إنّها حضارة تستمد أصولها من الدين الإسلامي الشامل لكل شيء.
الکلمات المفتاحية : الحضارة الاسلامية ،الدين ، القرآن ، العالم ، العلم ، الغرب ،الخصائص
حصيلةالبحث في الآتي:
· تعريف الحضارة لغةً واصطلاحاً.
· تعريف الحضارة الإسلامية.
· استيعاب مجالات الحضارة الإسلامية.
· تبيان أهم خصائص الحضارة الإسلامية.
· التعرف على منجزات الحضارة الإسلامية التي تخص العلوم التطبيقية.
· التعرف على أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الغربية.
مفهوم الحضارة الإسلامية
كي يتسنى لك استيعاب المراد بمفهوم الحضارة الإسلامية لابد لك من الاطلاع على تعريف الحضارة في اللغة والاصطلاح.
تعريف الحضارة لغة واصطلاحا
الحضارة تعني في أصل اللغة الإقامة في الحضر، والحضارة ضد البادية، يقال فلان من أهل الحاضرة، وفلان من أهل البادية. وفي تاج العروس: الحضارة والحضرة هي المدن والقرى والريف، سميت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ، ومساكن الديار، والتي يكون لهم بها قرار.
لقد تعددت تعريفات الحضارة وتنوعت تبعاً لذلك دلالات الحضارة بتنوع تعريفاتها، فقد رأى بعض الباحثين أن الحضارة هي مدى ما وصلت إليه أمة من الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي من عمران وعلوم وفنون وما إلى ذلك، والترقي بها في مدارج الحياة ومسالكها حتى تصل إلى الغاية" وهذا يعني أن الحضارة حسب هذا التعريف تختص بالجانب المادي فقط.
وقد عرفها مجموعة من الألمان هم (راتناو - توماس مان - كسيرلنج) بأنها "المظاهر الفكرية التي تسود أيّ مجتمع وهذا يعني أن الحضارة مرادفة للثقافة ومقتصرة على الجانب الفكري أو المعنوي فقط وفي كلا الحالتين نلاحظ أن الحضارة قد قُصرت على جانب واحد فقط، فلم يتم الإحاطة بكلا الجانبين المعنوي والمادي، وهذا يدعونا إلى اختيار تعريف آخر للحضارة يشمل كلا هذين الجانبين، وعليه تكون الحضارة هي الجهد الذي يقدمه مجتمع من المجتمعات لخدمة المجتمع البشري في جميع نواحي حياته المعنوية والمادية
بناءً على ما سبق نستطيع القول أن الحضارة تتضمن جانباً معنوياً يتمثل في الثقافة التي تعني بالقيم الثابتة والمبادئ الراسخة التي تقوم عليها الحضارة، وجانباً مادياً يتمثل في المدنية التي تعني بالجانب المادي البحت للحضارة، وهي على نوعان مدنية خاصة تتميز بطابع ثقافي خاص، مثل لباس المرأة، ومدنية عامة لا تتميز بطابع ثقافي خاص، مثل الآلات.
تعريف الحضارة الإسلامية
بعد أن عرضنا لمعنى الحضارة في اللغة والاصطلاح يمكننا أن نعرف الحضارة الإسلامية بأنها: ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية.
مجالات الحضارة الإسلامية
بعد أن اتضح لنا معنى الحضارة في اللغة والاصطلاح، يجدر بنا أن نسلط الضوء على مجالات الحضارة الإسلامية. وبإحصاء صور التقدم والرقي عند الإنسان المسلم يمكننا أن نرجعها إلى المجالات الثلاثة التالية:
المجال الأول: ما يخدم الجسد
المجال الأول : هو ما يخدم الجسد ويمتعه من وسائل العيش، وأسباب الرفاهية والنعيم، ومعطيات اللذة للحس أو النفس.
ويدخل في هذا المجال أنواع التقدم العمراني، والزراعي، والصناعي، والصحي، والأدبي، والفني، والإنتاج الحيواني، والاستفادة من كنوز الأرض والطاقات المنبثة فيها، وما أشبه ذلك
فالسبيل الطبيعي للمجال المادي لصور التقدم والرقي عند الإنسان هو استخدام العقل في البحث العلمي ، والاختبار والتجربة، والممارسة التطبيقية العملية ، مع الملاحظة الدقيقة لجوانب الخطأ والنقص ، وما يستدعيه الكمال.
الثاني: ما يخدم المجتمع الإنساني
المجال الثاني : هو ما يخدم المجتمع الإنساني، ويكون من الوسائل والأسباب التي تمنحه سعادة التعاون والإخاء، والأمن والطمأنينة والرخاء، وتمنحه سيادة النظام والعدل والحق، وانتشار الخير والفضائل الجماعية. ويدخل في هذا أنواع التقدم الاجتماعي الشامل للنظم الإدارية، والحقوقية، والمادية، والشامل للأخلاق والتقاليد، والعادات الفاضلات، وسائر طرق معاملة الناس بعضهم بعضاً في علاقاتهم المختلفة. وكل أنواع العلوم والثقافات التي تخدم هذا المجال ، وسبل تحقيق ما يخدم المجتمع الإنساني تتمثل في سبيلين هما:
1-التلقي التعليمي عن طريق الوحي، وذلك في كل ما تكلفت به الشرائع الربانية ببيانه، ولا يعدل عن ذلك إلا متنكب.
2-استخدام العقل في البحث العلمي والتجربة والاختبار، مع الملاحظة الدقيقة لجوانب الخطأ والنقص وما يستدعيه الكمال.
الثالث: ما يخدم الروح
المجال الثالث هو ما يخدم الجانب الروحي ويأخذ بيد الإنسان إلى تحقيق السعادة الحقيقية في الحياة الدنيوية والبرزخية والأخروية ويدخل في هذا المجال أنواع التقدم الفكري القائم على التأملات الحكمية التي تحمل اسم المعتقدات والواجبات الدينية وسائر التكاليف والآداب الشرعية الإسلامية.
قال تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً النحل:٩٧. والسبيل إلى تحقيق التقدم والرقي في هذا المجال إنما يكون بالتلقي العلمي عن طريق الوحي فقط. وبديهي أن تلقي ما يأتي به الوحي لابد أن يرافقه إعمال العقل في التأمل والفهم الصحيح والتحليل والاستنباط، ولابد أن يصاحبه أيضاً إعمال العقل في التحقق والتثبت من سلامة النصوص من التحريف والتبديل.
وصفوة القول في السبيل إلى تحقيق التقدم والرقي الحضاريين هو:
1-ما ينزل به الوحي من القرآن والسنة.
2-ما يتوصل إليه العقل بالبحث العلمي.
3-ما يكتسبه الإنسان عن طريق الاختبار والممارسة التطبيقية.
بالنظر إلى الثمرات التي يجنيها الإنسان من كل مجال من مجالات التقدم والرقي السابقة لابد أن نلاحظ أن سُلّم الرقي مرتب الدرجات بشكل تصاعدي بدءاً من المجال الذي يخدم الجسد، ثم إلى المجال الذي يخدم المجتمع الإنساني، ثم إلى المجال الذي يخدم الروح. وبذلك يكون سُلّم الرقي الإنساني والحضارة المثلى ذات مراتب ثلاث، أعلاها مرتبة ما يخدم الروح ويأخذ بيد الإنسان إلى السعادة الحقيقية، ومن دونها تأتي مرتبة الرقي الذي يمنح المجتمع الإنساني سعادة التعاون والإخاء، والأمن والرخاء، وسيادة النظام والحق والعدل، ثم تأتي من دونهما مرتبة الرقي المادي الذي يخدم الجسد ويمتعه .
خصائص الحضارة الإسلامية
لقد تناولنا فيما سبق مجالات الحضارة الإسلامية الثلاثة، وسبل تحقيقها، وقد آن الأوان لنبين خصائص الحضارة الإسلامية التي تميزها عن غيرها من أنواع الحضارات الأخرى ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:
الحضارة الإسلامية حضارة عقدية
لقد تميزت الحضارة الإسلامية وكان لابد أن تتميز بين حضارات الشرق، وحضارات الغرب، ذلك أنها حضارة تقوم على عقيدة التوحيد التي تُفرِد الله سبحانه بالعبادة والطاعة، وحرصت على تثبيت تلك العقيدة وتأكيدها، وبهذا نفت كل تحريف سابق لتلك الحقيقة الأزلية، قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ٣ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ الإخلاص:١-٤. فأنهت الحضارة الإسلامية بذلك الجدل الدائر حول وحدانية الله تعالى، وناقشت افتراءات اليهود والنصارى، وردَّت عليها؛ في مثل قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٣٠ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ التوبة:٣٠-٣١
وقطع القرآن الطريق بالحجة والمنطق على كل من جعل مع الله إلهًا آخر ، قال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ٢١ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ الأنبياء:٢١-٢٢
الحضارة الإسلامية حضارة عالمية
عالمية الرسالة الإسلامية تكون بعدم اختصاصها بجنس من الأجناس البشرية، وبعدم انحصار تطبيقها في إقليم خاص أو بيئة معينة، وبامتدادها أزماناً طويلة، تخلد فيها بعد العصر الذي فيه، وبدون ذلك لا يتحقق معنى العالمية في أي دعوة، وتتجلى عالمية رسالة الحضارة الإسلامية من منطلقاتها الأولى التي حددت الهدف من رسالة محمد ص وحددت مهمات هذه الرسالة.
فهدف رسالة محمد ص أن يكون رحمة للعالمين، فمن تعليمات هذه الرسالة أن يبلغ الناس جميعاً ويعلمهم على سواء قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ سبأ:٢٨ .
ولما كانت هذه الرسالة ذات هدف عالمي شامل كان الرسول ص مأموراً بأن يخاطب بها الناس على وجه العموم، دون تعريف بين قوم وقوم، فكل من بلغته دعوته فهو داخل في عموم خطابه، سواء عاصر رسالته أم جاء بعدها ، سواء نطق بلغته أم لم ينطق بها، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٨فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ الأنبياء:١٠٨-١٠٩
كما أن تعاليم الدين الإسلامي عالمية لأنها تُعِدُّ الإنسان لمستقبل خالد، والاعتقاد بإله واحد، يقود إلى إذابة كل مبدأ عرقي ، أو شعور قومي، ومفهوم عالم ينظر إليه على أنه مجرة من جماعات شتى تلتف حول رسول الله ص يؤدي إلى احترام سائر الشعوب والتسامح معها
ومن أجل ذلك كانت رسالة الحضارة الإسلامية يشترك في تحقيقها العملي، وبنائها التطبيقي كل من استجاب لها من كل عرق ولون ولغة فجدير بكل مسلم أن يفخر بتاج المجد الذي صنعه بُناتها الصادقون من المسلمين في كل بلد من بلاد الإسلام، في سالف العصور الإسلامية التي استجابت للإسلام، وأحسنت تطبيق تعاليمه.
الحضارة الإسلامية حضارة إنسانية
لقد قررت تعاليم الدين الإسلامي أن الناس جميعاً سواسية في القيمة الإنسانية المشتركة وأنه لا فضل لإنسان على آخر إلا بكفايته وعمله وخلقه ودينه ، ولذا أعلنت أسس الحضارة الإسلامية المتمثلة في الآتي:
1-أنه لا فرق بين عرق وعرق، ولا لون ولون، ولا بين ناطق بلغة وناطق بأخرى، لمجرد اختلاف الأعراق أو الألوان أو اللغات. قال رسول الله ص: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت ؟ قالوا : بلغ رسول الله .
2-وأن الناس كلهم متساوون في أصل الإنسانية، وإن اختلف أفرادهم في الخصائص والهبات الفكرية والنفسية والجسدية، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا النساء:١.
وقال رسول الله ص: "إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن ".
3-وإن اختلاف هذه الخصائص والهبات الربانية إنما هو أساس فقط لاختلاف المسؤوليات في الحياة وشرط طبيعي لتوزيع الأعمال، قال تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ الزخرف:٣٢.
وبهذا عملت الحضارة الإسلامية على نقل المجموعات البشرية من الدوائر الضيقة العنصرية والقومية والطبقية إلى أجواء فسيحة مملوءة بالتآخي، والتراحم والتسامح والتعاون.
الحضارة الإسلامية حضارة صالحة لكل زمان ومكان
لما كانت الحضارة الإسلامية عالمية وإنسانية فإن مقتضى ذلك أن تكون صالحة للتطبيق في كل البيئات الإنسانية، وأن تكون كذلك صالحة على مر الأزمان باعتبارها رسالة السماء الخاتمة لكل الرسالات
ويمكننا أن نبين مدى هذه الصلاحية إذا نظرنا في الأسس العقائدية والتشريعية والأخلاقية التي جاء بها الإسلام والتي قامت عليها الحضارة الإسلامية ؛ وبهذا تتوافر لنا أدلة موضوعية واضحة الدلالة على صلاحية هذه الحضارة لكل زمان ومكان، ففي مجال الاعتقاد والتشريع والأخلاق نجد الحقائق التالية:
1-أن الله سبحانه واحد لا شريك له ولا معبود سواه، قال تعالى: ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ الأنعام:١٠٢
2-أن الله خالق هذا الكون ومبدعه على هذا النحو المعجز من حيث الدقة والنظام والتوازن والعلاقات وخلق الإنسان، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ الأنعام:٧٣.
3-أن الله سبحانه وتعالى سخر هذا الكون بما فيه للإنسان، وزود هذا الإنسان بالطاقات النفسية والعقلية والجسدية لاستغلال ما فيه من خبرات، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ النحل:١٢.
4-أن الإسلام قد سن من التشريعات والقوانين ما يناسب فطرة الإنسان، وما تستقيم به حياته، وجاءت تشريعاته قاطعة مفصلة في المجالات التي يعجز العقل البشري عن الاجتهاد النافع فيها.
5-أن الحضارة الإسلامية حضارة أخلاقية، للقيم الفاضلة فيها المقام الأول، والنشاط الإنساني فيها محكوم بهذه القيم، قال تعالى يمدح نبيه عليه السلام: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ القلم:٤. قال النبي ص: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق.
6- أن الإسلام قد ترك للعقل الإنساني حرية الإبداع والابتكار في مجال استغلال خيرات هذا الكون، مع وضع ضوابط إنسانية تحكم هذا السلوك من الانحرافات المنافية للفطرة الإنسانية، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الجاثية:١٣.
الحضارة الإسلامية حضارة متطورة
لما كانت رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية، وكان الرسول عليه السلام خاتم الرسل، فإن من الضروري أن تكون الحضارة القائمة على هذه الرسالة حضارة متطورة، تستطيع أن تسع كل تطورات الحياة الإنسانية؛ بحيث تواجه ما يجدّ في حياة البشر من تطورات في شتى المجالات، ولا تقف جامدة أمام متغيرات الحياة البشرية في واقعها الفردي والاجتماعي، ولذلك أقامت أساس تشريعاتها، وقوانينها، وآدابها على أصلين ثابتين هما: الكتاب والسنة، فترى المبادئ والأصول الكلية جميعها تعود إليهما، وقد دعا الله تعالى المسلمين إلى تدبر القرآن قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ القمر:١٧.
ومن ثَمّ فإن علماء المسلمين في استجابتهم لدعوة الله قاموا بوضع الكثير من قواعد التشريع وأصوله؛ ليواجهوا ما يجدّ في حياة الناس من وقائع وقضايا مما لم يرد فيه نص قاطع من الكتاب أو السنة، وكذلك اجتهد المسلمون في مواجهة متغيرات الحياة اجتهاداً واسعاً؛ استجابة لدعوة الخالق لهم لإعمال العقل والنظر في الكون من حولهم وقد أقرّ النبي ص بعض أصحابه على اجتهادهم في بعض شؤون الحياة. فعن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل: أن رسول الله ص لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء". قال: أقضي بكتاب الله قال: "فإن لم تجد في كتاب الله". قال: فبسنة رسول الله ص. قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله ص ولا في كتاب الله". قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله ص صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله". وفي غزوة بدر أشار أحد أصحابه - رضوان الله عليهم - أن يغير الرسول ص موقع جيش المسلمين فوافق الرسول ص وأنفذ تلك المشورة. وعلى هدي الرسول ص سار أصحابه من بعده، وتبعهم علماء المسلمين، فلم تصادفهم واقعة، ولم تجدّ أمامهم حادثة إلاّ وكان لهم فيها رأي واجتهاد وحلّ؛ فخلفوا لنا تلك الثروة الكبيرة من العلوم والفنون.
الحضارة الإسلامية حضارة العلم
لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالعلم، وأن أولى آيات القرآن تحث على التعليم قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ العلق:١
وبين القرآن فضل العلماء، فقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ المجادلة:١١
وقال رسول الله ص مبيِّنًا فضل السعي في طلب العلم: "من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى الجنة.
لقد اهتم الإسلام اهتماماً كبيراً بالعلم، وأن أولى آيات القرآن تحث على التعليم قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ العلق:١
وبين القرآن فضل العلماء، فقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ المجادلة:١١
وقال رسول الله ص مبيِّنًا فضل السعي في طلب العلم: "من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهل الله له به طريقًا إلى الجنة
وقال أيضاً: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما طلب". وفرق الإسلام بين أمة تقدمت علميًّا، وأمة لم تأخذ نصيبها من العلم، فقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الزمر:٩
والعلم يمثل مقوماً هاماًّ من مقومات البناء الحضاري لأي مجتمع من المجتمعات، لما يترتب عليه مفاهيمه وتطبيقاته من آثار واضحة على مسيرة الإنسان الحضارية
وإذا كانت الحضارة بنت العلم، والعلم هدف يسعى المسلم إليه من واقع كتابه الذي آمن به، وتعاليم رسوله الذي اهتدى به، فليس ثمة شك في أن العلم يدفع إلى الإبداع والتفكير، وكل من الإبداع والتفكير ينبت حضارة وينشئ معرفة.
الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين المادة والروح
لقد خلق الله - سبحانه وتعالى - الإنسان من مادة وروح ، وأَمدَّهُ بكل أسباب الحياة في جانبيها المادي والروحي، فهيأ للجسم البيئة الصالحة التي يعيش فيها على وجه الأرض، وهيأ سبحانه للجانب الروحي غذاءه من الوحي الذي نزل إلى الإنسان عل يد الرسل، فالإنسان في مفهوم الحضارة الإسلامية هو ذلك الكائن المادي والروحي ، وأن حياته الصالحة المستقيمة هي تلك التي يُرَاعَى فيها هذا الجانب وذلك، ويظهر جلياً في تعاليم الإسلام وتشريعاته، فإلى جانب الدعوة إلى الإيمان والحرص على العبادة، نجد الدعوة إلى الأخذ بالأسباب المادية للحياة
قال تعالى: الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ .والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ البقرة:١-٥.
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ الملك:١٥
وقال الرسول ص : "يا عثمان أرغبت عن سنتي قال لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب قال: فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وأفطر وصل ونم.
وعلى هذا الأساس أقام المسلمون صرح الحضارة الإسلامية بمعطياتها الروحية والمادية، وحققت للإنسانية أقصى درجات طموحها في تلك العصور التي كان فيها العالم من حولها يعيش خواءً روحياً وأخلاقياً ، وتخلفاً واضحاً في صناعة الحياة. فكل نشاط مادي في ظل الحضارة الإسلامية له غاية أخلاقية، وفيه جانب روحي
قال ص "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلاَّ كان له به صدقة.
الحضارة الإسلامية حضارة الأمانة
تميزت الحضارة الإسلامية عن غيرها من أنواع الحضارات بأنها حضارة أمانة مطلقة، فعندما قام علماء المسلمين بترجمة ونقل الكثير من علوم اليونان والفرس والهنود وغيرهم، فإنهم لم ينسبوا ما نقلوا لأنفسهم، وإنما إلى أصحابه الذين نقلوا عنهم، فهم يقولون أن هذا الأمر عند حالينوس كذا، وإن أرسطو قال كذا، عملاً بقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء:٥٨.
عن النبي ص قال : "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان.
وهنا يبدو الفرق واضحاً بين رواج الحضارة الإسلامية من ناحية، وعلماء اليونان الذين نقلوا كثيراً عن غيرهم ونسبوه إلى أنفسهم من ناحية أخرى، وقد أثبتت الأبحاث الحديثة أن اليونانيين استقوا كثيراً من علومهم من قدماء المصريين ، ولم يشر اليونانيون لمصادر معلوماتهم ، وأثبتوها على أنها من اكتشافهم، وحتى الكثير من علماء أوروبا عندما أخذوا الحضارة الإسلامية فقد نسبوا كثيراً من الاكتشافات لأنفسهم، غير أن المخلصين منهم أثبتوا هذا الحق لعلماء المسلمين.
الحضارة الإسلامية حضارة العدل
ألزمت أسس الحضارة الإسلامية قادة المسلمين ، وقضاتهم ، وحكامهم بمراعاة العدل في المعاملة بين المسلمين، دون تمييز بين عناصرهم ، وفئاتهم ، وقومياتهم ، وطبقاتهم ؛ فالمسلمون كلهم سواء أمام الحق، وبين يدي القضاء، وإيجاد فرص العمل المتكافئة للجميع، وفي اقتباس العلم والمعرفة، فالتفاضل الذي تدعو إليه الحياة يقوم على التمايز بين الأفراد بخصائصهم الفردية الفطرية والمكتسبة
وشواهد مراعاة العدل بين الناس في نصوص الشريعة الإسلامية كثيرة جدّاً ؛ لنأت منها بالكليات الكبرى:
-1العدل في مجال حق الحياة :
لقد قرر الإسلام أن نفس المسلم مكافئة لنفس المسلم في حق الحياة، مهما كانت الفوارق الشخصية قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ٩٢ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا النساء:٩٢-٩٣.وقال النبي ص: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة "، فهل في الحضارات الإنسانية الراقية سمو مثل هذا السمو الذي يقرر الإسلام ، وعدل مثل هذا العدل الذي يهدف إلى صيانة حياة الناس ! هذه هي الحضارة الإسلامية، بينما نجد في حضارات أخرى تفخر برقيها المادي المدهش ، تميزات عنصرية منتنة، تهدر فيها حياة الأبرياء ، ولا جريمة لهم إلا ألوانهم السوداء ، أو أنهم من أعراق أخرى، أو من أحزاب ومذاهب مخالفة.
2-العدل في مجال الحكم
لقد قرر الإسلام وجوب العمل بالعدل في الحكم ، والقضاء ، وفي أداء الشهادات دون تمييز أو محاباة قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء:٥٨. قال رسول الله ص: "أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب، فقال: أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
3-العدل في المعاملات الأدبية
وفي مجال تبادل المسلمين مظاهر الإخاء الإيماني ، والبعد عن كل مظهر من مظاهر تعالي بعضهم على بعض يأمر الله تعالى أن يكرم المسلم أخاه المسلم ؛ فيرد تحيته بأحسن منها، أو بمثلها مهما كانت الفوارق بينهما، وينهى عن السخرية ، واللمز والتنابز بالألقاب ، قال تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا النساء:٨٦
وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ الحجرات:١١.
قال رسول الله ص: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"،
وقال رسول الله ص : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا.
وبهذا نلاحظ مبلغ الرقي العظيم الذي تتصف به أسس الحضارة الإسلامية في بنائها الفكري الجيد.
منجزات الحضارة الإسلامية
لقد بينا فيما سبق خصائص الحضارة الإسلامية ، والآن ننتقل إلى بيان منجزات الحضارة الإسلامية في شتى مجالات العلوم الطبيعية.
لقد اعتنى المسلمون بالعلوم الطبيعية؛ حيث قاموا بترجمة المؤلفات اليونانية، ولكنهم لم يكتفوا بنقلها، بل توسعوا فيها، وأضافوا إليها إضافات هامة ؛ تعتبر أساس البحث العلمي الحديث، وقد قويت عندهم الملاحظة، وحب التجربة والاختبار، وفيما يلي نتحدث عن أهم المنجزات العلمية في الحضارة الإسلامية:
علم الطب
من فروع الطبيعيات صناعة الطب، وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض ويصح؛ فيحاول صاحبها حفظ الصحة ، وبرء المرض بالأدوية والأغذية، بعد أن يتبين المرض الذي يخصُّ كل عضو من أعضاء البدن، وأسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها، وما لكل مرض من الأدوية.
والدافع الرئيسي لاهتمام المسلمين بالطب والإبداع فيه الإشارات الطبية التي وردت في القرآن الكريم والأحاديث النبوية وهي كثيرة منها: قول الله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة:٢٢٢.
وقال الرسول ص: "تداووا عباد الله فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم"، وقوله ص: "ما أنزل الله من داء إلا وقد أنزل معه شفاء علمه من علمه و جهله من جهله".
وقد توصل الأطباء المسلمون إلى أراء جديدة في الطب تخالف أراء القدماء في معالجة كثير من الأمراض، واستخدموا في مستشفياتهم الكاويات في الجراحة، ووصفوا صب الماء البارد لقطع النزف أو معالجة الحميات، وعالجوا الأورام الأنفية وخياطة الجروح، وقطع اللوزتين، وشق أوراق الحلق، وقطع الأثداء السرطانية، وإخراج الحصاة من المثانة، وجراحة الفتق وجراحة العيون، وإخراج الجنين بالآلة، وإخراج العظام المكسورة، واستخدام المرقد (البنج أو المخدر)، كما فرقوا بين الحصبة والجدري.
وقد عرف المسلمون الأوائل التخصص، فلم يسمحوا لأحد بممارسة الطب إلا بعد نجاحه في امتحان في كتب التخصص المعروفة، للتأكد من سعة ثقافة الطلاب النظرية والعملية، وللوثوق من مهارتهم ومقدرتهم على التشخيص والعلاج، قبل أداء اليمين، وحصولهم على شهادة مكتوبة تحدد لهم الأمراض التي يمكنهم مواجهتها وعلاجها. ومن التخصصات التي عرفها المسلمون طب الأمراض الباطنية، والجراحة، وطب العظام، وطب النساء، وطب الأطفال، وطب الأسنان، والطب النفسي والعقلي
علم الكيمياء
بعد أن عرفنا دور علماء المسلمين في علم الطب والصيدلة ننتقل بك الآن لتتعرف على دورهم في علم الكيمياء.
اعتمد علماء المسلمين في معرفتهم لعلم الكيمياء على الكتب المترجمة من اليونانية، وعلى كتب علماء الإسكندرية بالذات، ولكنهم لم يقفوا عند حد نقل كتب القدماء، بل قاموا باكتشافات مهمة، فهم الذين أسسوا الكيمياء الحديثة بتجاربهم وملاحظاتهم الدقيقة ، ومستحضراتهم الهامة
ومن إضافاتهم الهامة في الكيمياء اكتشافهم القلويات، وروح النشادر، ونترات الفضة ونترات الصودا، وغير ذلك من أنواع المواد الكيمياوية مما تقوم عليه كثير من الصناعات الحديثة من صناعة الصابون، والورق والحرير ومن أهم كتب الكيمياء التي ألفها علماء المسلمين : كتاب الأسرار ، وكتاب سر الأسرار، وكتاب الاستتمام.
العلوم الرياضية
تشمل العلوم الرياضية علم الحساب والجبر والهندسة وعلم المثلثات.
وقد وجه المسلمون جانباً كبيراً من اهتمامهم بالعلوم إلى الرياضيات، فذاعت دراستها لديهم ونبغوا فيها، وأضافوا إلى ما نقلوه عن اليونان والهنود الكثير مما لم يكن معروفاً من قبل. وإلى القرآن الكريم يعود نشاط المسلمين في هذا العلم، فقد أثار القرآن العقل الإنساني، وجعل معرفة هذا العلم وسائر العلوم فرضاً على الكفاية لارتباطها بحياة المسلمين الدينية والدنيوية، فقد كانوا في حاجة على الحساب والجبر لحساب المواريث والفرائض وغيرها، وإلى الهندسة لبناء المساجد وتحديد القبلة، وإلى المثلثات لبناء المآذن والمنائر والجسور وغير ذلك، وفيما يلي بعض منجزاتهم في الرياضيات:
أ. الحساب:
لقد اقتبس المسلمون في بداية نهضتهم العلمية الأرقام الهندية كما أخذوا عنهم الصفر للدلالة على "لا شيء".ويرجع إلى علماء المسلمين إيجاد طريقة الإحصاء العشري، كما أنهم عرفوا الكسر العشري، وابتكروا الفاصلة للكسر العشري، وأحدثوا بذلك ثورة ضخمة في علم الحساب.
وقد وضع العلماء المسلمون مؤلفات كثيرة في الحساب ، من أهمها كتاب "الفصول في الحساب الهندي"، و"مفتاح الحساب"، و "الرسالة المحيطة"، وقد قام الغرب بترجمة هذه الكتب.
ب. علم الجبر:
لم تتوقف إسهامات علماء المسلمين في مجال الرياضيات على الحساب، وإنما امتدت إسهاماتهم إلى بقية العلوم الرياضية، وفي مقدمتها علم "الجبر" الذي لا يزال محتفظاً باسمه العربي في مختلف لغات العالم٦٠. وقد أصبح علماً قائماً بذاته، وله قيمة كبرى معروفة في حل المسائل العويصة للرياضيات، وله أيضاً قيمة علمية في تسهيل كثير من شؤون الحياة٦١.
ومن أهم إضافات المسلمين في علم الجبر استعمال الرموز التي تستخدم حتى اليوم، وهي (جـ) للجذر و (س) للمجهول و (م) للمربع المجهول، وثلاثة نقاط للتعبير عن النسبة. أما أشهر مؤلفات علم الجبر عند المسلمين فهو كتاب "الجبر والمقابلة" فكان منبعاً لعلماء المسلمين ، ولعلماء الغرب على حد سواء.
ج. الهندسة :
الهندسة فرع من فروع الرياضيات يؤدي إلى دراسة الأشكال من حيث الحجم والمسافة. وقد اهتم علماء المسلمين بهذا العلم؛ حيث قاموا بترجمة كتاب "الأصول" لاقليدس، وألفوا كتباً على مستواه أدخلوا فيها قضايا جديدة لم يعرفها القدماء، كما ابتكروا حلولاً لبعض المسائل الهندسية.
قسم المسلمون الهندسة إلى قسمين:
1-هندسة عقلية، وهي التي تعرف وتفهم، أو التي تسمى الهندسة النظرية.
2-الهندسة الحسية، وهي التي ترى بالعين، وتدرك باللمس أي الهندسة التطبيقية. وقد ركز المسلمون اهتمامهم على الهندسة التطبيقية.
د. علم المثلثات:
لئن كان المسلمون مسبوقين في الهندسة، فإنهم من أوائل واضعي علم المثلثات، فإليهم يرجع الفضل في وضعه بشكل علمي منظم مستقل عن علم الفلك؛ وعلم المثلثات ببحث في الزوايا وعلاقتها بالأبعاد.
وقد فاق علماء المسلمين في علم المثلثات غيرهم من العلماء؛ فهم أول من فَصَلُوا علم المثلثات عن علم الفلك، كما كانوا أول من استخدم الظلال، ظلال التمام والقواطع والجيوب، وجيوب التمام في قياس الزوايا والمثلثات
علم الفلك
علم الفلك هو علم يبحث عن ظواهر الأجرام السماوية من النجوم والكواكب، وأحوالها وأبعادها وحركاتها.
وقد اتجه المسلمون لدراسة هذا العلم دراسة دقيقة نابعة من توجيهات القرآن الكريم والسنة النبوبوية وإشاراتهما إلى الموضوعات الفلكية، قال تعالى: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ٧٥ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ الواقعة:٧٥-٧٦.
وقوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يس:٣٨-٤٠.
وقال المصطفى ص: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين"، فانطلق المسلمون استجابة لتوجيهات القرآن والسنة ينظرون ويدرسون هذا الفضاء الفسيح؛ فبدءوا بترجمة الكتب التي تتحدث عن الفلك عند اليونان والفرس والهنود وغيرهم، ولم يكن اهتمامهم بالفلك ترفاً وإنما كان تلبية لدوافع علمية ودينية٦٧، حيث برعوا فيه، وأضافوا إضافات هامة منها: إدخال خطوط التماس في الحساب الفلكي، ووضع جداول لحركة الكواكب، وتوصلوا أيضاً إلى نظرية دوران الأرض وكرويتها وتحسين الاستطرلاب،٦٨ واختراع آلة الرصد "التلسكوب"، كما حددوا في جميع أنحاء الدولة الإسلامية اتجاه القبلة في المساجد
أسباب اهتمام المسلمين بعلم الفلك :
هناك عوامل عديدة جعلت المسلمين يهتمون بدراسة علم الفلك من أهمها:
1-الآيات القرآنية التي أنزلت في منفعة الأجرام.
2-المساعدة على معرفة الخالق.
3-معرفة موقع القبلة.
4-الحاجة إلى حل المسائل المعقدة المتصلة بشروط رؤية الهلال.
5-معرفة المواقع الجغرافية للبلدان، وحركة الشمس.
6-ضرورة معرفة حركات النيرين.
علم الجغرافيا
تعني كلمة "جغرافيا" صورة الأرض، فهو علم يتعرف منه على أحوال الأقاليم السبعة الواقعة في الركن المسكون من كرة الأرض، وعرض البلدان الواقعة فيه وأطوالها، إلى غير ذلك من أحوال الربع المعمور.
كان المسلمون الأوائل يعيشون في بيئة صحراوية، ارتبطوا بها، ولمسوا تغيرات الجو، وعرفوا تطوراته، وكانت تضاريس الصحراء، وما بها من جبال وتلال وهضاب وسهول ووديان، وأماكن المياه، كان ذلك دافعًا لهم للاهتمام بعلم الجغرافية وبراعتهم فيه إلى جانب الآيات والأحاديث التي لها ارتباط وثيق بالموضوعات الجعرافية، مثل قول الله عز وجل: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ النمل:٨٨، وقوله تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا النازعات:٣٠، وقول النبي ص: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي.
لقد استفاد المسلمون من معارف الأمم السابقة في الجغرافية، وأضافوا إليها معلومات جغرافية كثيرة، فقد برعوا في مجال الجغرافيا الوصفية، وهي ما عرف بعلم المسالك والممالك، وقاموا في ذلك بعدة رحلات برية وبحرية كثيرة وصفوا خلالها الطرق والمسافات والمدن والأقطار وصفًا دقيقًا رائعًا، كما برع المسلمون في مجال التأليف الجغرافي ومحاولة التفسير العلمي لبعض الظواهر الجغرافية.
أسباب اهتمام المسلمين بعلم الجغرافيا :
هناك عوامل عديدة سهلت دراسة الجغرافيا عند المسلمين من أهمها:
1-أداء فريضة الحج
2-الفتوحات الإسلامية
3-طلب العلم
4-وضع الخراج على الأقاليم
5-حركة التجارة
6-السفارات الإسلامية السياسية مع الدول الأخرى
7-حب المسلمين للسياحة والرحلات
ومن أهم المؤلفات في علم الجغرافيا عند المسلمين كتاب "نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق"، وكتاب "معجم البلدان
علم الأحياء
لقد اهتم المسلمون بعلم الأحياء اهتماماً كبيراً ؛ حيث قاموا بدراسة النباتات والحيوانات، وفي الفقرات التالية سوف نتحدث عن علم النبات والحيوان عند علماء المسلمين.
علم النبات :
علم النبات علم يبحث عن خواص النبات وعجائبها وأشكالها ومنافعها ومضارها. وقد كان الوحي بشقيه حافزاً على البحث والتقصي في هذا العلم قال تعالى: وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ النمل:٦٠، وقوله جل جلاله: يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ النحل:١١. وقول الرسول ص: "أيما امرئ أبر نخلاً ثم باع أصلها فللذي أبر ثمر النخل إلا أن يشترط المبتاع"، وقول ص: "لا يغرس المسلم غرساً، ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة".
واستمد علماء المسلمين علمهم في مجال النبات من مصادر مختلفة هندية وفارسية ويونانية، وكان اهتمام المسلمين في علم النبات في البداية مبنياً على أغراض لغوية، ولكنها تطورت وصارت لأهداف متنوعة منها الزراعة والصيدلة وتجميل المنازل والمنتزهات والحدائق والبساتين.
أما إسهامات المسلمين في علم النبات فتمثل في الآتي:
1-علماء المسلمين أول من وضع أساس علم النبات وطبيعة الأرض على أساس علمي تجريبي وفق ما كانوا يملكون من معطيات وأدوات.
2-اتجه علماء المسلمين إلى دراسة النباتات والحشائش التي لها قيمة طبية، واستخلصوا منها مواد كثيرة للطب والصيدلة.
3-اهتموا بعلم الزراعة والفلاحة والبساتين، فحفروا الآبار والترع ، وأنشؤوا حدائق ومزارع.
علم الحيوان :
ارتبط اهتمام المسلمين ارتباطاً وثيقاً عند دراستهم لعلم النبات بدراسة علم الحيوان، وكانت تعاليم القرآن والسنة الشريفة والإشارات العلمية الواردة فيهما خير دافع للمسلمين للبحث في ميدان علم الحيوان، والآيات التي جاءت فيها الإشارات إلى هذا العلم كثيرة منها قوله تعالى: وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ٥ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ٦ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ٧ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ النحل:٥-٨، وقوله تعالى: أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ الغاشية:١٧.
وكانت المعاجم اللغوية من أبرز الوسائل لمعرفة دراسة الحيوان من حيث شكله الخارجي وأحواله ومعاشه وأوصافه واختلاف أجناسه، وهذه المعاجم عربية أصيلة ليس للثقافات القديمة عليها تأثير.
وقد اهتم علماء المسلمين بمعرفة وتدوين الملاحظات الدقيقة على كل حيوان من الحيوانات فيما يختص بحياته وخلقه، واهتموا أيضاً بعلم البيطرة والثروة الحيوانية وكل ما يتعلق بتطورها ونمائها، وسبقوا غيرهم من الأمم إلى الحديث عن سلوك الحيوان.
ومن أشهر الكتب لدى المسلمين في علم الحيوان "كتاب الطير" و "كتاب النحل والعسل" و "كتاب صفات الغنم وأنواعها وعلاجها وأسنانها".
العوامل التي أدت إلى تطور علم النبات والحيوان:
1-وجود آيات قرآنية كثيرة تتحدث عن النبات والحيوان.
2-أمر الله عزوجل الإنسان أن ينظر ويتأمل في النبات والحيوان.
3-حاجتهم للنبات إلى علاج بعض الأمراض.
علم الفيزياء
علم الفيزياء ويعرف أيضاً بعلم الطبيعة، وهو واحد من العلوم العقلية التي اهتم بها المسلمون اهتماماً كبيراً. لقد أخذ المسلمون الفيزياء في بداية أمرهم من علوم اليونان، لكنهم تفوقوا تفوقاً كبيراً، وأصبحوا رواداً في مجال الفيزياء، وذلك لأن اليونانيين كانوا يعتمدون على النظري فقط، بينما اشتغل علماء المسلمين بالتجربة، والاستقراء والتطبيق. ومن أهم إضافات المسلمين وإنجازاتهم في الفيزياء الحركة والسكون ومركز الثقل، وجر الأثقال بالقوة اليسيرة، وكذلك انكسار الضوء، والمرايا المحرقة، والجاذبية، والثقل النوعي والقوانين النمائية، التي تحكم العيون والينابيع والآبار الارتوازي.
وهناك ظواهر طبيعية فيزيائية مهمة نجح المسلمون في فهمها ، ووضْع نظريات علمية لها، ونخص بذلك قانون الجاذبية الذي ذكروا أن إسحاق نيوتن هو أول من نادى بنظرية الجاذبية، ولكن الحقيقة أن اليونانيين القدامى وعلى رأسهم أرسطوا انتبهوا لظاهرة سقوط الأجسام، وبعدها اهتدى علماء المسلمين بفضل دينهم الحنيف إلى التفسير العلمي لظواهر الكون، وقدموا لتفسير السقوط الحر للأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية .
وقد قام المسلمون بدراسات وأبحاث قيمة في الرؤية المستقيمة والمنعكسة والضوء والمرايات وغيرها من المواضيع .
أثر الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية
ألممنا فيما تقدم بما حققه علماء المسلمين في ميادين العلوم التطبيقية على اختلافها، ويجدر بنا الآن أن نسلط الضوء على أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الغربية.
اتفق الباحثون المنصفون على أن الحضارة الإسلامية كان لها آثار بالغة في الحضارة الغربية، ونستطيع أن نجمل هذه الآثار في ميادين أربعة رئيسية
1-ميدان العقيدة والدين
فقد كان لمبادئ الحضارة الإسلامية أثر كبير في حركات الإصلاح الدينية التي قامت في أوروبا منذ القرن السابع حتى عصر النهضة الحديثة، فالإسلام الذي أعلن وحدانية الله في ألوهيته وروبوبيته وأسمائه وصفاته، وتنزيهه عن التجسيم والتشبيه والتعطيل، كما أعلن استقلال الإنسان في عبادته وصلته مع الله وفهمه لشرائعه دون وساطة مخلوق أياًّ كانت منزلته، كان عاملاً كبيراً في تفتيح أذهان شعوب أوروبا إلى هذه المبادئ السامية والتأثر بها مع فتوحات الإسلام في الشرق والغرب، إذ قام في القرن السابع الميلادي في الأوروبيين من ينكر عبادة الصور، ثم قام بعدهم من ينكر الوساطة بين الله وعباده، ويدعو إلى الاستقلال في فهم الكتب المقدسة بعيداً عن سلطان رجال الدين ومراقبتهم، ويؤكد كثير من الباحثين أن "لوثر" في حركته الإصلاحية كان متأثراً بما قرأه عن للعلماء المسلمين من آراء في العقيدة والوحي، وقد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب العلماء المسلمين التي ترجمت إلى اللاتينية .
2-ميدان التشريع
لم يقتصر أثر الحضارة الإسلامية في الحضارة الأوروبية على العقيدة والدين والعلوم التطبيقية واللغة، بل تعداه ليشمل مجال التشريع، حيث كان لاتصال الطلاب الأوروبيين بالمدارس والجامعات الإسلامية في الأندلس وغيرها أثر كبير في نقل مجموعة من الأفكار الفقهية والتشريعية إلى لغاتهم، ففي عهد نابليون في مصر ترجم أشهر كتب الفقه المالكي إلى اللغة الفرنسية، ومن أوائل هذه الكتب "كتاب الخليل" الذي كان نواة للقانون المدني الفرنسي، وقد جاء متشابهاً إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي .
3-ميدان العلوم التطبيقية
في الفترة الذهبية من تاريخ الإسلام، أنشئت المدارس والجامعات في مختلف البلاد الإسلامية شرقاً وغرباً، وكثرت المكتبات وامتلأت بالمؤلفات في شتى العلوم من طب ورياضيات وكيمياء وجغرافيا وفلك. اجتذبت هذه المدارس والجامعات والمكتبات الباحثين الأوروبيين عن المعرفة، وكانوا شديدي الإعجاب والشغف بكل ما يدرسون ويقرأون من هذه العلوم في جو من الحرية لا يعرفون له مثيلاً في بلادهم، ففي الوقت الذي كان علماء المسلمين يتحدثون في حلقاتهم العلمية ومؤلفاتهم عن دوران الأرض وكرويتها وحركات الأفلاك والأجرام السماوية، كانت عقول الأوروبيين تمتلئ بالخرافات والأوهام عن هذه الحقائق كلها، ومن ثم ابتدأت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية، وغدت كتب علماء المسلمين تدرس في الجامعات الأوروبية .
4-ميدان اللغة والأدب
قد تأثر الأوروبيون وخاصة شعراء الأسبان بالأدب العربي تأثراً كبيراً، فقد دخل أدب الفروسية والحماسة والمجاز والتخيلات الراقية إلى الآداب الأوروبية عن طريق الأدب العربي في الأندلس على الخصوص، يقول الكاتب الأسباني المشهور أبانيز " إن أوروبا لم تكن تعرف الفروسية ولا تدين بآدابها المرعية ولا نخوتها الحماسية قبل وفود العرب إلى الأندلس وانتشار فرسانهم وأبطالهم في أقطار الجنوب"، كما تأثرت اللغات الأوروبية على اختلافها باللغة العربية حيث دخلت فيها كلمات عربية في مختلف نواحي الحياة حتى أنها لتكاد كما هي في اللغة العربية، كالقطن والمسك والشراب والجرة والليمون وغير ذلك مما لا يحصى.
من هنا يتبين لنا أن الحضارة الإسلامية قد أسهمت في وضع أساس الحضارات الحديثة بنصيب موفور وأن فضلها عليها واضح غير منكور، وفي الحق، إن الحضارة الإسلامية قد أحدثت ثورة علمية عَمَّ خيرها العالم الإنساني كله، وقد اعترف بذلك كثير من المفكرين المنصفين الأوروبيين أمثال سارطون وينكلسون ودريبر وزنعريد هونكه،
يقول نيكسون: "إن أعمال العرب (أي المسلمين) العلمية اتصفت بالدقة وسعة الأفق. وقد استمد منها العلم الحديث – ما تحمله هذه العبارة من معان - مقوماته بصورة أكثر فعالية مما نفترض ويقول سيديو: "كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العلم والفلسفة والفنون، وقد نشروهما أينما حلت أقدامهم، وتسربت منهم إلى أوروبا، فكانوا هم سبباً في نهضتها وارتقائها".
الخلاصة
1. الحضارة تعني في أصل اللغة الإقامة في الحضر، والحضارة ضد البادية.
2. الحضارة في الاصطلاح هي الجهد الذي يقدمه مجتمع من المجتمعات لخدمة المجتمع البشري في جميع نواحي حياته المعنوية والمادية.
3. الحضارة الإسلامية هي ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية.
4. مجالات الحضارة الإسلامية ثلاثة، هي: المجال الأول وهو ما يخدم الجسد ويمتعه من وسائل العيش، وأسباب الرفاهية والنعيم، ومعطيات اللذة للحس أو النفس. والمجال الثاني وهو ما يخدم المجتمع الإنساني، ويكون من الوسائل والأسباب التي تمنحه سعادة التعاون والإخاء، والأمن والطمأنينة والرخاء، وتمنحه سيادة النظام والعدل والحق. والمجال الثالث وهو ما يخدم الجانب الروحي ويأخذ بيد الإنسان إلى تحقيق السعادة الحقيقية في الحياة الدنيوية والبرزخية والأخروية.
5. تمتاز الحضارة الإسلامية ببعض الخصائص من أهمها: أنها حضارة عقيدة، وحضارة عالمية، وإنسانية، وصالحة لكل زمان ومكان، ومتطورة، وتؤمن بالعلم، كما أنها تمزج بين المادة الروح، وهي حضارة أمانة مطلقة، وحضارة تتصف بالعدل.
6. حققت الحضارة الإسلامية منجزات رائعة في مجالات الطب، والصيدلة، والكيمياء، والعلوم الرياضية، والفلك، والجغرافيا، والخرائط، والأحياء، والفيزياء.
7. تركت الحضارة الإسلامية آثاراً واضحة في بناء الحضارة الغربية المعاصرة وتطورها، وذلك في ميدان العقيدة والدين، وميدان التشريع، وميدان العلوم التطبيقية، وميدان اللغة والأدب.
ارسال نظر